الثلاثاء، 7 يناير 2025

فلسفة اللذة والألم والدوبامين(10) دراسة وتحليل : د/علوي القاضي.

 (10)فلسفة اللذة والألم والدوبامين(10)

دراسة وتحليل : د/علوي القاضي.

... وصلا بماسبق فقد قدمت الطبيبة النفسية (ٱنا ليمبيكي) في كتابها (أمة الدوبامين) وصفا دقيقا لتعريف الإدمان وطرقه وأنواعه وطرق التخلص منه ، وقد أفاضت واستفاضت في تشخيص المرض وطرق العلاج بصفتها طبيبة نفسية

... وهذا ماوصلت إليه الأستاذة (رفيقة مسعودي) ، فتقول ، أن اللذة والألم متلازمان ومترابطان ومتأرجحان كصغيرين على أرجوحة ، يتسابقان ليصل كل منهما لبلوغ الحالة التي خلق من أجلها فلا (اللذة) تكون منفردة ولا (الألم) وحده ، كل يكمل الٱخر لخلق التوازن العاطفي 

... أيها الأحباب ، ماخلقت (اللذة) إلا لمحو (الألم) ، وماخلق هذا الأخير إلا ليضبطها ، فهي القاهرة للروح إذا تمكنت منها ، وإذ يستبيح (الألم) عنفوان (اللذة) ، فنجدها تكسره في أوج قوته ، وهما كتوأم يشتركان في أشياء كثيرة ، يشعران ببعضهما ، ويعيشان بقلب واحد ، ويتفرقان على كل القلوب 

... كم من (لذة) عبرت في صحراء حياتنا ، وجابت كثبانها !!! ، مثلاً ، لذة النجاح والتفوق ، ولذة الظفر بما نتمناه ، ولذة لقاء الأحبة ، ولذة الأكلة الهنية ، ولذة الثوب الجديد ، ولذة ولد رزقنا به ، ولذة ضحكة خالطتها سعادة قلب خال ، ولذة الكسب المشروع ، ولذة البيت الفاخر ، ولذة جولة أزاحت عن الخاطر كدره ، كم وكم وكم ،،،، 

... وهذا مايجعلنا نهيم في بيداء الأنفس ، باحثين عن (السعادة) التي ستمنحنا هذه (اللذة) ، كل الظروف تدفعنا لذلك ونتناسى ، وتأخذنا بعيداً عن الواقع ، ونُخلّف وراءنا مالاتراه عيوننا ، وتعلونا الغطرسة ، ونحس أننا نملك العالم بأكمله ، وتغشانا السكينة التي تهفو بأرواحنا ، فتهزأ بها وتؤتيها أملا خائبا ، ويعبر قطار العمر بين هذا وذاك ، ولا إحساس يردعنا ، ونطمئن ، وهيهات الإطمئنان ! ، نشعر أن الكون بأكمله ملكنا ، والحياة مشرئبة الأعناق تتوق لما هو خير وأحلى ، ومن (لذة) إلى أخرى نحن نتهاوى ونتناسى 

... ثم يأتي (الألم) بجبروته وعنجهيته وعجرفته في سكون الليل ، أو فلق الصبح يأتي رويدا رويدا ، يمشي الهوينه ، كي لايحدث صخبا في الحياة ، أويسري في قطع من السواد يحط في أعماق القلب ويكِنُّ ، أو يحل قريبا من محلنا ، تراه لِمٓ زارنا ؟! ، أليجالسنا مع القوم ، ليرينا قيمة العبد في الأرض ، ويصحح مسارنا ، ويعبث بأوراقنا التي بتنا نرتبها ، وفق لذاتنا ، ويعبر ويترك الأثر ؟! ، ولسان حاله يقول وقوله لايزيغ ، أنا (الألم) وحدي من أفهم تقاسيم الروح وحاجاتها ، ترافقه العبرات والأحزان ، تشدو كما تشدو البلابل لكن بنغم حزين ، تعصف بأوراق صففناها وكتبناها بنبضاتنا ، تعدو عندنا الأحلام هاربة ، وأين المفر ، لابد من الإنكسار لنقوى ويشتد عودنا ، لابد من الدمع لنغسل مااقترفنا ، لابد من الشجن لنحيا كما تحيا القلوب ، أفئدة مصفوفة وهامات متعالية تحتاج إلى قليل من جرعات (الألم) فتقص أجنحتها حتى لاتطير في فضاء الضياع 

... كم من نفس إنشغلت وهامت في متاهة ، كم من روح لم تتدارك مافاتها ، لأن (اللذة) ختمت على القلب ، كم من مسكين توخى وحذر ، لكن إنشغاله بحلاوة الدنيا أنساه حلاوة الآخرة 

... أحبابى ، ماعساي أن أقول ، إلّا أن القلب المحظوظ هو ماكان مرتعا للأحزان فيخلو معها في الملكوت ، متدبرا ، ومفكرا ، ومسترجعا ، ومستفسرا ، ومراجعا لسكناته وحركاته وأقواله ، نحسبه شرا وهو خير كثير ، ولانعلم أنه خير لنا ، ولو كان كما إبتغينا لكان (الألم) أفظع ، نبكي وننوح ، ولانعلم ، أن ذلك المقدار من (الألم) تخفيف من المولى عزوجل وتكفير للحظات (لذة) عشناها ولم نحمد الخالق عليها ، أو كِبْر بلغناه وإستمرينا فيه بجهل منا ، إنها مقادير الله أن جعل لكل شيء قدْرا ، نصبر ولانصبر ، ويخبو صبرنا كنار أوقدناها في ليلة عاصفة ، فانطفأ فرحنا ، نبحث عن جذوة لإشعالها فٓتٌهْنا وانشغلنا بسكون الليل ، ونسينا أننا نبحث عن الهدى لننير العتمة التي تحيط بنا 

... أحبابي ، علينا التعود على (الألم) واستقباله برضا ، لأنه ترياق الروح وهي تحتضر ، وزينة النفس أمام بارئها ، وقربة الروح إليه ، تلك العبرات والدموع المنهمرة لاتتوانى أن تدنيك من مكانةٍ ومنزلةٍ ومٓقْرٓبة من (الخالق) فتناجيه ، وتحدثه ، وتشكو وجعك ، وتشهق بين يديه ، وتبوح بكل أسرارك ، وتخترق حجب السماء ، فتشعر أنك تجلس تحت عرشه ، ذليلا ، ضعيفا ، متهاويا ، لتجد روحك قد علت واستكانت ، وكأنك العائد بعد غربة إلى حضن الأم والوطن  

... أخي الكريم ، إحساس جميل وأنت تقدم (ألمك) بين يديك عليلاً بالأوجاع ، فتجد رب السماوات وما أقلت ، والأرض وماحملت ، مضيافاً لروحك ، ماسحاً لأوجاعك ، غافراً لذنبك ، فتخر شكرا ، وتبدي عذرا ، وتستقبل بِشْرّا 

... أيها الأحباب ، إستبشروا خيراً ، أيها الحزانى والموجوعون ، لن يبقى (الألم) مدى الحياة ، ولن تبقى (اللذة) كذلك ، لكنهما يتراوحان كميزان بدقة عالية لتبقى الروح كما يحبها الله أن تبقى 

... حكمة بالغة من الله سبحانه ، وعلينا إدراكها ، فطوبى لمن عرف ففهم ، وفهم فعمل ، وأسلم أمره لله 

... أيها الأحباب ، علينا التعايش مع النقيضين كـ (الملح) و (السكر) ، الأول يزيد طعامنا ملاحة ، والآخر يُحليها وكلاهما نافع ولذيذ فمن قال أن (الألم) ألم فحسب ؟! ، إنه قمة (اللذة) ! ، وأنت تناجي الخالق بصدقك ، بوجعك ، بضعفك ، فتجده مجيبا بعد طرقك للأبواب وعودتك خائبا من أبواب البشر ، إِيهِ ياقلب لو تدري (اللذة) الحقيقية ، وأنت تناجي الله لأفرغت قلبك من كل (اللذات) ، وأتبعت سبيل (اللذة) الخالدة واستبشرت خيراً ، لأنك بذلك تكون على سبيل الهدى 

... أخي الكريم ، كم هو جميل ، أن تغير مسار حياتك ، وتزهد في كل ماحولك ، ليس زهد التارك اليائس ، بل زهد العالم العارف ، الذي وظف وسخر كل مايحيط به ، للقرب من المولى عزوجل 

... واعلم أنه لايمكن لأي أحد أن يوضح الأمر ، لأن الأمر بيد الله ، والتوفيق من عنده ، فما خاب ولاخسر من أفرغ قلبه من النزوات العابرة ، والشهوات البائدة ، والسلوكيات المشينة ، والأوقات الفارغة 

... وهنا أخي الكريم ، تكون النفس مخيرة ، بين دربين لاثالث لهما إما (نعيم وسكون وطمأنينة) ، أو (تشوش فكر وانشغال وقلق) وراء تصاريف زائلة وأحوال مبعثرة كأوراق الخريف 

... أحبابي ، إنما هي القناعة بقضاء الله وقدره ، حلوه ومره ، (لذته) و (ألمه) ، تلك القناعة التي يجب أن تربو في أنفسنا ، فنغذيها بالصبر والرضا ، والرجوع إلى الله وتسليم مشيئتنا له ، مخبتين مخلصين النية 

... هنا يكفينا من القول : اللهم رضينا بك ربا وخالقا وعادلا وخبيرا نعم المولى ونعم النصير 

... تحياتي ...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق