«(٢٤)» نفحات وتجليات رمضانية «(٢٤)»
★(عباد الرحمن)★*★د/علوي القاضي★
... وصلا بما سبق (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ) التي أمرهم باستماعها ، والإهتداء بها ، (لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) أي لم يقابلوها بالإعراض عنها ، والصمم عن سماعها ، وصرف النظر والقلوب عنها ، كما يفعله من لم يؤمن بها ولم يصدق ، وإنما حالهم فيها ، وعند سماعها كما قال تعالى (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لايَسْتَكْبِرُونَ ) يقابلونها بالقبول ، والإفتقار إليها والإنقياد ، والتسليم لها ، وتجد عندهم آذانا سامعة ، وقلوبا واعية ، فيزداد بها إيمانهم ، ويتم بها إيقانهم ، وتحدث لهم نشاطا ، ويفرحون بها سرورا واغتباطا
... (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا) أي قرنائنا من أصحاب وأقران وزوجات ، (وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ) أي تقر بهم أعيننا
...وإذا إستقرأنا حالهم وصفاتهم ، عرفنا من هممهم وعلو مرتبتهم ، أنهم لاتقر أعينهم ، حتى يروهم مطيعين لربهم ، عالمين عاملين ، وهذا كما أنه دعاء لأزواجهم وذرياتهم في صلاحهم ، فإنه دعاء لأنفسهم ، لأن نفعه يعود عليهم ، ولهذا جعلوا ذلك هبة لهم ، فقالوا (هَبْ لَنَا) ، بل دعاؤهم يعود إلى نفع عموم المسلمين ، لأن بصلاح من ذكر ، يكون سببا لصلاح كثير ممن يتعلق بهم وينتفع بهم
... (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) أي أوصلنا ياربنا إلى هذه الدرجة العالية ، درجة الصديقين والكمل من عباد الله الصالحين ، وهي درجة الإمامة في الدين ، وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم يقتدى بأفعالهم ، ويطمئن لأقوالهم ويسير أهل الخير خلفهم فيهدون ويهتدون
... ومن المعلوم أن الدعاء ببلوغ شيء ، دعاء بما لايتم إلا به ، وهذه الدرجة (درجة الإمامة في الدين) لاتتم إلا بالصبر واليقين ، كما قال تعالى (وَجَعَلْنَاهم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)
... فهذا الدعاء يستلزم من الأعمال ، والصبر على طاعة الله ، وعن معصيته ، وأقداره المؤلمة ، ومن العلم التام الذي يوصل صاحبه إلى درجة اليقين ، خيرا كثيرا وعطاء جزيلا ، وأن يكونوا في أعلى مايمكن من درجات الخلق بعد الرسل
... ولهذا ، لما كانت هممهم ومطالبهم عالية ، كان الجزاء من جنس العمل ، فجازاهم بالمنازل العاليات فقال ، (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) أي المنازل الرفيعة ، والمساكن الأنيقة ، الجامعة لكل مايشتهى وتلذه الأعين ، وذلك بسبب صبرهم ، نالوا مانالوا كما قال تعالى ، (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) ، ولهذا قال هنا (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا) ، من ربهم ، ومن ملائكته الكرام ، ومن بعض على بعض ، ويسلمون من جميع المنغصات والمكدرات
... وكل عام وحضراتكم بخير
... تحياتي ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق