مقتطفات من روايتي
اقترب زوجها منها، أمسك ذقنها بين قبضته مقتربا بفمه المنفرج الشفتين الشهوانيتين وقد انبعثت من بينهما رائحة الخمرة الكريهة قائلا:
- معلّمة الصبيّة الحمقاء صارت محلّلة سياسية هههه
دفعته عنها في غيظ فترنّح وكاد أن يسقط لولا الحائط. عاد نحوها وأمسكها من رقبتها خانقا لها
- لا أريد أن أسمع منك مثل هذا الحديث ثانيّة خاصة بتلك اللّهجة الجنوبية لرعاة الغنم
ضرب على كفه بإصبع يده الوسطى وقال مستفزّا لها
- أما أنا فأعشق كبّك على وجهك يا شهلتي
زاد حنقها وقرفها منه ومن شذوذه الذي رأت البعض من ممارساته في تلك الغرفة آخر الرواق حيث مكتبه.
ما عادت تحتجّ على غيابه كما كانت تفعل الأيام الأولى لزواجها بل صارت تستطيب وحدتها خاصة بعد تلك الليلة.
طال انتظارها له فذهبت إليه حاملة دورقا به عصير مثلّج وقطع من كعكعة الفستق وجدت المكان شاغرا فوضعت التورتة على الطاولة وعادت أدراجها لكنّ أصوات أنين وصراخ وهمهمات ألم ومتعة منبعث من آخر الطرقة المظلمة استفزّ فضولها وشكوكها.
كان الممرّ مظلما ساكنا، آخره سلّم شديد الضّيق مُعتم، نزلته في خوف، رأت نورا يتسلّل من خصاص باب فتقدّمت محاذرة ونظرت من ثقب المفتاح، انحبست أنفاسها، اشتد ارتجافها، دمعت عيناها، هاربة سعت إلى منزلها وقد انقبض صدرها وخارت قواها، انحنت على الحوض تدفع ما في جوفها في قرف من هول ما شاهدت.
في فتور أعدّت شهلة الطعام. رمّمت بيتها ومظهرها فبدت جميلة رغم مسحة الحزن التي صارت ملازمة لها. سمعت وقع أقدام صاعدة على السلّم فدخلت المطبخ مسرعة لحقها زوجها وبيده علبة مرطبات قائلا:
-أعدّي القهوة، أربعة فناجين
وقفت شهلة تتأمّل الكنكة ساهمة وقد ارتجف جسدها الواهن الذي نخره الهم والبرد. سمعت سعال زوجها المُفتعل كأنّه يذكّرها بالقهوة التي فارت وأطفأت شعلة النار تحتها.
تقدّمت شهلة في بطء وبيدها الصينيّة مستطلعة إلى الضيوف فكانوا كهلين وشيخ أبيض الشعر يتكلّمون الفرنسيّة. رفعوا عيونهم نحوها مرحّبين. شهق أطولهم والأكثر الثلاثة وسامة ثمّ تهاوى على كرسيّه محاولا مداراة ارتباكه. أخذ فنجان القهوة بيد مرتجفة.
تفطّن الزوج إلى ما اعترى ضيفه عند ظهور زوجته الحسناء فابتسم في مكر.
لمح إدوارد ما حلّ بصديقه من وجوم فقال بنبرته الرصينة
- وكأنّي بك تتألّم لحال زوجة مدير السجن، تبدو رقيقة وحزينة صعب على المرء التعايش مع أمثال هذه النوعيّة من البشر الذين تجرّدوا من كلّ مقوّمات الإنسانيّة
رفع فردريك عينه نحو صديقه الشيخ وهمّ بفضح سرّه الذي جعله يغيّر مجرى حياته من ضابط جيش في القوات الفرنسيّة إلى محام يُدافع عن حقوق الإنسانيّة المهدورة تحت نياط الاستعمار أو في سجون الأنظمة الديكتاتوريّة التي أسلمت مناهضيها إلى الجلادين
هادية آمنة
تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق