الخميس، 16 يناير 2025

الظلم والقهر والقمع«(5)» بقلم : د/علوي القاضي.

 «(5)» الظلم والقهر والقمع«(5)»

بقلمي : د/علوي القاضي.

 ... وصلا بما سبق فقد لمسنا في الأجزاء السابقة إهتمام الدراما والأدب والأدباء والكتاب والفلاسفة والمفكرين بقضية معاناة الشعوب من الظلم والقهر والقمع 

... ولم ينسى (الأدب الروسى) تلك القضايا الإجتماعية فقد تناولها بكل دقة وشفافية ، فما أبشع أن تكون ضعيفاً ، في هذه الدنيا  

... الأديب والفيلسوف الروسي (أنطون تشيخوف) أهدى الأدب العالمي قصة (المغفلة) التي تعد واحدة من أروع القصص القصيرة  

... ذلك الكاتب الذي أبدع في تصوير أعماق النفس البشرية ، يروي قصة (يوليا فاسيليفنا) ، مربية الأطفال البسيطة والخجولة ، التي تتعرض لإستغلال عاطفي ومادي من قبل سيدها الرأسمالي

... والقصة مليئة بالعبر والدروس حول ضعف الإنسان عندما يفتقر إلى الجرأة لرد الظلم والدفاع عن حقوقه ، وحول قسوة العالم الذي لايرحم من لايملك القوة لرد هذا الظلم والدفاع عن نفسه

... تنتهي القصة برسالة إنسانية مؤثرة تلخص تأملات الكاتب في الطبيعة البشرية والمجتمع

... القصة ليست مجرد حكاية عن شخصية (يوليا فاسيليفنا) ، بل هي دعوة للتأمل في ضعف الإنسان أمام الظلم والقهر والقمع ، وأهمية إمتلاك الشجاعة لمواجهة كل هذه التحديات

... تعد هذه القصة من أروع القصص القصيرة في تاريخ الأدب العالمي ، يقول الكاتب على لسان بطل القصة :

★★ منذ أيام دعوتُ إلى غرفة مكتبي مربّية أولادي (يوليا فاسيليفنا) لكي أدفع لها حسابها ، وقلت لها : إجلسي يا (يوليا) ، هيّا نتحاسب ، أنتِ في الغالب بحاجة إلى النقود ، ولكنك خجولة إلى درجة أنك لن تطلبينها بنفسك ، حسناً ، لقد إتفقنا على أن أدفع لك (ثلاثين روبلاً) في الشهر

*** قالت : أربعين

★★ قلت : كلا ، ثلاثين ، هذا مسجل عندي ، كنت دائما أدفع للمربيات (ثلاثين روبلاً)

*** قالت : حسناً

★★ قلت : لقد عملت لدينا شهرين

*** قالت : شهرين وخمسة أيام

★★ قلت : شهرين بالضبط ، هذا مسجل عندي ، إذن تستحقين (ستين روبلاً) ، نخصم منها تسعة أيام آحاد ، فأنت لم تعلّمي إبني (كوليا) في أيام الآحاد ، بل كنت تتنزهين معهم فقط ، ثم ثلاثة أيام أعياد 

.(تضرج وجه يوليا فاسيليفنا وعبثت أصابعها بأهداب الفستان ولكن لم تنبس بكلمة).

★★ واصلتُ ، قلت : نخصم ثلاثة أعياد إذن المجموع (إثنا عشر روبلاً) ، وكان إبني (كوليا) مريضاً أربعة أيام ولم يكن يدرس ، كنت تدرّسين لـ (فاريا) فقط ، وثلاثة أيام كانت أسنانك تؤلمك فسمحتْ لك زوجتي بعدم التدريس بعد الغداء ، إذن إثناعشر زائد سبعة ، تسعة عشر ، نخصم ، الباقي ، (واحد وأربعون روبلاً) ، مضبوط ؟

.(إحمرّت عين يوليا فاسيليفنا اليسرى ، وامتلأت بالدمع ، وارتعش ذقنها ، وسعلت بعصبية وتمخطت ، ولكن لم تنبس بكلمة).

★★ قلت : قبيل رأس السنة كسرتِ فنجاناً وطبقاً ، نخصم (روبلين) ، الفنجان أغلى من ذلك فهو موروث ، ولكن فليسامحك الله ! ، عليه العوض ، وبسبب تقصيرك تسلق (كوليا) الشجرة ومزق سترته ، نخصم عشرة ، وبسبب تقصيرك أيضا سرقتْ الخادمة من (فاريا) حذاء ، ومن واجبكِ أن ترعي كل شيء فأنتِ تتقاضين مرتباً ، وهكذا نخصم أيضا خمسة ، وفي 10 يناير أخذتِ مني (عشرة روبلات)

*** همست (يوليا فاسيليفنا) : لم آخذ

★★ قلت : ولكن ذلك مسجل عندي

*** قالت : حسناً ، ليكن

★★ واصلتُ ، وقلت : من واحد وأربعين نخصم سبعة وعشرين ، الباقي أربعة عشر

.(إمتلأت عيناها الإثنتان بالدموع ، وظهرت حبات العرق على أنفها الطويل الجميل ، ياللفتاة المسكينة).

*** قالت بصوت متهدج : أخذتُ مرةً واحدةً ، أخذت من حرمكم (ثلاثة روبلات) ، لم آخذ غيرها

★★ قلت : حقا ؟ ، أنظري وأنا لم أسجل ذلك ! ، نخصم من الأربعة عشر ثلاثة ، الباقي أحد عشر ، هاهي نقودك ياعزيزتي ! ثلاثة ؛ ثلاثة ؛ ثلاثة ؛ واحد ؛ واحد ؛ تفضلي 

.. ومددت لها (أحد عشر روبلاً) فتناولتها ووضعتها في جيبها بأصابع مرتعشة ، وهمست : شكراً

.(إنتفضتُ واقفاً وأخذتُ أروح وأجيء في الغرفة وإستولى عليّ الغضب).

★★ سألتها : شكراً على ماذا ؟!

*** قالت : على النقود

★★ قلت : يا للشيطان ولكني نهبتك ، وسلبتك ! ، لقد سرقت منك ! ، فعلام تقولين شكراً ؟!

*** قالت : في أماكن أخرى لم يعطوني شيئاً

★★ قلت : كيف لم يعطوكِ ؟! أليس هذا غريبا ؟! لقد مزحتُ معك ، لقنتك درساً قاسياً ، سأعطيك نقودك  (الثمانين روبلاً) كلها ، هاهي في المظروف جهزتها لكِ ! ولكن هل يمكن أن تكوني عاجزة إلى هذه الدرجة ؟! لماذا لاتحتجّين ؟! ،  لماذا تسكتين ؟! هل يمكن في هذه الدنيا ألاّ تكوني حادة الأنياب ؟! هل يمكن أن تكوني مغفلة إلى هذه الدرجة ؟!

.(إبتسمتْ بعجز فقرأت على وجهها : يمكن).

★★ سألتُها الصفح عن هذا الدرس القاسي وسلمتها ، بدهشتها البالغة ، (الثمانين روبلاً) كلها ، فشكرتني بخجل وخرجت

★★ تطلعتُ في أثرها وفكّرتُ : ما أبشع أن تكون ضعيفاً في هذه الدنيا وتقبل الظلم والقهر والقمع دون أن تدافع عن حريتك وحقك ونفسك

... ولنا في رواية (البؤساء) وفيلم (فبراير الأسود) دروسا نستفيد منها فى الجزء السادس والأخير إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة

... تحياتي ...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق