الاثنين، 23 ديسمبر 2024

___هيّــا نسير تحت المطر ___ بقلم الأديبة فائزه بنمسعود

 ___هيّــا نسير تحت المطر ___


طفلان سرْنا في هذا الشارع الطويل العريض  -هذا الشارع المستقيم استقامة الوَرِع التقيّ -على جانبيه  تصطف الاشجار  الباسقة  متعانقة   وقد يتمرد غصن  ويمد عنقه الى السماء  كصرخة  عاشقة في وجه حبيبها أن  ْ أقبلْ أنا هنا-سرنا  وآمالنا  أطول وأعرض تمتد  داخل قلبينا  عريشا  ظليلا-بنت   وولد همهما الوحيد بلوغ-الْمَنَاج-(دوامة الخيل) الذي  انتصب آخر الشارع  بمناسبة راس السنة وأعياد الميلاد -الفصل شتاء ولكن الطقس ربيعي  ربما أعاره  الربيع للشتاء احتفالا. بسيرنا في الشارع لاول مرة-كان حلمنا بريئا   متمثلا في ركوب  تلك الطائرة التي تحلّقْ بنا في الفضاء المخصص لهذه الألعاب- فيبدو لنا العالم السفلي  رقعة    صغيرة على ظهرها بشر  يحركهم القدر  بأصابع  خفية كما يحرك لاعب ماهر  قطع الشطرنج  -وفيّ غمرة البراءة  نضحك ونقهقه  ونغمض عيوننا-على فكرة ما زلتُ   أغمض عينيَّ  كلما مررت من ذاك المكان واضحك  سرا دون الجهر وقد أقهقه  فينظر لي المارة  نظرة شفقة  ظنا منهم انني  مجنون-مساكين  ما علموا انني في نوبة ذكرى لعشق كان هنا-كم كان حلمنا  ساذجا وجميلا-حلمنا ان نكبر بسرعة ونسبر أغوار مناج الحياة-ونسير في الانهج والشوارع الصامتة المتكلمة -وكل شارع يغرينا ويهمس  وهو يبوح بأسرار  من عبروه ومروا من هنا وهناك-

—هذا شارع يروي قصة اغتيال المحبّة  التي ضُبطت في موقف مشبوه مخلّ بالاخلاق مع الوفاء -

—وهذا شارع شهد عملية سطو على الوطن  من طرف عصابة  سياسية مافيوزية   مختصة  في سلب حرية الاوطان وبيعها بالمزاد العلني على مرأى ومسمع من الشعب..

—وهذا آخر حضر الاجهاز على الكرامه خنقا بواسطة رابطة عنق ديكتاتور قيل وصل سدة الحكم  عن طريق انتخابات نزيهة وشفافة -وقيل ايضا ان الاقتراع كان حرا وان الصناديق فتحت في مركز الفرز امام لجنة نزيهة من المحلفين الانذال ..

—وهذا نهج ضيق متعرج كانت تسكنه الحقيقة  وكان من المستحيلْ الوصول  اليها لانها كانت تحت الاقامة القسرية   وكانت مطالبة للعدالة  لان ظهورها يسيء لسمعة القضاء  وقيل انها انتحرت ولكن الحقيقة انها ماتت تحت التعذيب..

—وهذه بطحاء الظلم  التي تم فيها إعدام الصدق رميا بالرصاص وأحرقت جثته وذر رمادها في العيون ومن يومها اعتنق  الشعب الكذب والناس على دين ملوكهم..

وفيّ اخر   هذه الشوارع  توجد بناية ضخمة محاطة بأسوار عالية سوداء  وحولها  رجال شداد غلاظ مدججون  بالسلاح انه قصر الباطل  الذي يحكم الوطن  مع زوجته الخيانة ووزيره الاول الغدر ويطلق عليهم  اسم ثلاثي تدمير الوطن  -وقد ازدهرت  في عهدهم الرشاوي والاغتيالات والاغتصابات وتكميم  الأفواه   ومصادرة الراي  والصنصرة وكل ما يمت للتخلف بصلة-

وتنتهي رحلتنا مع الشوارع  وقد غادرنا الطفولة ووقفنا على عتبة الشباب -كبرنا-- ومازال حلمنا بسيطا-الّا وهو أن نحيا مع حبنا  ونعيش لحظات اللّقاء التي نسترقها من   الزمن  عندما نجلس في مقهى الاحباب في ركننا المعزول -نشرب قهوة  من فنجان واحد ،ونحتسي آخر  قصائد العشقِ -وكم كانت قهوة الفنجان الواحد تثير فضول رواد المقهى -وكم كان يروق لنا النظر الى باب المقهى  الذي  يغازل المارة -وكم كنا نحلم بالسير تحت المطر 

كان حلمي ان اعانقك ونحن نسير تحت المطر وكان حلمك ان تمطر الان-كان حلمنا تقسيما 

جديداللكرة الارضية ولانأخذ  نحن الّا مكان اللّقاء الاول--

—هنا سرنا  وتصفحنا  الكتب المعروضة في واجهات  المكتبات يوم كان شعار  الحياة-كتاب لكل فكّرْ  وقصيد لكل وجدان وحبّ لكل قلب-وفي المسرح البلدي حضرنا عرضا وعلى مقاعده  عشنا  قبلة الاعتراف حيث بدات مع رفع الستار وانتهت  مع إنزاله  وأضاءت  القاعة وصفق  الحضور-وخاطبنا من يجلس جانبنا بقوله :لماذانمتما  المْ ترق لكما المسرحية --نمنا يا حبيبتي-نمنا لنعيش ونحلم  بالقبلة  الاولى-وكم ضحكنا  يومها!!

—هانحن نسير في نفس الشارع  وقد بلي ثوب احلامنا -الشارع ما تغير واًنا  وانتِ كبرنا وتضاءلت رقعة حلمنا-ها انا وانت   نسير مثقَّلين  بهموم الوطن  ووجع القلب  ولهيب  الرّوحٓ والام  الرّحيل  وأحزان الغياب وحسرة الفراق -نسير   معا روحا لا جسدا مع فارق الطوار لان القدر وقف الى جانب النصيب   ضدنا--سرتِ معه وسرتُ وحدي مع ظل  حلم اللّقاء الاخير  قبل ان تطوي الحياة صفحتي--وعدنا والتقينا بعد موعد ضربه لنا الحبّ في شارعنا وفيّ نفس المقهى -ها انا أحتسي قهوتنا وانتظر اجيل نظراتي  بين كل الجلوس ابتسم خلسة وأدير وجهي  الى باب  المقهى  المطر  بدا يداعب الزجاج  ترى  ماذا يهمس له -لا ادري؟ذاكرتي تتجه يميناً وشمالا-في رحلة بحث  عن المعطف   البنفسجي  وشعرها  الغجري المسافر في كل اتجاه-ويزداد عناق المطر للزجاج  واستشعر قلبي  قدومها  فنهض  نابضا بنسق سريع وضعت عليه يدي  لأهدِئ من روعه  وسبقها اريج عطرها-  نهضت  ونظرت الى هناك الى الباب امراة ترتدي  معطفا زيتوني  اللون-وغاب الشعر  المتمرد  وراء  ستار الوقار -دنت مني امسكت يد مبتسمة  وقالت  في لهفة طفولية-هيا نسير  تحت المطر-قبل  ان يتفطن  لنا القدر هياااا-سرّنا  والمطر يصفع وجهينا-سرّنا في هذا الشارع  بقلبين دافئين ولأول  مرة  شعرنا ان الشارع ليس طويلا    ولكن حلمنا البسيط زُيِّن  لنا ذلك....


فائزه بنمسعود

1/12/20118

من مجموعتي القصصية(وشم على ذاكرة النسيان-2020)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق