الجزء السادس من قصيدتي
"رهين النكبات" المكوّنة من
320 رباعية
هنا من 126-150
126
يبدو بِأَنَّ الْخيرَ مُنْقِطِعُ
عنْ قلبِ مَنْ بالْغَدْرِ ينْطَبِعُ
خيانَةُ الأَوْطانِ يورِثُها
الْجَدُّ والابنُ يَصْطَنِعُ
127
لا يولَدُ الطِّفْلُ عميلًا ولا
عِندَ الْعِدى بالذُّلِّ مُنْشَغِلا
خيانَةَ الأجدادِ يَرْضَعُها
فيُصْبِحُ الْجَدُّ لَهُ مَثَلا
128
زَيْتونَتي أَحْبَبْتُها فَأبي
قالَ لنا لمّا أتاهُ الصَّبي
قامَ بِزَرْعِها وَتَقْليمِها
وذاتَ نحْسٍ جُنَّ من غضَبِ
129
سألتُهُ ما بِكَ يا والِدي
وقدْ دَعاكَ الناسُ بالزّاهِدِ
ما لي أراكَ ثائِرًا غاضِبًا
وأَنتَ خيْرُ عالِمٍ راشِدِ
130
لمْ يُعْطِ إجابَةً تُسْعِفُ
ولمْ يكُنْ أبي الَّذي أعْرِفُ
إذْ كانَ دائِمًا يُفسِّرُ لي
وَيشْرَحُ الأشياءَ بلْ يَكْشِفُ
131
عنْ أصْعبَ الأوْضاعِ في البَلَدِ
كيْ لا يَرى الأَبناءَ في كَبَدِ
لذلِكمُ قال بِحُزْنٍ لنا
وَعائِذًا بالْواحِدِ الْأَحدِ
132
رأى على زيْتونَتي طائِرا
كان غريبًا رُبّما عابِرا
لكنَّهُ حَطَّ عليْها ولمْ
يطِرْ فهلْ لِأرْضِنا هاجَرا؟
133
ذَهَبْتُ حتى أُبْصِرَ الطّائِرا
لكِنَّهُ أوْقَفَني حائِرا
كانَ قبيحًا بشِعًا مُزْعِجًا
إبْليسَ قدْ رَأيْتُهُ حاضِرا
134
أَمِنْ سَعيرٍ جاءَنا يَنْفُثُ
نارًا وَبِالأرضِ كذا يعْبَثُ؟
يا ويْحَ قلبي مِنْ لَظى مَكْرِهِ
وَغَدْرِهِ وَكُلِّ ما يَخْبُثُ
135
أبي تجاهَلَ الْغريبَ وما
ظَنَّ بِهِ شرًا سِوى عِندما
شاهَدَهُ يَطرُدُ من عُشِّها
حَمامةً كانَ لها طاعِما
136
بلْ إنَّها كانتْ بِإِنشادِها
صُبْحًا وَدائِمًا بميعادِها
توقِظُنا لِكَيْ نُصَلّي مَعًا
فكيفَ يفْتَري بِإبْعادِها
137
كانَ أبي بالْوُدِّ لا ينْضُبُ
وقلْبُهُ مُسالِمٌ طيِّبُ
ونادِرًا ما كانَ يَنْفَعِلُ
وليْسَ مِنْ صِفاتِهِ الْغَضَبُ
138
تعجَّبَ والِدي منْ أمْرِهِ
لكنَّهُ أبقاهُ في سِرِّهِ
أمّا أنا فخِفْتُ من صوْتِهِ
وكُنتُ أسْتَبْسِلُّ في نحْرِهِ
139
حاوَلْتُ طَرْدَهُ ولكنْ سُدى
عانَدَنا أوْ هكَذا لي بَدا
حتى تَحَدّانا بوَحْشِيَّةٍ
بلْ بِصُراخٍ اسْتَفَزَّ الْمدى
140
ظلَّ على زيْتونَتي قابِعا
يصْرُخُ حتى خِلْتُهُ جائِعا
صُراخُهُ الْمُزْعِجُ أرَّقَني
فقُمْتُ كيْ أطْرُدَهُ مُسرْعا
141
أحَسَ بي أبي فأرْجَعَني
قالَ سيَخْتَفي فأقْنَعَني
تحسَّنتْ لا ريْبَ نفْسِيَّتي
لكنَّ بعضَ الْخوْفِ زعْزَعَني
142
حاولتُ أنْ أنامَ مُعْتَقِدا
بلْ وَعلى الوالِدِ مُعْتمِدا
إذْ قالَ جازمًا مِنَ الْخِبْرةِ
بأنَّهُ سوْفَ يطيرُ غدا
143
فَلْأّنْتَظِرْ إلى غَدٍ أَقْدَرُ
أَلمْ أَكُنْ مِنْ قبْلِهِ أَصْبِرُ
حتى أنا ما كُنْتُ أَحسَبُهُ
ذا خطَرٍ إذًا سَأَنْتَظِرُ
144
يُهاجِرُ الطَّيْرُ إلى بَلدي
حيْثُ يَمُرُّ الْوَقْتُ في رَغَدِ
هِجْرَتُها طَبْعًا يقومُ بِها
في كُلِّ عامٍ وَإلى الْأَبَدِ
145
بَعْدَ انْقِطاعِ الثَّلْجِ في الْوَطَنِ
وَعَوْدَةِ الأَوْراقِ للْفَنَنِ
يَعودُ لِلْأَوْطانِ ثانِيَةً
وَزَحْمةِ السُّكانِ في الْمُدُنِ
146
لذلِكُمْ لا بُدَّ أنْ يَرْجِعا
لا أنْ يَظَلَّ هاهُنا قابِعا
غريزةُ الطَّائِرِ أنْ يَرْحَلا
ثُمَّ يَعودَ للْحِمى طائِعا
147
هلْ طارَ فِعْلًا سألَ السّائِلُ
وهل يَطيرُ الغاصِبُ الْقاتِلُ
أجَبْتُهُ والدَّمْعُ منهَمِرٌ
لا إنَهُ في بيْتِنا نازِلُ
148
لا بأسَ واعْتبرْتُهُ ضيْفَنا
لليْلةٍ فلْنَكْتُمَنْ خوْفَنا
مِنْ طائِرٍ بَدا لَنا أَحْمَقا
عارٌ إذًا إظْهارُنا سُخْفَنا
149
هذا الّذي فكَّرْتُ في قوْلِهِ
معْ أَنَّني اشْمأْزَزْتُ مِنْ شَكْلِهِ
يا ويلَنا نَخافُ مِنْ طائِرٍ
يَصْرُخُ إذْ يبْحَثُ عنْ أكْلِهِ
150
ضحِكْتُ ثمَّ قُلْتُ إنّي الْغَبي
بلْ كُلُّنا كنّا وحتى أبي
قُلْنا وحيدٌ سيَطيرُ غدًا
وليْسَ للْبقاءِ مِن سبَبِ
د. أسامه مصاروه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق