الجمعة، 21 مارس 2025

نفحات وتجليات رمضانية «(٢١)» ★( هكذا تسن القوانين في الإسلام)★ بقلم★د/علوي القاضي★

 «(٢١)» نفحات وتجليات رمضانية «(٢١)»

  ★( هكذا تسن القوانين في الإسلام)★

            ★د/علوي القاضي★

   « لقد مات عمر ولكن خلده التاريخ »

... أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه المعروف بشدته وقوة بأسه ، كان يعد لموائد الطعام في المدينة ، رأى رجلاً يأكل بشماله فقال له : ياعبد الله كل بيمينك ، فأجابه الرجل : ياعبد الله إنها مشغولة ، فكرر عمر القول مرتين ، فأجابه الرجل بنفس الإجابة ، فقال له عمر : وما شغلها ؟! ، فأجابه الرجل : أصيبت يوم مؤتة فعجزت عن الحركة ، فجلس إليه عمر وبكى وهو يسأله : من يوضأك ؟! ، ومن يغسل لك ثيابك ؟! ، ومن يغسل لك رأسك ؟! ، ومن ، ومن ؟! ، ومع كل سؤال يبكي ، ثم أمر له بخادم ، وراحلة ، وطعام ، ويرجوه العفو عنه ، لأنه آلمه بملاحظته على أمر لم يكن يعرف أنه لاحيلة للرجل فيها ، هكذا صدر قانون (مصابي الحروب)

... شاهد عمر رجلاً مسناً ينقل الحجارة ، فسأله : لما تقوم بهذا العمل الشاق ، أجاب أنا رجل يهودي ، وعلي دفع الجزية ، فقال له دفعت لنا الجزية بشبابك ، والآن واجب علينا أن نتكفل بك ، وصرف له راتب شهري ، ويعود عمر إلى داره ويكتب قانون (الضمان الاجتماعي) 

... ويواصل عمر التجوال متفقداً ، وإذ بطفل يصدر أنيناً ، فيقترب ويسأل عما به ؟! ، فترد أم الطفل : إني أفطمه يا أمير المؤمنين ! ، قبل موعده لحاجتي للمئة درهم (التي يصرفها بيت مال المسلمين لكل طفل بعد الفطام) ، يرجع عمر إلى منزله ، ويصدر أمراً بصرف المئة درهم للطفل منذ الولادة ، وليس بعد الفطام ويصبح قانوناً يحفظ حقوق الأطفال ويحميهم ، وهكذا تَشكَّل قانون (التعويض العائلي للأطفال)

... وكان عمر يحب أخاه زيداً ، الذي قُتل في حروب الردة ، ويلتقي الفاروق وجهاً بوجه بقاتل زيد ، وكان قد أسلم وصار فرداً في رعيته ، فيخاطبه عمر غاضباً : والله إني لا أحبك حتى تحب الأرض الدم المسفوح ، فيسأله الأعرابي متوجساً : وهل سينقص ذاك من حقوقي يا أمير المؤمنين ويُطمئنه عمر بـ (لا) ، فيغادره الأعرابي بمنتهى اللامبالاة قائلاً : إنما تأسف على الحب النساء (أي مالي أنا وحبك) ، (إذ ليس بيني وبينك غير الحقوق والواجبات) ، لم يغضب عمر ، ولم يسجنه ، وكظم غيظه من الأعرابي وسخريته ، إيماناً بحقه في التعبير ، وهكذا تَشكَّل قانون (حرية التعبير)

... وذات جمعة وفي المسجد ، حينما أراد عمر أن يحدد قيمة المهور ، خلعت عنه إمرأة لقبه ، وقالت : أخطأت ياعمر ! ، رافضة قانون المهر الذي صاغه ، لم يكابر عمر ولم يسجنها ، ولم يجلدها ، بل إعترف بخطأه ، وقال : (أخطأ عمر وأصابت إمرأة !) ، ثم ترك للمجتمع أمر تحديد المهور حسب الإستطاعة ، وهكذا وضع قانون (حماية حقوق المرأة وحرية الرأي)

... وذات مساء يسمع أعرابية تناجي زوجها الغائب ، وتنشد  شعراً : 

لقد طال هذا الليل واسود جانبه *** وأرقني إذ لاحبيب ألاعبه 

فلولا الذي فوق السماوات عرشه *** لزعزع من هذا السرير جوانبه ،

... يقترب ويسمعها ثم يسألها من خلف الدار : مابك ياأختاه ؟! ، فترد عليه : لقد ذهب زوجي إلى ساحات القتال منذ أشهر وإني أشتاق إليه ، فيرجع عمر إلى دار حفصة ، ويسألها : كم تشتاق المرأة إلى زوجها ؟! وتستحيي وتخفض رأسها ، فيكرر متوسلاً : إن الله لايستحي من الحق ، ولولا أنه شئ أريد أن أنظر به في أمر الرعية لما سألتك ، فتجيب : أربعة أشهر أو خمسة أو ستة ، يعود عمر ، ويكتب لأمراء الجيوش (لاتحبسوا الجيوش فوق أربعة أشهر) ، ويصبح قانوناً (يحفظ للمرأة حقوقها) 

... قانون لم يصغه الجهاز التشريعي للدولة ، بل صاغه المجتمع (الأعرابية وحفصة) واعتمده الجهاز التنفيذي ، هكذا تَشكَّل ( قانون حقوق المرأة)

... وكان عمر يتنافس مع أبي بكر في فعل الخيرات ، فلاحظ أن أبي بكر بعد صلاة الفجر ، يخرج إلى أطراف المدينة ويدخل بيتا ، قرر عمر الدخول بعد خروج أبي بكر ، ليعرف ماالسر ، فوجد سيدة عجوز عمياء مقعدة فسألها : ماذا يفعل هذا الرجل عندكم ؟! ، أجابته : والله لاأعرفه ، ولكنه يأتي كل صباح ، لينظف لي البيت ويكنسه ، ويعد لي الطعام ثم ينصرف ، فلما مات أبو بكر قام عُمر باستكمال رعاية العجوز الضريرة ، فقالت له : أمات صاحبك ؟! ، قال : وما أدراكِ ؟! ، قالت : جئتني بالتمر ولم تنزع منه النوى ، جثم عمر وفاضت عيناه وقال عبارته الشهيرة : (لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر)

... أنبكي أبا بكر ، أم نبكي عمر ، أم نبكي حالنا اليوم ، على المشاعر والأخلاق التي إنهارت وتدهورت  

... رضي الله عنهم وأرضاهم ، ورزقنا العمل الذي يقربنا إلى طاعته ورضاه ، هكذا تُصنع القوانين من الرجال ، قال تعالى : (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَاعَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) 

... وهكذا تُصنع القوانين حسب غايات المجتمع وطموحاته وثقافاته ، وذلك بالغوص في قاع المجتمع المستهدف بتلك القوانين ، فالمجتمع مصدر القوانين وليس السلطة (بما لا يخالف كتاب الله وسنة نبيه ﷺ) ، لم يتغير الناس ولا الحياة ولكن ليس في القوم (عمر) أتعبتَ من جاء بعدك يا عمر  

... رضى الله عن عمر والصحابة الكرام والتابعين

... وكل عام وحضراتكم بخير

... تحياتي ...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق