واخيرا، نجح الكلب ...
بقلم نصر العماري.
استيقظ باكرا كعادته ،توجّه الى دورة المياء وهو يجرُّ قدميه، فتحدثُ نعاله خشخشة ممزوجة بطقطقة تُشبه الصّفع على الخدّ . تذكّر زوجته وهي تُعلّق عليه: " كل صباح ،من الفجاري تِشْ تَطَقْ .. تِشْ طَقْ .. يا دِيني ، تِي هِزْ ساقِيك شْويّهْ.. ثَمّهْ اشْكُون رَاقِدْ". خلع نعليه ومشى حافيا حتى وصل الى حوض الغسيل .. مدّ يده وفتح الحنفيّة، فقذفت في وجهه حشرجة: "اخْخْ شْتَفْ اقْقْقْ" فتركها واتّجه نحو سجادة الصلاة والحجر ... ردّ السلام
وفكّر في ان يْحضر قهوته بنفسه لكنّه اخرق بعض الشّيء .. فكثيرا ما يُحدث جلبة في المطبخ يستيقظ على اثرها كل من في البيت .
ارتدى ملابس الخروج.. قرّر الذهاب الى المقهى دون ان يستعمل سيارته .. المشي صباحا له فوائد صحيّة ، هذا ماجال بخاطره وهو يُعيدُ مفاتيح سيارته " البولو" الى جيبه ...
نزل المدارج وهو يسترجع دعاء الصّباح. نسي ان يقوله على السّجاد. خصّص دُعاءه اليوم لشركة المياه ...
مدّ يده ليفتح مزلاج قفل الباب لكنّه لاحظ شيئا غير عادي هذا الصّباح،
لا احد استقبله .. كان من العادة اذا همّ بالخروج ، يستقبله صديقه
" بحبوح " ، يُصبّح عليه بصوته الخافت ، ويشكرهُ على عشاء البارحة الدّسم ، ويمدّ نحوه رأسه و يُطلّ عليه من الحديد الواقي للمدرج ليُقبّل قدميه وهو يتشمّمها وذيله من خلفه يُبصبص ، وينتظر ان يَمدّ له سيّده يده فيمسح راسه ويربّت عليه.
فما الذي منع كلبه بحبوح ان يفعل مايفعله كل صباح ؟
استغرب.. فقد يكون المسكين مريضا .
ناداه بصوت منخفض :
بحبوح .. بححبوح اين انت ؟
غريب ! لا مجيب ، ايكون مريضا ؟
ام سُرق من منزله البارحة؟ .. هذا الكلب اثار اهتمام مجموعة من الشّبان .. شاهدهم البارحة يُبحرون على" النّتّ" امام المنزل . دخلوا موقع الكلاب واخذوا يبحثون له عن تصنيف. هناك من يعتقد انه هجين وهناك من يعتقد انه من سلالة نادرة ...
لا لا..لماذا ذهب بعيدا ؟.. لن يجرأوا على اقتحام بيته وسرقة كلبه .. هو يعرفهم كلبا كلبا .. لكن ما المانع ؟ كل شيء جائز ... لم يسمع النّباح ..كان على بحبوح ان يناديه...
لكن لا احد في المكان في هذا الصباح...
استدار راجعا . صعد الدّرج مسرعا وهو يُفكر ويحلّل ويستغرب .. توجّه مباشرة الى غرفة النّوم.. كانت زوجته "سُها" مستلقية على ظهرها على فراش نومها الوثير متدثّرة بملاءة ورديّة مطرّزة الحواشي ، اقترب منها وارتقى السّرير بجانبها . وضع يده على كتفها العاري.. تململت وحركت رجليها وجذبت الملاءة واستدارت على جانبها الايسر ... همس مناديا:
- "سُها .. سُها"..
اجابته : اِمْمْمْ.. دون ان تستيقظ.. ماذا تريد؟
- الكلب.!
- ما به؟
- ليس في حجرته .
- اِمْمْ .. دعني انام
- اقسم لك ليس في مكانه . تفقدته هذا الصباح لم اجده.
- اعرف .. اعرف .. انا على علم بذلك،
استشارني ووافقتُ.. دعني انام..
- استشاركِ ووافقتِ !
واضاف سائلا:
-انا اسألك عن الكلب يا سُها ، عن الكلب ..
رفعت "سُها" راسها عن الوسادة والتفتت اليه. تفرست في وجه قائلة في غضب :
- اعلم .. اعلم انك تسأل عن الكلب .. ولا يَحلُو لك السؤال عنه الا عند الفجر ،لذلك فرّ منك.. و في هذه الفترة بالذات .. يا رجل، لاتنام ولا تترك من ينام .. ماهذا؟..
واخذت الوسادة رتّبتها ثم وضعت عليها خدّها... ثم عدّلتها من جديد وجذبت الملاءة بقوّة وغطّت رأسها وصرّت جسمها .
كانت زوجته" سُها " نحيلة الجسم طويلة بيضاء البشرة سوداء الشعر ...
نظر اليها نوفل من اسفلها الى اعلاها وهو يُحوقل ويضرب كفيه مردّدا :
-لا حول ولا قوة الا بالله.. عائلة مجنونة.. اسألها عن "بحبوح" تقول لي فر ّ منك .. واستاذن مني.. ومنحته الاذن...
ماإن سمعت سُها كلمة بحبوح حتى ازاحت الغطاء وجلست على السّرير والتفت اليه والغضب غير في ملامح وجهها لكنه ظل جميلا :
- هل كنتَ تسأل عن بحبوح.. عن الكلب بحبوح ؟ .. يارجل متى تهتّم بنا ظننتك تسأل عن الكلب الآخر . ظننتك تهتمّ به قليلا كما تهتمّ بكلبك ..
حدّق "نوفل" في وجه زوجته سائلا اياها:
- وماذا عليه ان سألتك؟ اليس حيوانا ابكما يحتاج منّا العناية قد نّحاسب عليه امام الله .. ثم ماذا تقصدين بالكلب الآخر؟
- الكلب الآخر!.. ابنك يا سيد نوفل .. ألست من يناديه بالكلب ؟...
- انا ..انا لا اقصد كلبك المدلل "سمير " كنت اعني بحبوح...
وماذا عليه اليس كلبا هو الآخر .. بل اكبر كلب...
ارهقني ماديا ومعنويا .. لم ار مثله.. صِرتُ اشعر بالخجل امام اصدقائي ..
ردّت سُها على نوفل في تهكّّم بعد ان وضعت كفيّها على خصرها:
- تخجل امام اصدقائك!!! ..
يا عيني يا عيني تخجل به ؟ وهل كان اعورا.. او تنقصه ساق او يد.. لعلّه كسيح ؟ او لعلّه شبيه احد من اهلك ؟... أفِقْ يا رجل، أفِقْ.
كان عليك ان تُراعي شعور ابنك الوحيد وتقف بجانبه.. انّه ابنك وليس غريبا عنك.. اِمنحه اهتماما.. على الاقل نصف ما تمنحه لكلبك بحبوح ...
- انا افعل .. انا افعل ما في وسعي واكثر .. راتبي الشّهري كلّه انفقته على الدّروس الخصوصية .. تداينت القرض تلو الاخر .. والسّلفة تلو السّلفة .. دائما "في الرُّوجْ" ... اساتذته اتودّد اليهم، واشكرهم .. ادفع لهم مشروباتهم في المقاهي، حتى المشروبات الرّوحية، وصل بي الامر ودفعتها .. واشكرهم و ادعو لهم ... (ثم اضاف بصوت خافت لكن سُها زوجته سمعته) مع اني امقتهم كل المقت وادعو في صلا تي يا ربي ... وبسط كفيه ليدعو لكن زوجته رمقته بنظرة حادة قائلة:
- هاه... لذلكك يجدون صعوبة .. لم تثمر الدّروس مع سمير . كل ذلك من دعاك عليهم ...وها هو حبيبي المسكين يُعيد الباكالوريا لعامه الثالث... كل ذلك من دعائك على رجال التعليم وعدم اخلاصك في دفع اجرة الاساتذة ... وهل تمنحهم اجرتهم لله ؟ .. حقوقهم .. حقوقهم يا نوفل هم يدرّسون ابنك.
- ابنك يا سيدتي لا يفهم في ساعات الدّوام الرسمية .. . لا يستوعب الدّروس... هل سيستوعبها في السّاعات الاضافية .. لو كان ينتبه لمَ اضطررنا الى الدّروس الخصوصيّة.
- الاساتذة لا يشرحون في الفصل ولا يهتمّون بالتلاميذ الا في حصص الدّروس الخصوصية. هذا امر معروف تعرفه الوزارة ويعرفه كل من هبّ ودبّ .. طَلبتُ منك ان تسجّله بمعهد خاص...
-التعليم العمومي هو الاصل . والمشكلة ابنك وليس التعليم العمومي او الخاص. ابنك ، مشوش الذهن . سلبت عقله ابنة اختك ...
- ابنت خالته وهو احق بها ... شابة جميلة وانيقة ..
- وتافهة .. واكبر منه.. ولم تتحصل على الباكالوريا ...
- عُقدتك الباكالوريا .. وماذا فعلوا بها من تحصلوا عليها .. لا شيء ..
- فليتحصّل عليها كلبك المدلّل ثم ننظر ماذا يفعل بها ..
ثم قرّب نوفل وجهه من وجه سُها مؤكدا قوله هامسا:
- هي المفتاح يامدام، مفتاح الجامعة.
- الذين تخرجوا من الجامعات بقوا على الارصفة،البطالة تنخر مؤخراتهم ولا يجدون ثمن علبة سجائر ...
- بل إن اسواق الشّغل الاروبية تختطفهم خطفا .. 20 الف مهندسا و مثلهم اطباء تستقبلهم الشعوب الغربية بكل حفاوة وترحيب... قاطعته سها وهي تقهقه ساخرة
- وهولاء الذين نسمع عنهم ويشتكي اهاليهم من بطالتهم . واضرابات اصحاب الشهائد ، انسيتها؟
-اختصاصات لا تستوعبها اسواق الشغل. امّا الهندسة والطب...
- قاطعته سها :
لا لا.. انا لا احب ان يسافر سمير ويتركني .. انا لا احب الغربة...لا نقاش في هذا الامر.
- وهل ابنك من اصحاب الشهادات؟ لعله اصبح "باش مهندس" وانا لا اعلم . وقهقه ساخرا هههه
- لا تسخر يا نوفل اليوم يتحصّل سمّورتي على الباكالوريا اليوم النتيجة.
-اليوم النتيجة! قالها في استغراب
لا ليست اليوم...
- الم اقل لك انّك لا تهتم ، وان الامر كأنه لا يعنيك ..اليوم النتيجة بالارساليات .. بالاس. ام. اس. يا زوجي المُهتَمْ ..
لم يسمع نوفل الكلمة الاخيرة جيدا فكرّرها على غير معناها
-مُتّهَمْ .. مُتّهَمْ.. نعم انا انا دوما المُتّهَمْ.. المهم اين الكلب الآن لم اجده في مكانه؟
- قلت لك .. استشارني وذهب الى دار خالته.
- اوه .. اسأل عن الكلب الآخر.. عن بحبوح... راسي .. راسي . لم احتس قهوتي بعد. ... هذه المرأة ستقتلني هي وابنها .
ونهض نوفل متوجها الى المطبخ...
وجدت سُها نفسها مجبرة على مغادرة
فراشها وقد اطرد نوفل زوجها النّوم من عينيها وحرمها لذة نومة الصباح. وقفت والتفتت الى المرآة بجانبها . اخذت تُرتّب شعرها وتمسح تحت عينيها وارنبة انفها . كانت تشعر ببعض الثّقل والكسل، لكنّها تماسكت وتوجّهت الى المطبخ لتلتحق بزوجها طالبة منه ان يتوقّف عن فعل اي شيء . وانها ستتكفل باحضار قهوته الى قاعة الجلوس .
كانت حريصة على ان لا يُحطّم لها فنجانا او كأسا او يدلق حقة القهوة. توجّه نوفل الى قاعة الجلوس والقى بجسمة الممتلىء على الاريكة وانفلتت بطنه امامه .
كا ن بدينا اسمر خفيف شعر الراس الى حدّ الصّلع . كان نوفل قلقا على كلبه بحبوح . خائفا من ان لا يعود .
وتذكر ان هذة ليست المرة الاولى التي يُغادر فيها المنزل .
تساءل وهو يُجحظ مرّة عينيه ويقطّب جبينه اخرى : اتكون كلبة جاره احمد هي التي جذبته .. في المرّة السابقه هاتفه جاره وطلب منه ان يُمسك كلبه .. لكنّه لم يُهاتفه هذه المرّة ، قد يكون غائبا، او لم يتفطّن له بعد ..ام ترى كلبة اخرى اغوته؟.. هل يعود هذه المرّة سالما؟ .. اخشى عليه كلاب الحيّ السائبة...
احضرت سُها على طبق "اينوكسي " قطعتين من مرطبات "البريوش " و قهوتين ومنديلا وقاروة ماء معدنية "كرستال" .
وضعت ما كان بين يديها على الطاولة البلّورية امام نوفل وجلست بجانبه وارجعت بيمينها خصلة شعرها
الفاحم وراء اذنها اليمنى ، انحنت وتناولت فنجان القهوة لتناوله الى زوجها وهي تسأله :
- اتراه يفعلها يانوفل ؟
فاجابها دون اهمام:
- من؟
فزمجرت غاضبة وكادت تسكب عليه فنجان القهوة :
الكلب .. الكلب يا نوفل .. يا لبرودة دمك ..
امسك نوفل الفنجان على حذر وقد انتبه من شروده ،
وهو يكرّر :
- ان شاء الله.. ان شاء الله...
مدّ نوفل يده لجهاز التّحكم في جهاز تلفزته البلازما. تذكّر ان موعد سداد القسط الاخير قد اقترب . هو يعرف ان صاحب محلات " الكترونيك نوفا " لن يرحمه اذا تأخر عن السّداد ...
شغّل الجهاز، كانت قناة الجزيرة تنقل مشاهد الدّمار المؤلمة في غزة .
لقد نجح الصّهاينة في تحطيم كل شيء من البنية الاساسية وقتل المدنيين باعداد مهولة .. لقد شتتوا شمل العرب وكشفوا عجز حكامهم .. لكنهم لم ينجحوا في تحطيم المقاومة ومناصرة الشعوب للقضية .. لم تعد الحرب عربية اسرائلية .. لقد نجح اليهود في ان يجعلوها مع الفلسطنيين فقط بل مع الغزوايين دون غيرهم .هذه هي سياسة التطبيع ...
التفت نوفل الى سُها سائلا :
- هل ينجح السينوار وجماعته يا سُها، في ...؟
وقبل ان يتم سؤاله رنّ هاتف سها الخلوي في غرفة نومها فهبت فزعة، صارخة:
- نجح.. نجح ..الاس. ام . اس .. النتيجة..
وهرولت نحو الهاتف ..
وقف نوفل ليلتحق بها
لكنها عادت قبل ان يفعل وهي تحمل محمولها في برودة بادية على محيّاها وخطواتها ..
خاطبها نوفل :
-كالعادة، الفشل تلو الفشل ...
فردّت عليه :
- فأل الله ولا فالك
انه اس. ام. اس . شركة الكهرباء حول خلاص الفاتورة ...
تراجع نوفل الى اريكته وتهالك عليها ومسح راسه الى الخلف ومدّ يده الى قارورة الماء المعدني و شرع يملأ فمه منها...
نهرته زوجته:
- اشرب من الكاس يا نوفل ... لا تشرب من القارورة مباشرة .
نظر اليها نوفل وجحّظ عينيه فيها وسكت.
واخذ يتابع قناة الجزيرة ...
ثم التفت الى زوجته سُها ، كانت تضع رجلا على رجل ويدها على خدّها شاردة ، فخاطبها :
تعرفين يا سها لو ينجح ويفعلها...
فقاطعته :
- ان شاء الله يفعل
فردّ عليها :
- لو يفعلها يخفّف الضّغط على غزّة ...
فانتفضت من حوله وتوجّهت الى غرفة نومها متأففة .
فناداها بصوت مرتفع :
- ستفتخرين بي يوما .. ستقولين زوجي خبير استراتيجي ...
لا يمكن لاسرائيل ان تفتح حربا على جميع الجهات... لو يفعلها نصر الله ...تصبح اسرائيل بين فكي المقاومة ...
ان شاء الله يتحقق النصر. ستكون الفرحة فرحتين، نجاح المقاومة ونجاح كلبك سمير.
وقهقه.احسّ انها غير مهتمة فاضاف:
-لا تعتقدي اني لا انتظر نجاح ابننا ، لكن اين هو ؟ واين بحبوح ؟ ...
ما ان وصلت سٌها الى غرفتها حتى شرعت في تغيير ملابسها وهي
تردّ عليه :
- لو كُنت مهتما لا احضرت ما يجبُ من لوازم الاحتفال .. سيحضر الجيران وصاحباتي لتهنئتي ...
- افعل يا سُها .. افعل.. المُهمّ يفعلها وينجح . اجابها وهو يتابع مشاهد الدّمار الذي لحق بغزّة...
فجأة رنّ جرس الباب .وقف نوفل و اخذ يعدّل من هندامه غير مكترث لرنين الجرس وهو يصرخ :
صبرا.. صبرا .. ماهذا ؟ يا لطيف ..
ثم اطفأ التلفاز .
نادته سُها من غرفتها :
- يا رجل افتح الباب.. لعلّه سمير عاد باكرا .. لعلّه لم ينم البارحة ..اوه.. مسكين ولدي ..افتح يا نوفل ...
نزل نوفل الدّرج وهو يردّد:
-انا قادم انا قادم...ما هذا ؟
واذا بالنّباح يتتابع.. ايقن نوفل انه نباح كلبه بحبوح . ففرح وتهللّت اسارير وجهه وعجّل وفتح الباب ،فاذا به وجه لوجه مع السيدة "سارة " اخت زوجته وخالة وحيده.
فماان وقع نظرها عليها حتى لامته قائلة :
- اوه ..يا نوفل ساعة .. ساعة لتفتح الباب .
بقي نوفل ينظر الى سارة وهي تُمسك بكلبه بحبوح وكلبة اخرى بقعاء الجلد الى جانبه..
مدّت اليه سارة سيور الكلبتين فامسك بهما وعلامة الدّهشة بادية على وجهه.
فنادته و هي تصعد الدّرج:
- نوفل ، ماذا اصابك؟ ادخل "بحبوح وجيجي " ورحّب بهما ... لم تقل صباح الخير .. لا تريد ان ترحّب بنا ؟.. ماذا اصابك؟ رفض بحبوح ان يعود بمفرده .. اتعبني .. والله اتعبني.. هل "سمير و سوسو" هنا ؟ اين اختي سُها ؟.. هل مازالت نائمة ؟ ..اوه، انتم عائلة كثيرة النّوم ...
لم يكن نوفل يستمع لسارة لكنّه كان يُتابع حركات كلبه مع هذه البقعاء.
التحق نوفل بسارة بعدان اطمأن على الكلبين .. وصعد الدّرج في نشاط. استقبلت الاختُ اختها بكل حفاوة وترحيب .
وسريعا، احضرت لها قطعا من الحلويات المختلفة الاشكال والالوان والاحجام وكأسا من العصير الملوّن بلونين ،احمر قان واخضر فستقي ، الى جانبه فنجان قهوة يفوح منها شذا الزهر وهي تحادثها :
_ ان شاء الله نسمع خبرا مفرحا.. اليوم.. مازالت الوزارة لم تفتح الارساليات بعد ..كيف حال سرور و صالح لماذا لم يحضرا معك؟ لعل سمير لم يقلقكم البارحة ؟
وقبل ان تجيب سارة سألها نوفل:
- متى وصل اليكم الكلب؟ اقلقني غيابه . أوعرف منزلكم ؟.. ياله من ذكي.
فردّت عليه سارة في استغراب:
- الا يعرف دار خالته !...لم يمكث كثيرا وخرج مع سرو ...
فقاطعها نوفل قبل ان تتمّ حديثها:
- لا لا يا سارة انا اسأل عن بحبوح.. سمير يعرف ، طبعا خالته ودار خالته وبنت خالته .
سارة في استغراب :
-بحبوح !.. لا يا رجل انا احدّثك عن سمير ابنك .
نوفل:
- لكن كيف وصل اليكم بحبوح؟
سُها في تشنج :
- اوه .. يا نوفل .. يكفي ها قد عاد لك كلبك..
سارة لنوفل دون ان تكترث لتعليق اختها :
- احضره سمير معه ، بطلب من صالح .. جيجي تحتاجه هذه الايام ...
نوفل في حنق : - فعلها صالح من وراء ظهري .. كلبي سُلالته نادرة ، لا بد ان نبحث له عن كلبة جيدة ..
سارة : وما بها جيجي؟ هي الاخرى مميزة ومن سلالة نادرة .
سُها : - هل سنقضي هذا الصباح في الحديث عن الكلاب ..
ثم اضافت:
- لماذا لم تحضريها معك اشتقت اليها؟
سارة : هي مع بحبوح في الاسفل .
فوقفت سُها واقتربت من الباب ونادت سرور وحثّتها على الصّعود فهي مشتاقة الى تقبيلها .
لكن اختها التحقت بها مستغربة قائلة:
- انا اتحدث عن جيجي يا سُها .. سرور ! اليست عند كم منذ البارحة ؟
كان نوفل قد مدّ يده ليتناول قطعة مرطبات اشتهى تذوّقها فجرض فيها وسعل وتناول كأس الماء ليشرب وهو يقول :
- لا سرور ولا سمير عندنا ،حتى بحبوح لم يبت ليلته البارحة هنا .
سارة في تعجب :
- بحبوح جلبه سمير معه .واخذ سرور وغادرا.. اخبرني ان سُها تطلبها لاعداد حفل النّجاح.
نوفل : اي نجاح ؟
سارة : نجاح سمير
نوفل : وهل نجح سمير ؟ كنت حذرته اكثر من مرّة ان ياخذه معه دون اذني .
سها: اسكت يا نوفل.. بربّك اسكت .. والتفت الى اختها سائلة
- هل انت متؤكدة مما تقولين ؟.
سرور لم تأت البارحة وكذلك سمير ... اخبرني انه سيقضي الليلة عندكم .
سارة : ماذا تقولين ؟ حضر وبقي قرابة نصف ساعة واخذ سرور معه ، خرجا قبل المسلسل...
نوفل: مسلسل! اي مسلسل ؟
سُها : وقد غلب عليها القلق .
- ا سكت يا نوفل .. لكن اين ذهبا ؟ .. اتراهما تعرضا الى حادث لا قدّر الله أم عملية "براكاج "... نوفل افعل شيئا..
نوفل : وماذا افعل ؟
والتفت الى سارة
- هل انتِ متاكدة ؟ انهما خرجا قبل بثّ المسلسل.؟
غلبت الحيرة والاضطراب على العائلة. فجأة رنّ هاتف سارة فاخرجته على على عجل من حقيبتها ووضعت سماعته على اذنها وهي تردد :
الو.. من معي ؟.. صالح ؟ ..
ماذا تقول؟ ..
نوفل " حْرَقْ مع سرور ... كلمّاك من لمبدوزا؟ ... ماذا تقول؟ .. سافرا الى الخارج خلسة ، اوووه.
وما لبثت ان سقطت مغشية عليها ...فاسرعت لها اختها ترشها بالماء . وهي تسألها افيقي واخبريني ماذا حدث ؟ كيف حْرَقْ؟ كيف سافرا دون جواز سفر؟
لماذا لم تخبريني ؟
وتناول نوفل السّماعة وهو يردّد في اتزان الو.. الو .. صالح امازلت على الهاتف ... الخط انقطع .. اه انقطع .
الكلب ! لم يخبرني .. لماذا اخذها معه؟ ... كل شيء يُدار من وراء ظهري .
استطاعت سها افاقة اختها من حالة الاغماء .. ماان فعلت حتى سألتها :
هل كنت على علم بذلك ؟ لماذا سمحت لهما بذلك .. لماذا؟
سارة : لست موافقة على ذلك .. كان سمير يُدبر الامر مع سرور حدثاني في الامر اكثر من مرة .. ومنعتهما من ذلك .. لم اوافق .. لم اوافق لكن صالح لم يمانع .. لم يمانع ولم يمنعهما الكلب .
واثناء ذلك رنّ جهاز هاتف سُها فتناولته بلهفة وهي تُعيد" الو ..الو" ثم تفطّنت انّه رنين ارسالية . ففتحت علبة وصول الارساليات على عجل لتتطّلع عليها ... وصرخت ارسالية وزارة التّربية وصلت ..
فاقترب منها نوفل سائلا:
هل نجح ؟ هل نجح الكلب ؟
قولي يا سُها .. قولي ... لا بدّ انه نجح؟ أم كالعادة ؟ قولي ..
***
انتهت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق