الاسراء والمعراج :
..............................
تعد هذه الحادثة في حياة وسيرة النبي محمد ( صل الله عليه وسلم) من اعظم واهم معجزة الهية اكرم بها الله سبحانه وتعالى احد من خلقه ، وهي خارقة لكل قوانين الطبيعة والادراك بمدلولها وتوصيف ترتيب سيرتها .
قال تعالى في كتابه الكريم :
(سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله ، لنريه من آياتنا انه السميع البصير ) .
حيث استهلت السورة الكريمة بسبحان الله ، وكلمة ( سبحان) علم على التنزيه المطلق لله ان يكون له مثيل في البشر ، لا ذاتا ولا صفة ولا فعلا ،وقد جاءت بصيغة المصدر للدلالة على الاطلاق ولَم يقيدها زمن او فاعل لتفيد فعل التسبيح لله تعالى قبل الخلق وبعده لمن كان يسبحه او لم يكن ، كما تدل ان ما سيأتي بعدها امر خارج عن نطاق قدرات البشر وعقله .
والاسراء هو نقل النبي (صَل الله عليه وسلم ) بالروح والجسد كما جاء في دلالة العبد وهي صفة حيثية ، فالعبودية في البشر عادة ما تكون نقيصة وذلة ، فالسيد يأخذ خير عبده لا كما في معنى العبودية لله فالعبد هنا ياخذ خير الله وبذلك تكون شرفا ومقاما .
ولو تأملنا في السورة جيدا فأننا سنجد ان الفعل اسرى جاء بعده بتوقيت لفظ (ليلا) دليل الظرف المؤكد الذي يأتي ليؤكد لمعنىً قبله وليدل ان الحدث حصل في جزء من الليل لا كما في المعنى لَو جاء معرفا بأل التعريف التي تدل على استغراقية الحدث كما في قوله تعالى :
( يسبحون الليل والنهار لا يفترون ) اي ان الحدث يستغرق الليل بطوله ، اما تعيين المكان من المسجد الحرام بمكة الى المسجد الاقصى حيث القدس الان والذي لم يكن في حينه مسجدا وانما بيت المقدس بوصف الله سبحانه وتعالى بانه سيكون مسجدا وارضا مباركة ، والذي بني للعبادة بعد الكعبة الشريفة بأربعين عاما حيث بناه سيدنا ابراهيم ( عليه السلام) .
واجاز كثير من العلماء ان الاسراء بالنبي (صَل الله عليه وسلم ) جرى من بيت ام هانئ حيث كان يبيت ليلته وهو لا يختلف في المعنى حيث ان مكة بارضها هي اشارة الى المسجد الحرام .
وقد ذكرت الاية الكريمةً الذي باركنا حوله فاضافت البركة للمكان وَما حوله وليس كمعنى مثلا لَو جاءت بصيغة الذي باركنا من حوله لتفيد المباركة زمنا بعينه وحدودا معلومة ، قد ترفع البركة منها بعد حين من الوقت .
وقد اراد الله سبحانه وتعالى بلفظ (لنريه) باضافة لام التعليل لحكمة دالة الى منهج لهذه الرحلة المباركة ولبعض من آيات خلقه وجزءا منها حيث قال:
(لنريه من آياتنا ) وهي ما جاء بوصف وحديث رسول الله (صَل الله عليه وسلم ) وهي بعضا من آيات خلق الله سبحانه وتعالى لعلم يعلمه هو ولغاية ربما لاتدركها الابصار ولا تعقلها الالباب ، ليختمها بقوله تعالى (انه السميع البصير ) وهذا الوصف يختلف لَو جاء مثلا القدير العليم لانها ستأتي بصيغة مفهومة لما سبق في قدرة الله وعلمه ، بينما جاءت بهذه الصفة الالهية لتضيف معنى اخر للقدرة التي اراد بها لنبيه ان يرى ويسمع وهي حواس بشرية اقرب للادراك والفهم عما سواها ..
والغريب هنا ان الله انتقل في الايات التي تلتها الى احداث تبدو لقارئها انها لا تَأتِي بسياق الاية المباركة هذه ، ولا تشمل معناها ومقصودها ، ولكن المتبحر في قراءة القران وتدبره سيفهم مدلول التسبيح الذي جاء في هذه السورة لاكثر من موقع ومعنى ودلالة .
اما المعراج والذي هو الرحلة المكملة للاسراء فان القران الكريم لم يتناولها بتفصيلها وانما جاءت على لسان النبي ( صَل الله عليه وسلم ) لاكثر من غاية ومعنى ، فقد شملت هذه الحادثة العديد من الاعجاز
الذي عرج بها (صَل الله عليه وسلم ) بجناح سيدنا جبريل ( عليه السلام ) الى السماوات السبع حتى سدرة المنتهى حيث عرش الله العظيم .
الحمد لله حق حمده والصلاة على من لا نبي بعده ، واني ساكتفي بهذا القدر من تفصيل الاسراء والمعراج الذي يحتاج الى اكثر من باب وحلقة ودرس ، ولما فِيهِ من اسباب التكريم الالهي لنبينا ( صَل الله عليه وسلم ) وتطمينا لقلبه الشريف وتعظيما لشأنه ومقامه الكريم بين انبياء الله وخلقه وتمحيصا لقلوب المؤمنين وايمانهم بدعوة الله ورسالته .
.....................................................................
عبد الكريم احمد الزيدي
العراق / بغداد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق