بين الحلم ... والواقع
تراودنا الأحلام منذ تكويننا الأول في الأرحام ، وقد أثبته العلم ، فالجنين يحلم في بطنه أمه ، ولكن يبقى السؤال بماذا يحلم الجنين؟!..هذا السؤال جوابه في عالم الغيب ربما الأيام المقبلة ستجيب عنه . . .
لكننا بالتأكيد نعرف بماذا يحلم الإنسان ، منذ أن بدأ يخطو خطواته الأولى في مشوار الحياة ، وإمتلك أدوات التعبير من لغة وغيرها من وسائل التعبير المختلفة بدأت تتضح معالم أحلامه .
ربما الدافع الأول للأحلام تغيير الواقع الذي يعيش به ، أو إضفاء لوناً عليه يزيده بهجة ورونقاً ، ويخفف من قسوته وسواده ، أو لخلق عالماً أكثر جمالاً وعدلاً ومساواة . . .
تبدو المسافة بين الحلم والواقع متغيرة ،
قد تقترب كثيراً في المجتمعات المتحضرة والراقية التي تعتبر تربة خصبة للأحلام حتى تتعانق معها ، وتتسع المسافة في مجتمعات أخرى لتبدو بعيدة جداً لا إلتقاء بينهما . وهذه العلاقة متغيرة ليست ثابتة
تختلف من زمان لزمان في المكان الأول ، ومن مكان لمكان أخر .
لكن محاولة الإنسان لإلتقاط الحلم لا تتوقف ، الشعوب الحية هي من تحلم فقط ، أما الشعوب الميتة فهي التي دفنت أحلامها باكراً ونامت في كهوف الماضي تسكر بأمجادها الماضية ، وحاضرها ينزف ألماً وعجزاً وذلاً .
المهم أن لا تتوقف دورة أحلامنا ، حتى
وإن أخفقنا في بلوغها وتحقيقها ، نفشل مرات عديدة بذلك فتتعثر أحلامنا وتترنَّح وتهوى على أرض الواقع ، فنفترش خيباتنا ، ونلتحف بغطاء الأمل لبعض الوقت لنتعافى من هول السقوط ، لكن لا نلبث أن ننهض من جديد وتنهض معنا رافعين راية التحدي ، فيكون النجاح حليفنا معاً متى إمتلكنا إرادة التحدي والتغيير ، لنخلق عالم أحلامنا فيزهو واقعنا ولنعيش في محبة وسلام وأمن .
تتغير أحلامنا وتتبدل حسب مراحل نمونا ونضجنا في تجارب الحياة المتلاحقة وتطور وعينا ، فنحلم بالتحليق عالياً في فضاء رحب لا قيود ولا موانع أوعقبات فيه ، فنحلم بالحرية والكرامة والعدالة والمساواة ومستقبل زاهر وعيش كريم والحب والسلام وعالم لا حروب تذبح إنسانيته كل يوم أمام أعيننا ونحن لا نحرك ساكناً . . .
لكن تبقى أعظم أحلامنا ، أن نخلق أوطاناً تليق بنا وبحجم أحلامنا ، أوطان تتمتع بالدفء وتفيض إنسانية تنعم بالحرية والكرامة والمستقبل المشرق وننعم بربوعها جميعاً بالمساواة والعدالة وبسيادة القانون ، أوطان تؤمن بالمواطنة لجميع أفرادها فتشعرنا بالسعادة والأمان فنفخر ونعتز بها وتفخر بنا ، لا مكان بها للظلم والتعصب والإقصاء ومنفتحة على ثقافات العالم . . .
وأجمل سماتها العيش المشترك ، وقبول الآخر المختلف فتتفتح في أفيائها ورود العلم والثقافة والفن والجمال وتشع أنوارهم فتدحر جيوش الظلام من ربوعها فينتشر عطر حضارتنا بالعالم أجمع ويسهمون بمسيرة الحضارة الإنسانية الشاملة .
. . . . . . . . . . .
بقلمي فاطمة حرفوش سوريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق