مقالات في رمضان
ليلة القدر
..................
إنما ليلة القدر هي ليلة مميزة تأتي مرة واحدة في كل عام هجري في شهر رمضان المبارك وهو خير شهور الله التي فرض فيه الصيام كما فرضه على الذين من قبلنا ، وليلة القدر مباركة أنزل فيها القرآن ويقدّر الله تعالى فيها ماسيكون في العام ، بقوله تعالى " إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين ، فيها يفرّق كل أمر حكيم " ، وليلة القدر في ليالي العشرة الأخيرة من رمضان المبارك ولم يتحدد وقتها بليلة معينة كما ورد في الحديث الشريف " فألتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر " ولها شأن عظيم إختصها الله تعالى فأنزل فيها القرآن الكريم في مرحلة من مراحل نزوله ، قال تعالى " إنا أنزلناه في ليلة القدر " وأجر العمل الصالح فيها أفضل من اجر العمل مدة ألف شهر ، فقال خير من قال " ليلة القدر خير من ألف شهر " .
ولقد كان الرسول صل الله عليه وسلم يتحرى ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان ويجتهد فيها بالعبادات والطاعات ما لا يجتهد في غيرها ، وقوله " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " ، وعلى هذا فإن ليلة القدر تقع في الثلث الأخير من رمضان وإن أختلفت الأقوال في تحديدها فقيل إنها في الليالي الفردية من العشر الأواخر وقيل إنها في السبع الأخيرة من رمضان لما ثبت من رواية البخاري عن عبد الله بن عمر ( رضي الله عنهما ) وفيها " فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر " وقيل إنها متنقلة دون تحديدها بالليالي الفردية أو الزوجية .
وعلى هذا يحرص المسلمون على تتبع ليلة القدر ومعرفة علاماتها التي تدل على وقوعها وإن كانت تظهر هذه العلامات الخاصة بها بعد وقوعها وانقضاء ليلتها ، ولعل أبرز هذه العلامات :
• طلوع الشمس دون شعاع في صباح اليوم التالي ، كما روي عن أبيّ بن كعب ( رضي الله عنه ) وآية ذلك أن تطلع الشمس في صبيحتها مثل الطَّست ، لا شعاع لها حتى ترتفع .
• اعتدال الجو فيها ، فلا يوصف بالحرارة أو البرودة ، وروي عن عبد الله بن عباس ( رضي الله عنهما ) ليلة القدر ليلة سمحة طلقة ، لا حارة ولا باردة تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حراء .
• النقاء والصفاء وقد روي في أثر غريب من عبادة بن الصامت ( رضي الله عنه ) إمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة كأن فيها قمرا ساطعا ، ساكنة ساهية لابرد فيها ولا حر ولا يحل لكوكب يرمى به فيها حتى تصبح ، وإن إمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ .
• نزول الملائكة أفواجا ، قال تعالى " تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر " وعن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) وإن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى .
وأما الحكمة من إخفاء ليلة القدر وعدم تحديدها بغاية ترغيب وتحفيز العباد على التحري عنها والمداومة على العبادة والمثابرة عليها ، والمبالغة فيها طوال العشر الأخيرة من رمضان وألا يقتصروا على العبادات والطاعات في ليلة واحدة ، ولذلك كان حرياً بالمسلم التحري عنها في هذه الليالي العشر الأخيرة من الشهر المبارك كاملة وقيامها والمواظبة فيها على ذكر الله والدعاء والصلاة وقراءة القرآن وبهذا يشغل العبد نفسه ووقته كله في طاعة الله تعالى .
ومن الأعمال الصالحة في ليلة القدر التي يحبب القيام بها ، هو الدعاء والإكثار منه والذكر والتسبيح وسؤال الله تعالى العتق من النيران ، فالدعاء فيها مستجاب والإجتهاد فيه مرغوب والتسابق في التوبة والحرص بالفوز برضا الله ، وقيل أن الدعاء في ليلة القدر أحب فيه من الصلاة وأفضل الدعاء في ليلة القدر العفو والمغفرة من الله سبحانه وتعالى ، وعن أم المؤمنين سيدتنا عائشة ( رضي الله عنها ) انها قالت ( قلت يارسول الله أرايت إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال: قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فأعفو عني ) .
ويستحب للمسلم تلاوة آيات القران الكريم وترتيلها في شهر رمضان ، ولا يشترط ختمه كاملاً في تلك الليلة ، إلا أنه ينال أجراً عظيما وفضلًا كبيرا إن ختمه ، فالقيام لا يقتصر على الصلاة ولكن يكون بأداء مختلف أنواع العبادات ، والصلاة في ليلة القدر تؤدى ركعتين ركعتين كما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر ( رضي الله عنهما ) أن رجلاً سأل رسول الله صل الله عليه وسلم عن صلاة الليل ، "فقال عليه الصلاة والسلام : صلاة الليل مثنى مثنى فأذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى " .
وقبل ختام مقالنا لابد لنا من ذكر فضل شهر رمضان وقدره وهو الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان ، وجاء في الحديث إن الرسول صل الله عليه وسلم ، قال " أنزلت صحف ابراهيم في أول ليلة من رمضان ، وأنزلت التوراة لستٍ مضين من رمضان ، والأنجيل لثمانِ عشرة خلت من رمضان وأنزل الله القران لأربع وعشرين خلت من رمضان " وروي عن حديث جابر بن عبد الله وفيه : إن الزبور أنزل لثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان ، وروي أيضا عن أنس ( رضي الله عنه ) قال: أخبرني عبادة بن الصامت ( رضي الله عنه ) أن النبي خرج ليخبرنا بليلة القدر ، فتلاحى رجلان من المسلمين فقال : " إني خرجت لأخبركم بليلة القدر ، فتلاحى فلان وفلان ، فرفعت ، وعسى أن يكون خيراً لكم ، فألتمسوها في التسع والسبع والخمس " وهذا يعني إن الشجار والجدل سبباً في رفع البركة وفي رفع الخير في الأمة .
نفعنا الله وإياكم بما ينفعنا في لقاه وهدانا إلى ما يشاء إنه لما يريد فعال والحمد لله رب العالمين .
.....................................................................
عبد الكريم احمد الزيدي
العراق / بَغداد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق