السبت، 22 مارس 2025

ما الشّعرُ؟/ سرد تعبيري بقلم الأديبة سامية خليفة / لبنان

 ما الشّعرُ؟/ سرد تعبيري


لماذا تسري في الروح قشعريرةٌ بشكلٍ مختلف؟ لا تسلني أيّها القارئُ عن سرِّ اختلاجاتِ المشاعرِ في الأنباضِ! اقتربْ أكثرَ، ستصطدمُ بكمٍّ هائلٍ من المشاعرِ، بل قلْ هي صواعقُ، رعودٌ، زمجراتٌ ، لكنْ لا تلمسْ يدَ أفكاري، قد تصيبُكَ صاعقةٌ ، أو قد تشلُّ عنِ الحراك، فهنا تشتعلُ انقباضاتٌ وانفراجات، هنا يعشّشُ الأملُ واليأسُ معًا، هنا تتناثرُ التّجاعيدُ شعرًا طاعنًا لا يعرفُ الهمودَ.


أيّها الجاسوسُ، لا تدخلْ إلى دهاليزِ صمتي، في صمتي عويلُ السّنين، إن تعمّقتَ فيه عشتَ في ضجيجِ أصواتِ قصائدَ مطرقتُها الحقيقةُ، سندانُها الشّغفُ، عيونُها وسنٌ يتثاءبُ على أرجوحةِ أصداءٍ لا تكفّ عن النّحيب.


الشّعرُ يا صاحبي هنا يرتعبُ بين فجاجٍ، المعابرُ هناكَ تكتظُّ بالأشواكِ، فلا تنظرْ إلى أقدامِ أسطرِ قصائدي، لو نظرتَ لرأيتَ تقيّحاتِ أفكارٍٍ تكابدتْ مشقّةَ التّناسل، اختبأتْ في رهبةٍ من اضطهادٍ، لوجدْتَ بين طيّاتها جراحًا راعفةً لا تعرف البرءَ ، لو غصْتَ أكثرَ في كبدِ المعاني، لو نزعْتَ الخمار عن صورٍ تجريديّة أو سريالية أو تعبيريّةٍ، لشممْتَ  رائحةَ صديدٍ ، فالمآسي الكثيرةُ تركنُ ها هنا في كبدِ المعاني!!


يا صاحبي، هل تسألني عن كيفيةِ ولادةِ أشعاري؟ سأقول لك كيف، أشعاري ثوراتٌ تمخّضتْ منْ رحمِ وردةٍ تنزفُ الألم، رحيقُها دموعُ المستضعفين، بتلاتُها أذرعُ المكافحين، تاجُها الكبرياءُ يسمو في غلواءِ الحالمين، ساقُها معبرٌ نحو جسرٍ يصلُ ما بين رمشِ النّصرِ قوسًا وما بين شمسِ الحقِّ إرادةً .


أنتَ يا أيّها الفضوليّ، أنا أراكَ وإنْ منْ وراءِ مئةِ حجابٍ، وأنتَ تغمّسُ أصابعَ الظّنِّ في صحنِ الشّعر، الشّعرُ يا فضوليُّ أوسعُ من دائرة شكّوكٍ، إنّهُ أكبرُ من عملاقِ ترّهاتِكَ وأوهامِكَ، الشّعرُ عالمٌ مليءٌ بغاباتٍ تتنامى وتربو في قلوبِ الشّعراءِ سحرًا، للشّعرِ حروفٌ يقدّسُها الشّعراء، فإنِ اختمرتْ في عقولِهم تسرّبتْ إلى أوراقِهم أنهارًا من خمرٍ!  

....

 وأنتِ، نعم أنتِ يا انعكاسَ الموروثاتِ البائدةِ، أتشكّّكين في صحّةِ أشعاري؟ أما ترينها وهي كحوريّةٍ تتمايسُ فتنةً في انسياباتها ، في رنينِ موسيقاها، في إيقاعِ رقصاتها، في سحر مجازاتها، إنّها لآلئُ، بل أحجارٌ كريمةٌ ، بل ماساتٌ، قصيدتي نثريّةٌ  منبعُها العراقةُ، مصبّها أرواحٌ تتقنُ الغوصَ في بحورِ الشّغف، فإنِ اقتربتِ منْها، حتمًا ستمسُّكِ قشعريرةٌ، لأنّها قصيدةٌ تجرّدتْ منْ أصفادِكِ. 


لقصيدتي يا أيّتُها المضطهدةُ لترانيمِها، مدنٌ صاخبةٌ، فإن دخلتِها، لتوهّجَتْ روحُكِ من أنوارِها، لو أمخرتِ عبابَ بحارِها ، لتنعّمتِ بثروتِها، كم هي ثريّةٌ قصيدتي، وكم هي ضاحلةٌ أوهامُكِ، لن أقولَ لكِ ابتعدي يا أيتها المضطهدةُ، لأنّي أدركُ أنّك لن تستطيعي تكبيلَ أمواج أفكاري، لن تقدري على مصادرةِ شطآنِ زبدي، أو على محوِ بريقِ لآلئي، لأنّني ولدتُ لأكونَ لا لأنْ أُزالَ.


الشّعرُ يا قارئُ في حقيقتِه هو أعمقُ من نقلِ الواقعِ على طبقٍ من فضّةٍ،  الشٌعرُ هو خيالٌ تكبّدَ عناءَ التنقّل في أرجاء الواقعِ فاندسّ داخلَهُ ليؤلّف لكَ عالمًا ينقلُكَ ألى الواقعِ على جناحي الخيالِ، إنّه يغلّفُكَ بغلافِ الأمانِِ، يرطّبُ ولا يجفّف، يدمل ولا ينكأ، يمنحُكَ الفكرَ الحرّ تدركُ بهِ الحقيقةَ بنورِ الكلمةِ ومغزاها، حقيقةٌ ستعجنُ بذاكَ النّورٍ ليصلَ إلى جذوةِ الرّوح، الشّعر يا قارئُ ثائرٌ لكنّهُ مبطّنٌ بسحرٍ خفيّ ما عليكَ إلّا اكتشافهُ.


سامية خليفة / لبنان



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق