الأربعاء، 31 يوليو 2024

'جمعيات عمل ثقافي أم ماذا؟' بقلم الأديب المختار المختاري

 'جمعيات عمل ثقافي أم ماذا؟'

يقول العلامة ابن خلدون

"عندما تكثر الجباية تشرف الدّولة على النّهاية"

في بلاد صحراء ثقافيّا. جمعيّة عمل ثقافي ميزانيتها لا تتجاوز الألف دينار، وديونها خمس مرات ميزانيتها المدفوعة لقا نشاطها. تتكدّس على كاهلها ضرائب متنوّعة، تجبا في كل منعطف هذه القباضة الماليّة 30 دينارا شهريّا وعند التخلّف يصبح المبلغ 90 دينارا شهريّا (أي ضارب ثلاثة). 

وهذا السجلّ الوطني للمؤسسات ' RNE' له 50 دينارا فقط للتحيين وليس للتسجيل وتدفع عبر تنزيلا في حسابها بالبنك اللّيبي على أساس هذا البنك (وطنيّ) فقير ونحن الأغنياء أو بنك الزّيتونة الخاص ورأسماله وطنيّ بالكامل، وأنّ الأرباح التي يجنونها من العمليّة الماليّة لا تستحقها بنوك ذات الرأسمال الوطني في اغلبه والّتي في كل موازنة ماليّة سنويّة يبشّرونا بقرب افلاسها إن لم يتمّ ضخّ المال العام لتسديد ديونها وهي الّتي في جيوب من منحتهم القروض بالمليارات ولم تسدّد هذه القروض والدّيون في آجالها ومواقيتها.

وعلى أساس أن هذه المؤسّسة الوطنيّة ليس لها القدرة على فتح نافذة خاصّة بقبض المعاليم يعني: (عطالة وتضييع وقت ودفع إضافي وانعاش بنوك مسكينه مفلسة وتنتظر من RNE أثراء خزينتها) 

هذا بخلاف التّسجيل في القباضة الماليّة لكلّ تقرير أو اتفاقية أو عقد. وبحسب عدد الصّفحات فيه.

 إلى أين نذهب بهذه الجباية وإلي ايّ اتّجاه تتجه بوصلتنا ونحن الأعلام أنّ هذي البلاد صحراء ثقافيّا؟

هل تريدون أن نتوقف ونقفل هذه الجمعيات المتبقية ولتذهب الثقافة إلى الجحيم وليعم الجهل والتطاوس؟

 لكم ذلك إذا وسنمتنع عن الدّفع ولتقفل الجمعيات أبوابها (وريونا) ماذا انتم فاعلون ثقافيا وجمعياتيا فالغرابة لا تقف عند هذا الحد بل للعاقل أن يجيب على هذه الأسئلة:

جمعيّة متخصصة في العمل الثقافي (يعني مشروطة بقانون على أنّها غير ربحيّة) يشترط عند قيامها أن تسجّل في الرقم الضريبي بالقباضة المالية بما يعبر عليه شعبيا (بالباتيندة) وهنا السؤال الأول هي جمعية غير ربحية يعني ليست تجارية ويعني أنّ أموالها من تبرعات منتسبيها أو المهتمين بأنشطتها (على قلتهم في هذا الزمان وهذي البلاد).

أضف إليه التسجيل في السجلّ التجاري الوطني وهي مشروطة (بغير ربحيّة) وليست شركة أو مؤسسة ولها ارباح ودخل قار وغيره من شروط قيام الشركات أو المؤسسات ولأتعس من ذلك أنّ الأفراد من ذوي النشاط التجاري عند التحيين في السجلّ مثلا يدفعون 20 دينارا والجمعيات 50 دينارا. 

مع علمهم بأننا (شهّارة) ولنا عائلات ننفق معيشتها ومع ذلك نحرم أنفسنا وحتى عائلاتنا من أشياء وأساسيات في غالب الأحيان حتّى نعلي بلاد تنزلنا أسفل سافلين بهذه القرارات الّتي لا تفرق بين جمعيات عمل ثقافي لا تتلقى دعما من أي جهة خاصّة مثل كرة القدم. 

أو جمعيات أخرى لا نرغب في ذكر نهجها وتخصصها فهذا من مشمولات جهات متخصصة في رقابتها. والّتي تعود في كلّ منعطف سياسي للتحرك وبقدرة قادر تضخّ لها الأموال من كلّ جهات الأرض وبأرقام تعتبر بالنسبة لنا كمهتمين بالعمل الثقافي خيالية ولو نتمكن من ربعها لأصبح لدينا من الاسماء الأعلام ومن الإشعاع ما لا يضاهينا فيه بلد.

اما نحن فلا دعم نتلقاه سوى دعم الدّولة وبشروط منها توفر ما لا يقل عن 25 % من رأسمال المشروع المقدّم للدعم (لأنّ دعم الدولة مشروط بمشروع "مهرجان أو تظاهرة أو نشاط مبوّب" واحد في كلّ موسم وسنة إداريّة) ونتجاوز نسبة ال25 % في الواقع إلى أكثر من منها. 

أضف إليه المصاريف الّتي تعتبر الخبز اليومي مثل النّسخ وغيره لأنّ دعم الدولة لا يشمل مصاريف الجمعيات السنويّة. وكذلك الأمر بالنسبة للمندوبيات وما تقدّمه من دعم للنشاط الثقافي وذلك عملا بالمرسوم الخاص بدعم الجمعيات.

ومع كل هذا تزيدون أثقال كاهلنا بمثل هذه التشريعات التي تقضي وستقضي على ما تبق من جمعيات تحاول جاهدة النهّوض باسم بلاد تغرق في الجهل والجهالة. وتمنح المال العام الفنّانين والوافدين يضحكون على عقول الرّاقصات والرّاقصين. في مسارح وقف على خشبتها فنانون عظام ولها من التاريخ ما يدوّن في صفحات من ذهب. 

بعضهم يسأل الا تتلقّون دعما من المؤسسات الخاصّة؟ ها شرحنا دعم الوزارة امّا عن المندوبين فنحن كجمعيه لدينا ما يثبت اننا توجهنا وراسلنا تقدمنا مشروعنا للموسم2024 الذي ينتهي موسمه قريبا وحتى الساعة لم نتلقى اي جواب وسنه، 2017 صرفنا في تظاهره ما يناهز 6 آلاف دينار ولم نتلقى سوى 1000.000 هذا هو مقدار الدّعم.

أمّا الجهات الخاصّة فلا رغبة لها إطلاقا في الثقافة بل هي تسعى جاهدة لخلق جيل استهلاكيّ بامتياز (ولا تلام على هذا المسلك فرأس المال لا وطن له في هذا الزمان) هي تسعى إلى تشتيت الوعي الجمعي والثقافة هي المحرّك الوحيد للوعي الفردي والجمعي لذلك نراها تعطي وبسخاء كبير لجمعيات الرياضة وتخصيصا (كرة القدم)  فهي على أيّامنا مصعد سياسيّ بامتياز لأسماء وعناوين ورموز لا نعرف لها لا تاريخ ولا اصل ولا علم ولا وعي ولا ثقافة في أغلبها الأعمّ وإنّما لديها المال. لذلك الجهة الوحيدة الداعمة للعمل الثقافي هي المجموعة المسيرة للجمعية والبعض من المتعطشين للعمل الثقافي وهم من المبدعات والمبدعين (أي من الشهّارة أو البطّالة) ومن الجهة الرسميّة التي ذكرناها آنفا وبشروطها.

وكنّا أشرنا في عديد المناسبات إلى حلول متنوعة منها أن يقع تبويب الجمعيات حسب الوزارات المانحة أو ذات الاختصاص المتفق مع أهداف الجمعيّة.

فإذا هي ثقافية فهي تتعامل مع (وزارة الثقافة وايضا السياحة وايضا الشباب والبلديات) وإذا هي تنموية (فهي تتجه إلى الشؤون الاجتماعية والولاية والبلديات) وإذا هي ذات بعد  توعوي ديني فهي من اذرع (وزارة الشؤون الدينية) وهكذا تتمكن الوزارات من تبويب ميزانية الدعم لكلّ دفتر جمعياتها. 

مع خلق صندوق تجمّع فيه التبرعات والهبات والمنح التي يوجهها القطاع الخاص والجهات المانحة سواء الوطنيّة أو الأجنبية وتقسّم هذه الأموال بنسب على كافة جمعيات البلاد بشكل يضمن التوازن الوطني بين غذاء العقل والروح والجسد (أي الفن والثقافة والرّياضة وأيضا التنمية والتوعوية وغيرها) وتتمكّن من خلاله فرض رقابتها على مصادر التمويل عموما.

وترفع هذه المظالم التي ما انزل الله لها من سلطان (هذه الجباية القسريّة الّتي تزيد في تعميق جراح وطن هو الآن صحراء ثقافيّة مقارنة بدول عربية وليس غيرها ممن تقدّمن علينا بسنين ضوئيّة نتيجة مثل هذه الوضعيّة والحالة المزرية).

وما يزيد في أسفنا انّه عند الأزمات يسألون أين الثّقافة والمثقّفين لمحاربة الجهل والاستلاب والاستحمار الثّقافي وقتل الشخصيّة الوطنيّة فبأيّ حال وبأيّ وجود دمّر وأنهك أهله إلى حدود الاستقالة الجماعيّة عن ممارسة نشاط يعتبر من أهمّ ما يصحّح العقول والقلوب والنفوس ويهذبها ويسلّحها بوعي لا يترك للهجمات والمكائد والاستعمار منفذا للاستحواذ على عقول وارواح الناس وهو الفضاء الذي من خلاله نخلّد في صفحات التاريخ الانساني الأسماء الرموز التي تخلف ما سطره التاريخ من علامات مثل (ابن خلدون أو الشّابي أو ابن رشيق القيرواني وغيرهم) وهي الجهة الوحيدة التي تنير المستقبل وتؤثثه بأجيال قادرة على بناء وطن من شموخ وابداع وتحميه بكلّ أسلحتها الوطنية من العقل الى الجسد.

ولكم في ما لم نذكر إضافات.

وها نحن بلغنا للجهات قاطبه من جهات رسميّة إلى بعض المبدعات والمبدعين ليعذرونا لأننا لا نقدّم لهم مبلغا تشجيعيّا لقاء حضورهم واضافاتهم الثقافية والإبداعيّة. فالحال هي ما اختصرناه لأن الكثير نتغافل عنه نعتبره من عملنا ومساهمتها الجمعيّة بما تتمكّن منه.

 تونس 31/07/2024

المختار المختاري



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق