الاثنين، 23 ديسمبر 2024

مستلهمة من كتاب طوق الحمامة حفلة تنكرية بقلم الكاتب أحمد الكاتب

 مستلهمة من كتاب طوق الحمامة

حفلة تنكرية

لم  أكن من رواد تلك الحفلات، لكن دعوة صديق مقرّب لا تُرد. كانت المناسبة  احتفاء بشيء ما، لم أفهمه جيدًا وسط الضجيج، ولا أظن أن أحدًا غير صاحب  الدعوة قد فهمه أيضًا. دخلت المكان وأنا أتوقع أن أجد وجوهًا مألوفة،  أصدقاء، معارف، لكن الحقيقة أنني وجدت نفسي في حفلة تنكرية غير مُعلنة.

الجميع  يبتسمون... ضحكات عالية، نظرات متبادلة تحمل من المعاني أكثر مما تُظهره  الكلمات. هناك من يرتدي قناع البراءة، ومن يضع قناع المثالية، وآخر يكتفي  بقناع اللامبالاة. رأيتهم يتحركون بين الحاضرين كأنهم يعرفون بعضهم منذ  الأزل، لكن لغة العيون كانت تفضحهم.

جلستُ  في ركن الغرفة، أراقب بصمت. هناك من يتقرب من المضيف بابتسامة عريضة وكأس  مليء بالكلمات المنمقة، وهناك من ينسحب إلى الظل ليتبادل الهمسات مع آخرين.  بدا كل شيء طبيعيًا، لكن الشعور بالغربة كان يطغى على المشهد.

ثم  بدأت ألاحظ... حركات صغيرة، غمزات، لقاءات خاطفة في الزوايا. كنت الوحيد  الذي رأى تلك التفاصيل، أو هكذا اعتقدت. حاولت أن ألفت انتباه المضيف، همست  له: "انتبه... هناك شيء خاطئ يحدث هنا." لكنه ضحك وقال: "أوه، إنها مجرد  مبالغات في التحليل، استمتع!"

لكنني لم أستطع. الكلمات تختمر في رأسي، تتحول إلى بيتين شعريين قديمين:

"إن إخوانه المقيمين بالأمس

أتوا للزنا لا للغناء."

رد علي بابتسامة باردة: "إن كنت مللتَ من الحفلة، يمكنك المغادرة."

غادرت،  وأنا أشعر بمرارة تسري في عروقي. خارج المنزل، ابتلعني الليل البارد. فكرت  أن العالم كله صار حفلة تنكرية. الجميع يلبسون أقنعة، ولا أحد يعترف بما  وراءها. البعض يختبئ خلف قناع الأخلاق، والبعض الآخر يتظاهر بعدم الاكتراث،  وكلنا نشترك في اللعبة، حتى دون أن نريد.

لكن  الحقيقة الأكثر وضوحًا أن النص يحمل رسالة عالمية تتجاوز زمانه. إذ  يُذكّرنا بضرورة اليقظة في المجتمعات الحديثة التي قد تُستغل فيها العلاقات  الاجتماعية بحسن نية، وتُوظف فيها الأقنعة لغايات لا أخلاقية. إنه دعوة  مفتوحة للتفكير في القيم الأخلاقية التي لا تتغير مع الزمن، وضرورة التمسك  بها في عالم يعج بالخداع والتنكر.

ليست المشكلة في الأقنعة، بل في من يصدقها.

أحمد الكاتب


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق