قراءة في قصيد "بيت القصيد" للشاعرة ليلى السليطي من مجموعتها " لصدرها لسعة حرف "
بقلم: لطيفة الشامخي
"بيت القصيد " قصيدة للشاعرة ليلى السليطي، و ليلى ليست شاعرة فحسب بل هي فنانة و مبدعة.
و في قصيدها هذا شدّني قولها:
"كل ما في الأمر أنّي
سوف أقفز أو أَبِيد..."
"أقفز أو أبيد..."
في معجم المعاني الجامع: قفز من يقفز، قفزا و قفزانا فهو قافز، و المفعول مقفوز به.
و قفز الغزال و نحوه: وثب أي ارتفع بجسمه إلى أعلى.
و في الرياضة هناك أنواع كثيرة للقفز: القفز فوق الحواجز.. القفز العالي.. القفز الطويل.. و القفز بالعصا..الخ..
و في الأدب و الفكر نقول قفزت الفكرة إلى رأسه: بمعنى وردت.
و سؤالي هنا يطرح نفسه.. ماهي القفزة التي تتهيأ لها الشاعرة حتى لا تَبِيد..؟
" سوف أقفز أو أَبِيد..."
و في معجم المعاني الجامع:
باد .. يَبِيد، بَيدًا، و بيودًا و بيادًا فهو بائِدٌ.
بَادَ: بمعنى هَلَكَ.
بادت الشمس: غربت
بَادَ القوم: انقرضوا و انقطعوا.
" سوف أقفز أو أَبِيد..."
هنا نجد أنفسنا أمام حالة وجودية للشاعرة بين الحياة و الهلاك.. و أي هلاك تقصده، هل هو هلاكها أم هلاك الفكرة أم هو غروبهما معا؟.
تقول الشاعرة في افتتاح قصيدها
" حلّق في ذهني طنين القصيد
أيقظ الزوار و الأسماع
فلا تغادر موطني
حتى أُشرع لك نوافذ الإبداع."
في لحظة علا طنين الحرف برأسها حانت ساعة القفز، لكن من سيقفز بمن؟ هل الشاعرة ستقفز بفكرتها أم الفكرة هي التي ستقفز بالشاعرة؟ أم الإثنان يد بيد و من سيقود الآخر للقفز؟، لكن الشاعرة تؤكد لنا أن ساعة "طنين الحرف برأسها" سوف تركب صهوته و تنطلق من موطن الإبداع إلى بناء القصيد". لكن من أي أرضية ستنطلق؟ نعود لقولها:
" قضمتُ أظافري
غمستُ إصبعي في المحبرة
رسمتُ خطوطا و دوائر"
في اسىعدادها لبناء قصيدها المنشود بدأت الشاعرة "بقضم أظافها" كمن يُرتّب أفكاره ليُعِدَّ عدّة السفر، ثم "غمست إصبعها في الحبر لترسم خطوطا و دوائر" فهي هنا ترسم خريطة و تُحدّد خط سيرها بين الخطوط و الدوائر.
تراها هل ستتبع خطوطها و قد تكون هذه الخطوط مستقيمة و قد تكون متعرّجة، لكنها أيضا ترسم دوائر، و تلك الدوائر قد تكون الشبك الذي تعلق به الشاعرة فتصير حبيسة دوائرها و تنتهي إلى الفراغ.، لذا فهي هنا لا خلاص لها إلا بالقفز من شرك الدوائر المفرغة.
"كل ما في الأمر أنّي
سوف أقفز أو أَبِيد..."
إذن فالشاعرة تعي جيدا أن في تلك الدوائر هلاكها و هلاك الفكرة و قد يحال قصيدها إلى الغروب قبل ولادته لذلك اختارت القفز و أكّدت عليه بقولها " سوف أقفز..." لتنطلق،
و تناشد الحرف الذي زارها بطنينه، ذاك الطنين كوجع المخاض و الولادة، يدق طبول قدومه، و تدعوه الشاعرة بأن لا يغادر فهي في استقباله في موطن الإبداع و أنها ستجعل منه قصيدا مأثورة، و ذاك بقولها:
" فلا تغادر موطني
حتى أُشرع إليك نوافذ الإبداع"
و تستمر الشاعرة في العلو بحرفها إن استقر بموطنها فهي لا تتاجر به و لن تجعله في المديح و التزلف،
" لم أُرتّب بيت شعر للضيوف
و لا نظمت حرفا
كي أُجازى بالنقود
إنما للبيت أهل و عزوة
بكل ركن و عمود..."
الشعر عند الشاعرة ليلى السليطي ليس للتكسب و المتاجرة أو التملّق فحرفها له عزوة و رفعة و شرف.
ذاك الحرف الذي يأخذها بين غفوة و صحوة إلى عالم السحر و الجمال، فتقول:
" لو غَدَت بي غفوتي
يا سيدي..
لا تزرني في المنام
لا تعكّر صفوتي
حين للصّحو أعود"
هل الشاعرة حقا في غفوة؟ أم هي بين غفوة و صحوة، تلك الحالة التي لا يعرفها إلا المبدع حيث يكون في عالم تختلط فيه الرؤى بين الواقع و الحلم، و هنا توصي الشاعرة بأن لا يزورها كائن من كان في حلمها و لا يعكر صفوة يقظتها لأنها في حضرة القصيد سواء كانت في غفوة أم في صحوة فهي في كلا الحالتين في موطن الإبداع و في خلوة في محراب الشعر، و تقول:
" الحرف أجدى إن تعرّى
في مراياه القصيد
صوت الحقيقة إن طغى
ينتفي صمتُ اللّحُود...!"
و هنا تؤكد لنا الشاعرة أنها في قفزتها قد نجت بحرفها من الغروب و الهلاك لتُكمل بناء قصيدها في موطن الإبداع الخاص بالشاعرة ليلى السليطي .
" بيت القصيد " للشاعرة ليلى السليطي
حلّق في ذهني طنين الحرف
أيقظ الزّوار و الأسماع
فلا تغادر موطني
حتى أُشرع إليك نوافذ الإبداع
فالقصيد لم أُكمل بناءه بعد..
قضمتُ أظافري
غمستُ إصبعي في المحبرة
رسمتُ خطوطا و دوائر
كلُّ ما في الأمر أنّي
سوف أقفز أو أَبِيد...
لم أُرتّب بيت شعر للضيوف
و لا نظمتُ حرفا
كيْ أُجازى بالنّقود..
إنّما للبيت أهلٌ و عزوةٌ
بكلّ ركن و عمود..
يا أهلَ أوطاني الكرام
أَقرِئوا عنّي السلام
لو غَدَت بي غفرتي
يا سيدي..
لا تَزرني في المنام
لا تُعكّر صفوتي
حين للصَّحوِ أعود..
الحرف أَجدى إن تعرَّى
في مراياه القصيد
صوتُ الحقيقة إن طغى
يَنتفي صمتُ اللّحُود..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق