نسمات فلسفية عطرة تذكي البصيرة نتذكي البصيرة وتنعش الفؤاد لمن اراد ,,
استكمال نواميس الكون الفلسفية المنطقية (مفاتيح البيان) في الوجود و الاكوان ,,
(الحلقة الخامسة) ,,,,, (رماز الاعرج)
الناموس الثالث ,
3 : ناموس الترابط والتفاعل العضوي الشامل
هذا الناموس من النواميس الكونية المفتاحية ايضا و الاساسية , بحيث هذا الترابط هو ذاته ما يجعل المكان الذي نعرفه ينقسم ويتوزع بين خليط من المراحل والاحتمالات الغير مفهومة لرؤيتنا البسيطة إلا بعد التعمق في التفكير والتجريد للواقع , فيصبح قسم منه نراه فراغ وقسم نراه كتلة او عدة كتل وقسم اخر نطلق عليه الزمن وآخر الحركة وآخر الطاقة , وفي النهاية هذه جميعها هي مظاهر لشيء واحد وهو الوجود الفعلي والمادي الازلي و المطلق في ألا متناهي والاحتمالي وهذه الاركان الكونية الاساسية في الوجود تشكل الارضية لكافة التفاعلات النسبية التي نعرفها والتي سنعرفها لاحقا , فترابط الوجود الكوني مدهش وغير مفهوم بالنسبة لنا بوضوح , ولكنا قادرين على اكتشاف بنيته الاساسية ونواميسه وصوغها في مفاهيم تسهل علينا وتمكنا من معرفة حركة الواقع ومحاولة السيطرة عليها نسبيا في محيطنا الاساسي على الاقل , اي كوكب الارض وما عليه من تفاعلات , وتعطينا هذه المعادلات الواضحة اثبات كامل على ان الكون هو كائن عضوي واحدى ومتفاعل في نسق معين من العلاقات و الروابط , بل ويؤكد لنا ذلك ان هذا الكون هو كائن متحرك شمولي حي ويشمل كافة انواع الموجودات و الحركة بكل تنوعها وفروعها , اليوم اصبحنا قادرين بعد هذا المستوى من المعارف ان نضع تصور وصياغة حول هذا الكائن الحي المتحرك الشمولي الذي نعيش فيه ونسميه الكون .
لاحظ الانسان علاقة الاشياء وترابطها من خلال مشاهدته تأثير الظواهر بعضها على بعض بشكل مباشر , وهنا ربط علاقاتها الجوهرية و ادراك فعلها بشكل عقلي مجرد , فقد شاهد فعل المطر وكيف يطفئ الماء النار وبذلك شكلت هذه التجربة الحسية وعي لهذه العلاقة بين الماء و النار , انها علاقة ترابط عضوي وتأثير مباشر بين ظاهرتين , وكذلك لاحظ علاقة الماء بالحياة و الخصاب و الربيع , وعلاقة الشمس وتوازن حرارتها بنمو النباتات , بل واستمتع واسترخى في لطافت المناخ واعتدال الحرارة وتوازنها في بعض المناطق و افضليتها بين منطقة و اخرى .
هذا الترابط لاحظه الانسان وشمله منذ القديم في معتقداته وآلهته القديمة وحتى في الميثلوجيا البدائية الطوطمية نرى ذلك واضح من خلال ربط قوى معينة ما لتساعد الانسان على السيطرة على قوة اخرى , انه اعتقاد راسخ بالترابط بين ظواهر الكون , بل اعتقد الانسان بتأثير الكواكب و الاجرام و المجرات المكدسة في مساحات الكون البعيدة واعتقد ان لها تأثير فعلي على حياته المباشرة على الارض , ولذلك راقب الفلك وحركة الاجرام الكونية بحسب ما كانت متيسرة له في رؤيته و امكانيات و وصفها في هياكل و اسماء بحسب مشاهدته لها ومنها ما هو قائم حتى اليوم , مثل تقسيم الابراج الفلكية التي هي عبارة عن تكتل مجرات تشمل جزء من تجمع كوننا النجمي .
اي ان الانسان كان قد لاحظ ايضا العلاقة التي تربط بين هذه الاجرام من خلال مشاهدته للمسافات الفاصلة بينها , نذكر بذلك لكي لا نقع في خطاء ان هذه النواميس هي حديثة العهد في معرفتها واكتشافها , بل هي معروفة للإنسان منذ بواكير نشؤ الوعي والتفكير , ولكن فهمها يتطور مع تطور مستوى المعارف الانسانية العلمية , وكلما تطورت معارفنا تطورت رؤيتنا حتما لهذه النواميس , وذلك بحكمك تطور المساحة المعرفية الانسانية , لهذا تبقى هذه النواميس بحاجة الى تطوير دائم ومتواصل الى ما لا نهاية , اي بمعنى ان علينا اعادة صياغتها وتعديلها او تطويرها دوما كلما اتسعة مساحة معارفنا , وبهذا تصبح دوما هي الوسيلة و الاداة المنهجية المضمونة و الاكثر ثقة لتوصيلنا الى الاجابات المقنعة المنطقية عن الواقع.
يعبر علم الفلك القديم واكتشاف دورة الابراج وحركتها المتكررة ومعرفة الانسان لها منذ فجر الوعي البشري عن عمق فهم هذه العلاقة الكونية الشمولية , بحيث اعتقد الانسان ان هذه الدورات والحركة البعيدة لهذه الجرام و التجمعات النجمية تؤثر تأثير مباشر على الحياة على الارض , ليس هذا وحسب بل وتؤثر على حياة الافراد بشكل مباشر , وبنا تقسيم الايام و الاسبوع والشهر على اساس هذا التقسيم , وبذلك قسمة الايام و الاشهر والسنين الى مواقيت و اوقات سعد و اوقات نحس على الافراد , بل وساعات نحس وساعات سعد مرتبطة بهذه الكواكب والتجمعات العنقودية النجمية , هذا كله يعطينا دليل قاطع على فهم عميق للترابط وليس سطحي , بل فهم يصل الى حد الاعتقاد ان هذه الاجرام السماوية رغم ادراك مدى بعدها إلا انها ذو تأثير خفي و مباشر علينا .
ادرك الانسان القديم هذا الترابط العجيب رغم هذه المسافات التي تجاوزها الانسان في عقله وخياله وصنع لها روابط و اشكال مختلفة لهذه الروابط والتأثير المباشر على الحياة على الارض , وعلى حياة الافراد منفردين كلا على حده بناء على مقياس زماني معين له علاقة بميلادهم في الاساس وفي اي موقع كانت هذه الابراج الفلكية والكواكب , والفترة الزمنية المراد ان نرصد فيها التأثير على حياتنا , وقد استخدم الانسان هذه الطرق وابتكرها كمحاولة لكشف غموض الغيوب والمستقبل وسبر اسرار الكون العجيب الذي وجدنا انفسنا نعيش في خضمه من غير اي سابق انذار او معرفة بما هو هذا الواقع .
ها نحن نرى بكل وضوح فهم موضوع الشمولية والترابط ومدى قدمه لدى الانسان , بغض النظر عن طبيعة القضايا التي قد لا تكون علمية ودقيقة طبعا في الكثير من الاحيان , ونوضح ذلك لكي لا يضن البعض اننا وقعنا بعد هذه الرحلة الطويلة من البحث في الفلسفة وقوانين الكون ضحية للتنجيم القديم وخلطه بعلم الفلك .
ولكن علينا ان لا نأخذ القضايا بسطحية وعلينا التدقيق في طبيعة هذه الافكار ومدلولاتها ودوافعها بغض النظر عن مصادرها وما يخالطها من معتقدات وتخيلات تختلف في اسباب وجودها من شيء لأخر , ولكن في النهاية حين نريد تقيم مرحلة معينة علينا ان نأخذ بعين الاعتبار مستوى التطور التاريخي وسياقاته لهذه الظاهرة او تلك , وهنا نحن بصدد بحث موضوع الفكر و الوعي البشري , وهذا يعني اننا بالضرورة يجب ان نراعي ان هناك الكثير من التخيلات التي قد يضيفها العقل للموضوع من اجل فهمه واستيعابه , وهذا يعتمد على مستوى تطور المرحلة المرصودة للبحث .
في النهاية نستنتج من هذا كله ان الانسان كان مدرك لهذا الناموس الشمولي المترابط والتأثير المتبادل بين الاشياء والظواهر رغم المسافات البعيدة في الكون وحركته التي كان يرصدها من قديم الزمان .
وتشير ميثولوجيا بعض الحضارات القديمة الى ان اجدادهم القدماء قد جاؤوا من الفضاء من كواكب اخرى في سلال طائرة , وهذا يعني ان الانسان كان يتوقع وجود حياة وكائنات مثله في الفضاء البعيد , وهذا يدلل على سعة في التفكير لم يصلها الكثيرين منا اليوم في هذا العصر بعد , وتحدث الفراعنة ايضا عن ذلك في معتقداتهم , و الكنعانيين والعرب ايضا وغيرهم من الحضارات القديمة .
اما في العصر الحديث أثبت هذا القانون وحدانية الكون المعروف لنا بنواميسه الموحدة الاساسية , أي وحدانية العالم و الكون وترابطه , وهذا لم يأتي من فراغ بل جاء ذلك بناء على تطور مكتشفات العلوم الحسية والفيزياء والفلك , و قد أثبتت مكتشفات العلم أن جميع مكونات العالم على علاقة بعضها ببعض , مثلاً مفهوم الاخلاط الاربعة , أي تفاعل المواد الاساسية الاربعة مع بعضها البعض , الهواء والماء واليابسة و النار او الحرارة , و عالم الحياة بشقيها النباتي و الحيواني وعالم المعادن والتربة وعلاقة هذه الثلاث ببعض , تفاعل المواد الحية مع المواد الغير حية واشتراط الحية للغير حية لوجودها و تفاعلاتها المتبادلة.
و كذلك أثبت العلم أن هناك علاقات ذات صيرورة أزلية لا تنتهي كعلاقات من اصغر الاشياء مثل الذرة ومكوناتها الى الكواكب والمجرات والأبراج الفلكية من جاذبية إلى طاقة إلى حركة إلى ما هنالك من العلاقات و كذلك علاقة الثمرة بالشجرة الأم و علاقة الإنسان بالطبيعة الخ....
و إن مثل هذه العلاقات ذات صيرورة أزلية وشاملة وذو ترابط وتفاعل فيما بينها , و مع ظهور كل جديد سيصبح وجوده ضروري وشرطياً من ضمن صيرورة الواقع الجديد , أي بمعنى أن وجوده يصبح من ضمن العلاقات الجديدة وجزء من الوجود تماماً كغيره.
إن مجمل اكتشافات العلوم قد أثبتت أن الكون بكافة مواده و ومجوداته تربطه علاقات توازن وتناقض وترابط ذو صيرورة شاملة لا تنقطع تتغير بحسب الظواهر و تطورها , ولكنها أزلية , فالظواهر ترتبط فيما بينها و تتفاعل وتتأثر وتتناقض و يفرض وجودها وجود الطرف الاَخر وهذا متواصلاً في علاقة وصيرورة تفاعلية أزلية بين جميع الظواهر يعبر عن وجوده بوضوح في أشكال مختلفة.
و من أهم هذه الأشكال هي الوحدة ( أي الشكل الوجودي للتوازن المؤقت الدائم هو أيضاً) و ذات الصيرورة الأزلية , وهنا تنتج الوحدة , وتتجلى الوحدة الوحيدة للشيء بذاته كوحدة تحتوي على الكثير و الكثير من التفاصيل والتعقيدات , فهذه الوحدة الناتجة عن مجموعة من الشرطيات والفرضيات تحتوي على كافة القوانين في داخلها , العامة منها و الخاصة بها الوحيدة و الفريدة لها ذاتها.
فالوحدة تحتوي على الكتلة والحيز والطاقة , وقانون التوازن و الطاقة الشامل , التوازن والتناقض والتفاعل والترابط والشمولية العامة في جزء ما من وجودها سواء في الشكل أو الجوهر , فالوحدة من اهم اشكال الوجود العامة والشاملة , والتي تشمل الكون وكل عناصره بكاملها في وحدة واحدة نطلق عليها الوجود الموضوعي الكوني .
و هكذا نرى أن هذه الوحدة المتناقضة الوحيدة بذاتها كوحدة لأي شكل أردنا إخضاعه لبحثنا سيحمل نفس المواصفات العامة هذه , وإلى جانبها مواصفاته الخاصة به وحتما سنجد نواميس الكون ومعادلاته ومولاته المنطقية موجودة وفاعلة ومتفاعلة ومفعولة في هذه الوحدة ذاتها أي كان نوعها وطبيعتها من حيث مستوى تطورها ومرحلة وجودها .
ونلخص مفهوم الترابط الشمولي في معادلة
هناك علاقات دائمة وحتمية بين الاشياء , تبدأ من عناصرها ومكوناتها الداخلية في نطاق وحدتها التي تجسدت فيها , و على صعيد الوسط المحيط الخارجي سواء القريب المباشر او البعيد , وهذا حتمي في جميع الاحوال والمواد , وحين نريد دراسة ظاهرة ما او شيء ما من الضروري البحث في علاقاته العامة والأساسية وترابطه مع الوسط المحيط وفهم الروابط والعلاقات للأشياء يشكل المدخل الاساس لفهم جوهرها .
ونخلص الى معادلة بسيطة ومعقدة معا ,
فهم العلاقة + الترابط الشمولي العضوي = حقيقة نسبية
ف ع + ت ش ع = ح ن , ح ن هنا هي حتمية نسبية نحصل عليها ,
وهذا شبه ثابت , بينما المتحرك هو النسبة التي يمكن تحقيقيها من الحقيقة الاحتمالية الواقعية عن الشيء .
و هنا يتجلى لدينا قانون التناقض كناموس عام شمولي يوضح لنا كيفية العلاقة الداخلية بين هذه المتناقضات و كيفية استمرارها في وحدة ما وكلاً منها يشترط وجود الاَخر بينما هي متناقضة بعدة اوجه و اشكال مختلفة .
يليه الناموس الرابع ,,
(رماز الاعرج)