الاثنين، 29 يوليو 2024

ام السّعد وامينة المكتبة وزائر الصباح بقلم الكاتب نصر العماري

 ام السّعد وامينة المكتبة

وزائر الصباح 

بقلم نصر العماري

***

أوقفت سيارتها السوداء ، في مكانها الذي خصصته لها  أمام الادارة التي تديرها.

مكان شبه ظليل بجانب شجرة خروع

  كما وضّح العم صالح حارس المكتبة  أكثر من مرة .. فبعض الرواد  يعتقدون أنها شجرة تين . ومنهم من أكد ذلك مصرا على أنها  شجرة تين ، لكنه "ذكّار"  وليست" كرمة اوكرماية" ، ولن تجود يوما لا بالتّين الزّيدي ولا بالسّفري .  لكن العم صالح يُصلح المعلومة   ويقسم دائما قائلا : "خروع، بالطلاق   شجرة خروع "

 كلما سمع احدهم يتحدث عن هذه الشجرة التي لا يعرف   احد كيف نبتت في هذا المكان  ومن الذي قام بغراستها   ... 

 نزلت  من سيارتها  التي نصحها رئيسها في العمل  باقتنائها مُلحّا على اخذ "الباروك" ...

   امسكت بمحفظة اليد الجلدية،  وعلقت سلسالها المذهب على كتفها الايسر  ودفعت باب السيارة لتوصده  في رفق .وضغطت على جهاز غلق الأبواب اللاسلكي   من سلسلة المفاتيح التي  بين اصابعها ذات الأظافر الطويلة المطلية بالوردي المنمّش . اعادت ترتيب خصلة شعرها الفاحم الى مكانها  بعد أن تفلتت من تحت حجابها المشدود على رأسها . كان رأسها فقط محجبا أما بقية جسمها فقد كان محشوا في بنطلون جينز مطاطي ازرق اللون وقميص رمادي مخطط مشقوق من الجانبين...   انزلت نظاراتها الشمسية  من أعلى رأسها الى مكانها الطبيعي  وتوجهت  نحو باب الدخول . كانت البناية فخمة مقارنة  ببنيات المدينة المتداعية للسقوط.

 نظرت في ساعة هاتفها الذكي ،  أنها التاسعة والنصف صباحا . غير مهم  ، وإن وصلت متأخرة . فمن هذا الذي سيفتح معها حوارا حول التوقيت الرسمي للدخول، 

الكل يأتي متأخرا ...

 وإن تأخرت المديرة قليلا ، ماذا كان عليه ، المهم المكتبة مفتوحة ...و المهم الرّواد ، حين يحضرون يجدون المكتبة مفتوحة ... الحارس موكول له هذه المهمة ..

  لكن أين هم الرّواد ؟

تلميذ أو اثنين من تلاميذ المدارس  الابتدائية  ، مراهق ومراهقه ملتصقان الى بعضيهما منغمسان في الحديث عن حفل  غنائي إقامته امينة . حفل أثار الصخب والتعليق  .. هل نزعت أمينة شيئا  من لبسها الداخلي  أمام الجمهور؟ ام  ذلك الشيء سقط من تلقاء نفسه لان الخيط المطاطي الذي يشده ارتخى ؟  أم هي الموضة والبحث عن البووز"...

وبجانبهما وغير بعيد يجلس  شرطي متقاعد. قيل انه شغوف بالمطالعة. ولست ادري من أين جاءه حب المطالعة ؟ ام تراه موكول برفع التقارير الأمنية الى رؤسائه. عادة تربى عليها ابى أن يتخلى عليها حتى بعد تقاعده  ...

كان الشرطي يتصفح  كتابا صخما حول الفقه  على المذاهب الاربعة وبين الحين والحين يرمق طالبين من طلاب المعهد العالي للحرف .

فتاة  تجلس الى جانب زميلها.  كان يشرح لها على الحاسوب بعض الدروس العالقة في ذهنها ...


تهالكت المديرة  على كرسيها الجلدي الدوار

وضعت محفظة يدها أمامها على المكتب. أسرعت اليها المنظفة " ام السعد" مرحبة  سائلة :

مدام نجيبلك حاجة ؟ 

فردت عليها السيدة ايناس:

لا .. الأمور لباس  ؟  ما سئل ع  ليّ حد؟

_ لا مدام   ما ثمه شيء. ومدت ام السعد يديها ترتب خمار السيدة ايناس

- ايه باهي..  كيف العادة ما فماش رواد.

- اضكه هو..  مش نجيبوهم بالسيف ؟ اجابتها ثم اضافت كمن يتذكّر شيئا  غير مهم 

"اه مدام، ثمه  واحد  دخل وخرج.  اسئل عليك،   قال: المديرة مازالت ما جاتش؟"


نظرت السيدة ايناس الى "ام السعد" مليا ثم بادرتها  سائلة :

- أيكون؟؟؟

فقاطعتها "ام السعد":

- لا يا أستاذة  هذا رجل  اصلع ويبدو انه  "منتف" .. لا  لا "كنترول لا شيء" .. قال  انه  سيرجع . يبدو انه يعرفك ..

اجابتها السيدة ايناس في حزم 

-  من أين له أن يعرفني ... ثم نهرتها

  ايّه اذهبي  قومي  بشغلك، مدخل المكتبة في حاجة الى عناية.

انصرفت "ام السعد" وهي تُتمتم:

وماذا قلت   انا؟ حتى يبدو عليها هذا الغضب.. 

لابد أنها تعرفه وتخفي الأمر عنّي ...

  وبقيت السيدة ايناس تفكر .فمن  عساه يكون هذا "الأصلع  المنتف"

ثم نادت ام السعد 

فهرولت نحوهها 

- اه.. مديرة     طلبتني؟ 

- ماذا كان يرتدي؟

-من  ؟

- الاصلع

- ايّ اصلع ؟

 اه يا ربي "المنتف"  الذي أخبرتني بقدومه هذا الصباح 

-اه راجل  الصباح ..  ما به؟

- ماذا كان يرتدي؟

-لا لاشيء ...عادي

- ام السعد  !!! هل انت عادية .. هل دخل عليك الرجل عاريا   .. 

-  لماذا  أخيتي!!! في اشمئزاز وسخرية ثم اضافت.: "ملوحه ليه حتى يدخل عليا عريان... مزالش حاجه أخرى؟؟؟

 صرخت السيدة ايناس في وجهها :

- ام السعد   ؟ ماذا كان  يلبس الرجل  الذي قدم  هذا الصباح؟

-  كغيره من   الرجال...  "سروال من لوطة وفيسته من فوق ".

هدأت السيدة ايناس من غضبها وليّنت  خطابها قائلة 

- اسمعي يا "ام السعد"  قولي لي هل كان افلج الاسنان؟

- ايه... آمديرة أسنانه كمشط الصوف... وتمتمت " ندري على سنيه انا... طبيبة متاع سنين ؟ وانكرت إنها  تعرفه... تعتقد أني بلهاء".

احمر وجه السيدة ايناس واضطربت : 

-" يعطك سخطة ام السعد" ، انه المدير العام ..

- المنتف  ؟؟؟ قالتها ام السعد في استغراب شديد ...

 - اغلقي فمك  . "ام السعد " هيا انصرفي   الى ما امرتك به ...

تساءلت السيدة ايناس بينها وبين نفسها مكررة لفظ " منتف" لماذا قالت ام السعد عن الرجل "منتف"؟؟؟.. السيد فهيم ، صحيح شعره خفيف، و لنفترض  انه اصلع .. لكنه ليس "منتف" ... لماذا قالت " ام السعد " لا اسعد الله لها أياما ، عنه "منتف"... ايكون هو ؟...  ام هو مجرد تشابه..؟ هذا ليس موعد قدومه ... لكنها قالت مفلّج الأسنان... نعم أسنانه تحتاج إلى عناية ... نصحته أكثر من مرة أن يعرض أسنانه على طبيب ... الحمقاء قالت أسنانه كمشط الصوف ...  عليه أن يصلح أسنانه...

ثم ما لبثت ان نادتها :

-ام السعد ، اين انت؟ ام السعد  ..اين ذهبتْ هذه البلهاء ؟

- نعم مديرة.. هل ناديتني؟ 

- نعم ، لا تنادني  مديرة 

قولي   "مدموازال ايناس" 

-مزمزال !!!  ليه  انت مزمزال ؟

ماك خذيت ِوطلقت ِ.

- سخطه عل مخك..  ما بناش بيّا  مازلت مادموازال  ... اسمع كيف يجي دخلو  وتلها بيه ..

- فين اخيتي ندخلوا  ؟ واشنهي الي مش ندخلو؟  مازالتش حاجه اخرى.؟

كي تحبي ادخليه.. دخليه وحدك.

- افهم، افهم يا مسطكه.. انا مش نخطف روحي للحجامه. وانت دخلو للبيرو  وجيبلو  قهوة ودبوزة ماء، وكعبات حلو . ما تنشاش السرفيات

-اخي فهميني  امزمزال ايناس.. اشكون هل مش ندخلو ونفرح بيه ؟

- تي المدير العام ، المدير العام يا بهلوله..

- المدير العام !!! ، اخيتي ما نعرفوش. 

- اوه يا ام السعد تي الراجل اللي جاك الصباح.

- المنتف؟ ، ما عادش تقول منتف .

كان  يسمعك  يقلعك من الخدمة .

- ليه اخيتي اقلعني من الخدمه.؟ قاعده ليه..

- ما تخافش  ام السعد .. اتلهالي بيه ، نخطف روحي للحجامة ، نصيف ساعة .. هنيني  .

ودوبا ما يوصل اطلبني نحب نعملو  سربريز، مفاجأة بالعربي.. يا ام السعد التحفونة ...

- اخيتي  تالفوني فارغ  توه نعمل لك ابال ونقص.

- اوكي  اوكي ام السعد   "توجيست  ابال " 

غادرت امينة المكتبة  السيدة  ايناس على عجل وامطتت اسيارتها .

 خرجت ام السعد من المكتب وهي  تحدث نفسها : 

يعطي عزا للمزمازالات اللي كيفك.

 اتبع في واحد منتف  ..  تي  قول هاو طلع المدير العام ..

والله لا يظهر عليه مسؤول خلاص 

.. اولاد احرام   يتمسكنوا  حتى يتمكنوا  .. قتلك مزال ما بناش ؟ ما صح الخبر تي قلك البنية  اللى عندو   قصر على حالها . واحد بلعوط منشار خلقو  ربي .. وخيتي يحكو عليه قالو  ميزانية الكتب الكل 

شرى بيها سيمان   وحديد ووردي ..

قتلو مزمزال .

 وما لبثت  ان افاقت ام السعد على قهقهات  رواد المكتبة 

وكانت قد نسيت نفسها وهي تتحدث بصوت مرتفع فقطعت عليهم سكونهم وهم يطالعون.

فنهرتهم زاجرة :

علاش تضحكو ا ؟ كان قريتوا على رواحكم  خير ...مازالتش حاجة اخرى ؟ ثم توجهت نحو الباب تنتظر الزائر.


ما لبثت ام السعد  ان لمحت زائر الصباح قادما يحمل معه محفظة سوداء ، حتى اسرعت اليه هاشة باشة :

- مرحبا ، مرحبا بيك . زارتنا البركة 

..حتى انا قلت  لمديرتنا ،  مزمزمزال ايناس ، اللي انت جيت .. مرحبا  بيك..   حتى هي وانا والمكتبه الكل فرحانين ...

اجابها زائر الصباح شاكرا متحذرا من لباقة  و ترحاب  ام السعد.

- بارك الله فيك  يا مدام يعيشك 

- ايه ربي يعيشك ، ناديني مزمزال ام السعد  ...اي اتفضل للبيرو. اتفضل

-يعيشك   

 ودخل المكتب سائلا : السيدة المديرة  هوني.

- قول مزمزال ايناس  .. عاد انت تعرف كل شيء..  مازالت مابنتش . والله والله يا سي .. سي .. اش سماك ربي 

- مريد ..  اسمي  مريد  برعام 

تلعثمت ام اسعد قائلة:

ايه ..ايه .. نعرفك مدير  ،مريد العام 

ايه مرحبا بيك ،  مزمزال ايناس لحظة تكون هوني.  تحب تعملك سربريس  ..مفاجأة بالعربي... تفضل. ايه لحظة سي المدير  لحظة ونرجعلك.

وغادرت المكتب وهي تتمتم  :

باين فيه لا عام لا عزاه...  ريحتو  مشي  لاك الكل  .. اش عنا فيه مدير على روحو  .. اربط البهيم وين يحب مولاه .. بره نجيبولو آش لازمو.

 استغرب زائر الصباح السيد مريد  برعام من  تصرفات ام السعد  لكنه عذرها  يبدو  انها اميّة لكنه تساءل كيف يشغلون الاميين والاميات في المكتبات العمومية؟  المفروض  اهل اختصاص . لعلها عون تنظيف؟  لكن ما علاقتها  بالاستقبال ؟...  هذا سوء تصرف في الموارد البشرية ..

 دخلت ام السعد تحمل طبقا عليه ما يلزم وهي تقول :

- سامحني  كا ن بطيت عليك..  سي المدير 

-مريد  .. مريد  .كمن يصلح لها 

- ايه نعرف   .. مزمزال ايناس تعزك 

 وتقدرك ... ومش تموت عليك.

- ربي يفضلها .. لا انا ما قابلتهاش قبل..

- ايه نعرف .. واستغربت  وتمتمت: 

هاو بدا الترهدين متاع العرب ! 

 وهما كل جمعة يرندفو  مع بعضهم، 

الويكاند تجي من هنا  وهي تنكد عليا من هنا  .. وتقلي المكتبه في رقبتك  ام السعد .. عندي ما نقضي وهي مرندفه   معاه .. هاو الكلب قلك مانعرفهاش !..المديرين الكلهم رهدانه. 

.مد السيد مريد يده لفنجان القهوة واخذ رشفة طويلة 

وسأل - اش قلت  مدام ؟

- مزمازيزل..  مازمازيل ام السعد 

  - ههه .. كيفاش مادموازال  وام السعد؟ . باهي باهي يا مدموازال  تنجم تعيطلي  السيدة المديرة 

- مزمزال ايناس؟  لحظة وتجي.. وتمتمت" يخلي محلو شفطها كالحنش"  فنجان القهوة في رشفتين

-  آش  قلت  مدموازيل  ام السعد؟

- قتلك دقيقتين وتجي .

 ماإن وصلت مديرة المكتبة الى قاعة حلاقة صديقتها سرور. حتى استقبلتها واجلستها  وشرعت ترتب وجهها وشعرها 

وهي تحثها على الاسراع والاتقان .

- امان سرور،   ازربني  واعمل حاجة باهبة ..

و استغربت   ان ام السعد لم تهاتفها بعد  . ثم قررت ان تهاتف السيد المدير العام  صديقها فهيم تلومه كيف  حضر  دون ان يعلمها .

بسرعة طلبت الرقم .

- الو فهيم ..الو  .. الو  يا راجل كيفاش .؟  اه . حبيت   تعمل زيارة  فجئية..  في بااك ما نفيقش بيك ..

ما فهمتش اش تقصد ؟.. 

 هههه عجب  ؟..

 اول حاجة  صلحتش سنيك؟ 

اشبيه سنيك ؟ لا لا  يلزم تصلحهم  . امشي للدنتيست.. ما عندكش فلوس؟.. ادلل حضرة المدير العام .. لا بالحق فينك؟ انا..؟

عشرة  دقايق  ونكون في المكتبة.. انا في انتظارك..

انا مكتبة  ؟  المكتبه  العمومية متاعنا ... ما فهمتش؟  تي انا في الحجامة   لحظة ونخرج  نلقاك في المكتبه .. انا مكتبه؟ تي اش بيك ؟    انت توه في تونس.  انا تونس ؟  عندك سيمينار 

..تي ام سعد قتلى اللي انت جيت الصباح للمكتبه!.. انا ام السعد؟ تي المساعدة  المساعدة متاعي ... ل ماجيتش !.. عجب !

اه اماله اكه هو..  ام السعد غالطه  غالطه .. اذاكه علاش ما كلمتنيش.. اوكي .. اوكي ايه نهار السبت نتقابلو.. ايه كيف العادة . نلتقي حبي  .. باي ..

علقت الهاتف ثم فتحته  من جديد وطلبت ام السعد.

الو..   الو  .. ام السعد .. والله الا ما نكبلك سعدك .. اسكت  .. اسكت  مشك قتلى المدير العام جاء الصباح.

اعجب مازلت شاده الصحيح ...

جاء وزاد ارجع .. وهو معاك  توه .. عحب..!

لا غالطه ياله .. هاني طلبتو توه  هو في  تونس .. اماله اشكون  الي قاعد معاه؟  .. نعرف عليك . مجنونة  . انت مجنونة . شوفو  اش يبيع  . ومشيه .

والتفتت الى صديقتها الحلاقة  قائلة

في عقلك :

- في عقلك ما عندنا ما زاربنا .. 

كانت ام السعد ترد على مكالة السيدة المديرة وتنظر الي ضيفها  في تعجب . ثم وضعت  محمولها في جيبها واسرعت الى  دورة المياه .. فصلت المكنسة عن مقبضها  واخذت العصا وعادت الى زائر الصباح   . نظرت اليه مليّا . ثم سالته :

- اماله قتلي  انت المدير العام 

- مريد .. مريد  برعام  يا مدام

ومان كاد السيد مريد ينطق باسمه حتى هوت عليه ام السعد بالعصا   صائحة 

يا حلوف  تحب تعديها عليا ..اماله قلت لي انك المدير العام..  

يا منتف،  يا مسنق السنين،  واخذت تلاحقه بالعصا وهو يصرخ  : يا مدام  .. يا مدموازال .. اشنيه المجنونة هذي .. يا مدام ايسناس  يا عباد ..

فجأة  دخلت  المديرة ومن ورائها روّاد المكتبة  وقد اقلعوا عن المطالعة  وهب الجميع  لانقاذ  الهالك من بين يدي ام السعد  .

سالت السيدة ايناس  في فزع اشنوه هاذه؟ .. اشكون انت ؟ 

انا مراقب الحسابات الجديد  .. ثمه اخلالات ماليه في المكتبه العمومية

فاتورات وهمية واهدار للمال العام .. اي  راسي..   احظروا لي مديرة المكتبة  

اطلبو ا البوليس اريد ان اقوم  بمحضر لضبط الواقعة .. اي راسي ...

انتهت



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق