الثلاثاء، 30 يوليو 2024

«(2)» حنين وذكريات «(2)» خواطر : د/علوي القاضي.

 «(2)» حنين وذكريات «(2)»

خواطر : د/علوي القاضي.

... تكلمنا في الجزء الأول عن الحنين والذكريات وكيف أنها تريح النفس بتذكر من عاصرونا في الماضي الجميل بمواقفهم ومحبتهم وإخلاصهم ورعايتهم لنا

... ولم يكن الشعراء والكتاب من مختلف الثقافات بمعزل عن الماضي ، وذكريات خضبّها الحنين والشوق والألم ، عن ذلك قال ( جلال الدين الرومي ) ( لا تجزع من جرحك ، وإلا فكيف للنور أن يتسلل إلى باطنك؟! ) ، ( إستمع إلى صوت الناي كيف يبث آلام الحنين ويقول ، مُذ قُطعت من الغاب وأنا أحنُ إلى أصلي ) ، وقال الشاعر الإيطالي ( دانتي أليغيري ) ( لا يوجد هنالك حزن أكبر من تذكر الأوقات السعيدة عندما نشعر باليأس ) ، أما الروائي الفرنسي ( ميلان كونديرا ) قال ( الحنين هو عبارة عن معاناة سببها تذكر سنوات الماضي برغبة وحب شديدين ) ، فيما رأى المؤلف والممثل الأمريكي ( جوناثان فوير ) بعين الحنين إلى الماضي قائلاً  ( يمضي الوقت بسرعة كبيرة بلمح البصر ، أتمنى ألّا تفكر بشيء بقدر تفكيري الكبير بك ، فالماضي ذكرياته جميلة )

... ومن خلال معاناتي من إستدعاء ذكرياتي غالباً مايكون الحنين للذكريات أعمق من الشوق للأشخاص ، لأن الذكريات لاتتغير ولكن الأشخاص يتغيرون ، فهي دائما تكون بين نظرة نادمة للأمس ، وأخرى قلقة للغد ، وهكذا تتسرب منا الأيام ، دون أن نحياها ، وهناك من يظن نفسه دائما فريداً من نوعه ، ومختلفاً عن الآخرين وهو في الحقيقة لم ينضج بعد

... الحنين للذكريات دائماً يشدنا ، لدرجة أننا لانعرف أن نستحضره مرة أخرى غير في قلبنا ، كانت للمة الحلوة ، وللضحكة الصافية ، وللغنوة والفرحة ، ولأناس كانوا معنا في الأماكن ، وللذكريات شيخوخة وتجاعيد تماما كالسنين ، لكنها تسكن الأرواح لاالوجوه ، ورائحتها العالقة بأدراج الزمن ‏لاترحل ‏، هي فقط ترسل سهما من سهام الحنين ، ‏وتراقب سقوط أرواحنا على أعتاب الزمن

... أهم مافى الحنين للذكريات هو إدمان الخيال ، ولنا في الخيال حياة ، عبارة عن شريط ذكريات يمر بذكرياتنا مع أشخاص كانوا معنا فى الطفولة ، أو زملاء في المدرسة ، أوجيران عشنا معاهم العمر كله ، أوأماكن تربينا وعشنا فيها وخرجنا مع أصحابنا وضحكنا ولعبنا فيها ، وحينما نمر على هذه الأماكن نبتسم ونتمنى عودة الزمان يوماً ، أجمل الذكريات ستظل محفورة في ذاكرة القلب والروح والعقل حتى آخر العمر 

... من شدة الحنين للذكريات ، أن نتمنى  إستبدال وقتنا الحاضر بالماضي ، فليس لنا في الحنين يد ، ولكن في البعد كان لنا ألف يد ، فالذكريات تثير فينا الحنين ، وقد تجدد فينا الحزن وتذكرنا بأيام نرفض أن ننساها

... وللصور ذاكرة ، وحكايات يتوقف عندها الزمن ، فيستحيل الماضي أن يكون حاضرا ، ويتجلى الحنين للذكريات والأيام الخوالي والأصدقاء ، من رحل ، ومن مازال يرافقنا في يومياتنا لتتواصل الحياة بكل ماتحمله ، ولتبقى الصورة تذكرنا وتعيدنا بين الفينة والفينة ، وحالنا يقول ماجاء في القرءان الكريم ( وذكر فإن الذكرى تنفع المومنين )

... نحن أشخاص قلوبنا معلقة بالذكريات والأماكن القديمة ، فلنا في كل ركن ذكري جميلة ، وعلي كل حائط ذكري معلقة تحكي تفاصيل يوم سعيد من عمرنا ، نحن أطفال كبار ، نملك أفئدة كافئدة الطير ، محلقين في سماء الذكريات القديمة في بيتنا الكبير ، هناك ضحكنا وبكينا ، تجمعنا ثم إفترق كل منا إلي طريقة في الحياة ، هناك كانت أحلامنا وردية ، هناك توسدنا علي السلالم نتبادل الأحاديث والضحكات ، وتتعالي منا القهقهات ، وأحيانا ندندن لحن عظيم ، هناك حفنة من الحنين ، وهناك علامات بقايا أفراحنا من سنين ، هناك أحضان أوقات السعادة والتهنئة ، وهناك أحضان كنا نواسي بعضنا من الحنين لأحبابنا الغائبين الغالين ، كم نشتاق ليوم نعيشه جميعا في بيتنا القديم مع كل من فارقونا من أحبابنا الطيبين ، لم يبق لنا من هذا البيت الكبير غير بقايا الذكريات الجميلة والكثير والكثير من الحنين ، شاخت ملامح الكون في أعيننا ، وحدها الذكري تفتح قلوبنا للذكريات مع مفتاح بوابة هذا البيت ، لتعود بنا إلي هناك ، حيث الدفء والبراءة ، حيث طفولتنا وسعادتنا حين كنا صغارا                              

... الحنين هو عين الإهتمام بالذكريات القديمة ، بعض الأصدقاء يسألون ( لماذا أنت مهتم بالماضي ؟! ، ولماذا لاتهتم بالحاضر والمستقبل ؟! ، ولماذا تتكلم دائما عن القديم فقط ، بكل مافيه من قيم ومبادئ وسلوكيات وأشخاص وأماكن وأدوات وأسباب حياة ؟! )

... قصصت وكلى شجن وحسرة وعبرات ، صورة واحدة من ذكريات الزمن الجميل ، حينما كان الزوج يعود من عمله ويتناول غداءه مع أسرته ، ثم يدخل حجرته ليستريح ثم يستيقظ قرب المغرب ، ويطلب من زوجته كوبين من الشاي وتتبعه إلى البالكونة 

. . تقوم الزوجة بتنفيذ طلبه ، وتسبقه إلى البلكونة وبيدها فناجين الشاي ليستمتعا معا بأحلي الأوقات التي يقضيها الزوجين ، يقضوها في حكايات وضحكات من القلب

. . كل هذه السعادة الزوجية لأن أسباب التلاهي لم تكن موجودة لا نت ولافيسبوك ، ولاأي أحداث تشغل أي طرف عن الٱخر ، ومن شدة الإنسجام بينهما كان من الممكن يمارسا أي ألعاب ، لذلك كان الزوج يعد الساعات وينتظر عودته لبيته ليجلس مع زوجته ساعة العصاري ويتسامرون وكأنهم أصدقاء

. . في الماضي كانت الزوجة بالنسبة لها هذا النمط من الحياة مع زوجها هي كل حياتها ، وفي وجدانها أنه زوجها وهو كل مالها في الدنيا ، كانت الجلسة البسيطة وكوبي الشاي فقط بالدنيا وما فيها ، ويغلب عليها الكلمة الحلوة واللمة الحلوة والضحكة من القلب ، إرتباطهم النفسي والروحي بعضهما البعض يتحول لصداقة قوية جدا ، لدرجة إن لو أحدهم فارق الحياة ،  يصاب الٱخر بالأمراض والإكتئاب علي فقد شريك حياته الذي قضي معه كل حياته ، الٱن الكل مشغول ، ولم يبق هناك صلة رحم أوإهتمام بتوطيد العلاقات ، الكلمة تستجدى وبعد معاناه ،  وصفراء ومخنوقة ، لايوجد وقت ، ولايوجد نفسيه ، المزاج تعكر ، ورغم إن زمان كانت الحياة بسيطة لكن السعادة كانت من القلب

... في هذا الجو العائلي النموذجي ، نشأ وتربى جيل العلماء والعظماء والقادة وتألق جيل العمالقة في الأدب ، والفكر وشمس المعارف ، والعلوم الإنسانية ، وترسيخ القيم الجميلة ، وتهيئة المناخ الملائم لعبور غد أفضل ، يقود آفاق المستقبل ، بالعلم القائم على أسس سليمة ، وأصول ثابتة ، تغذت عقولها بفكر له أبعاد ، ورؤى سباقة ، سبقت ذاك العصر الذهبى الجميل ، نحن من عاصرنا هذا الزمن ، ومازال فينا الحنين للماضى الجميل ، حيث كانت الكلمة أنشودة جميلة عذبة ، تتردد على أفواه المحبين ! 

... أحبابي ، حين يأخذنا الحنين للذكريات لاأعلم هل أبتسم لأن الذكريات جميلة ، أم أبكي لأن الماضي لن يعود ؟! 

... وإلى لقاء للإجابة في الجزء الثالث والأخير ، إذا قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة

... تحياتي ...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق