الثلاثاء، 31 ديسمبر 2024

فلسفة اللذة والألم وثقافة الدوبامين(6) دراسة وتحليل : د/علوي القاضي

 (6)فلسفة اللذة والألم وثقافة الدوبامين(6)

دراسة وتحليل : د/علوي القاضي.

... واستكمالاً للٱراء السابقة للفلاسفة (بنتام وستيوارت واسبينوزا) ونظرياتهم في علاقة اللذة والألم بالأخلاق ونظرية المنفعة ، وقد أسهبنا في شرحها شرحا وافيا

... ولم يقتصر الأمر على هؤلاء الفلاسفة في وضع تفسير ومنهج يحكم فكر الإنسانية وسلوكها وعلاقته مع مبدأ (اللذة والألم) ، فإن معظم الفلاسفة قد أدلوا بدلوهم فقالوا عن اللّذة والألم :

• قال (أبيقور) ، أنه ليست أيّة لذّة شرًا في ذاتها ، ولكن بعض الأشياء القادرة على توليد اللّذة قد تحمل معها من الآلام أكثر ممّا تحمله من اللّذات

• وأضاف (كريسون) ، أن أهم ماتختصّ به اللّذة أنّها حالة عابرة ، وأن فكرة اللّذة الدائمة فكرة متناقضة

• ولكن (أندري جيد) ، يعتقد أنه ليس سرّ السعادة في السعي إلى اللّذة ، وإنّما سرّها في التلذّذ بالسعي ذاته

• وينصحنا (مالبرانش) ، أنه يجب أن نسمي الأشياء ونذكرها كما هي ، فاللذة هي دائمًا خير ، والألم هو دائما شرّ ، ويرى أنه ليس من المفيد دائمًا أن نتمتّع باللّذة ، ومن المفيد أحيانًا أن نتكبّد الألم

• وينقل لنا (ألفريد دي موسيت) من خبرته فيقول أن الإنسان تلميذ والألم معلّمه ، ولا أحد يعرف نفسه طالما لم يتألّم

... وكان في فلسفة (جون لوك) توجه مختلف تماما ، فيرى أن الأخلاق هي أخلاق اللذة والألم ، فالخير يجلب اللذة ، والشر يحدث الألم ، ولكن عمل الخير يجب أن يتفق مع (القانون) ، ولذلك يؤكد أن هنالك ثلاثة أنواع من (القوانين) : 

.. (القانون الإلهي) الذي يأمرنا بطاعة الأوامر الدينية 

.. و (القانون المدني) الذي يحدد الأفعال التي تتفق مع القانون وتلك التي تخالفه 

.. و (قانون الرأي العام) الذي يشير إلى الأفعال النافعة بالنسبة للإنسان ، والتي لاتختلف عادة مع القانون الإلهي وقانون الطبيعة

... ويقول الفيلسوف الإيطالى (سينيكا) ، أننا نسمي الإنسان سعيداً إذا كان مدركا للحقيقة ومتحررا من سيطرة الرغبات والأحاسيس والألم والخوف ، وإلا سيكون كالبهيمة مع فرق واحد وهو أن البهائم تفتقر إلى العقل ، في حين أنه هو يسيء إستعمال عقله فلا أحد يمكن أن يدعي أنه سعيد إذا كان جاهلاً في الحقيقة ، وخصوصا حقيقة ذاته ، ذلك أن أساس الحياة السعيدة هو الإستقامة وسلامة الحكم 

... فمن هو الإنسان المالك لزمام ذاته الذي يقبل أن يبقى تحت سيطرة أحاسيس الجسد؟! ، لن تكون النفس إلا أكثر تعاسة إذا أصرت على السعي وراء اللذة المادية ، كما أننا لن نكون سعداء من دون العقل السليم ، فإذا مابالغنا في التفكير في المستقبل وبناء الآمال ، فسيكون ذلك مصدر آلام ، لذلك سنكون سعداء إذا قبلنا بحاضرنا مهما كان ، وإذا أحببنا مانحن عليه ، ونكون سعداء أخيراً عندما نترك للقدر ثم العقل مهمة تدبير جميع مايتعلق بوجودنا

... ويتفق كل من (نيتشه ودوستويفسكي) على أن اللذة والألم لايمكن فصلهما عن بعضهما البعض ، بمعني أن التجارب الحقيقية للحياة تشمل وجهان مختلفان من نفس العملة ، ولا يمكن أن تكون هناك لذة دون ألم ، ويشددون أيضًا على أن تحقيق اللذة الحقيقية يتطلب مواجهة وتحمل الألم والصعاب ، ويقول (نيتشه) ، إن اللذة والألم مرتبطان بقوة معاً ، من يريد أكبر كمية ممكنة من (المتعة) عليه أن يقبل بكمية تساويها من (الألم والوجع) ، ويقول (دوستويفسكي) ، اللذة الحقيقية لا تأتي من الهروب من الألم ، بل من مواجهته والتغلب عليه

... تلك الٱراء والأقوال تذكرنا بأن الحياة ليست مستقيمة ومثالية دائما ، بل هناك أوقات مليئة بالألم والمتاعب ، وربما في مواجهة تلك التجارب القاسية يمكننا أن نجد اللذة والسعادة الحقيقة

... ويغلب على فلسفة (شوبنهاور) الإجتماعيه عداءه الشديد للنساء ، ويظهر ذلك جليا من خلال أقواله التالية :

★ أولا ، حياة الوحدة مصير كل الأرواح العظيمة ، وأن العزلة هي طريق السُّمو الأخلاقي ، وأن الإبتعاد عن الناس يدل على المجد والعَظَمة ، وأن التعامل مع الناس سبب كل الشرور والمشاكل والمعاناة 

★ ثانيا ، يمكن للمرء أن يكون على طبيعته فقط عندما يكون وَحْدَه ، ولقد إعتبرَ الحياة الإجتماعية قائمة على النفاق والرياء وارتداء الأقنعة ، ولايمكن للمرء أن يجد نفْسَه الحقيقية ، ويرى وجهه بلاقِناع ، إلا إذا كان وحيداً ومنقطعاً عن الناس ، فلا قيود ولا إلتزام يمنعه من معرفة حقيقته 

★ ثالثا ، التضحية باللذة في سبيل تجنب الألم مكسب واضح ، ويُشدِّد (شوبنهاور) على أهمية النظر إلى ماوراء الأمور ، وعدم التخندق في اللذة الآنية الزائلة ، فقد تَكون اللذةُ المؤقَّتةُ سبباً للشقاء الأبدي (رب لذة عابرة أورثت ذلا وانكسارا) ، لذلك يجب التركيز على فكرة التضحية باللذة من أجل تجنب الألم ، ويقول (شوبنهاور) أن (المرأة منبع لكل الشرور والألم) ، لماذا ؟! ، ويجيب عن سؤاله فيقول ، لأن الحياة كلها عذاب في عذاب ، والمرأة هي الحاضنة للجنس البشري ، وهي التي تحفظ بقاء النَّوع الإنساني من الإنقراض ، وهذا يَعني أن المرأة هي السبب في شقاء الإنسان وعذابه ، لأنها السبب في مجيئه إلى الأرض ، ولذلك فإن من الذكاء حسب (شوبنهاور) التضحية باللذة الجنسية التي تؤدي إلى ولادة الإنسان ، من أجل تخليص الإنسان من العذاب ، وتجنب الشقاء والمعاناة والآلام 

... واختلف عنهم (ليوتونستوي) فكان له رأي ٱخر ، فيقول أن الإنسانَ في وقت اللذة يطفو على سطحِ الحياة وأما في ساعةِ الألم فيدخُلُ في العُمق

... وإلى لقاء في الجزء السابع إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة

... تحياتي ...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق