الاثنين، 23 ديسمبر 2024

تموقعات الكلمة الشعرية..في ظل احتدام الثقافات وتنافسها بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 تموقعات الكلمة الشعرية..في ظل احتدام الثقافات وتنافسها


 “الخير أيضا-مثل الشر -نزعة متأصلة في الإنسان..”


أن تتداعى الصور الشعرية في ذهن الشاعر،وتخترق سجوف خياله مفصحة عن الوجان وما يمور داخله من أحاسيس ومشاعر،فهذا يعني أن ما ستفرزه شاعريته،سيؤسس لوعي جديد تتأثث به عوالم النص وترتقي فيه اللغة إلى مرتبة الجمال والإبداع..

لكن..

الكتابة الشعرية في وجه من الوجوه هي ضرب من الشقاء والمعاناة تتراوح فيها الذات بين حالتين متنافرتين:قتامة وإنكسار/قوة وإنتصار..

ولو حاولنا استقراء الحالتين لتبيذن لنا أن للأولى دلالات تحيل على الذات المشروخة والمشظا،حيث تبدو الصور الشعرية متسربلة بالألم،راشحة بالمرارة،جانحة في أبعادها إلى الإغتراب وموغلة في سوداوية ورثناها عن ذاكرة مدانة تحطّ بنا كرها في مواقع مترهلة تكشف عن تشاؤم دفين..

أما الحالة الثانية،فهي تلك التي تتجاوز فيها اللغة تحقيق المصالحة بين الإنسان والفرح ليكونَ التألق في رحاب شعرية مشرقة ومضيئة تنحى صوبَ الجمال وتعانق الأفاق المستقبلية بكل أمل وثبات..

إننا إزاء حالتين متناظرتين تتنافر فيهما الصور وتتعارض..

أفلا يمكن إيجاد مصالحة بينهما تقوم على التناغم بين : ثنائية التوتر بين الذات والموضوع، وبين الكائن والممكن على نحو يقترب فيه النص الإبيداعي من الشمولية،دون أن يشذّ عن الحدود التي رسمناها،أو تلك التي أملاها الواقع..؟

وبسؤال مغاير أقول:

ألا يمكن أن تكون الكتابة الشعرية جامعة توحّد بين قطبين نائين: تداعيات الراهن..وتجليات المدى المنظور..فنكون بذلك قد أسسنا لوعي جديد يبدأ من الذات ويؤسس للكون في تواصل جمالي خلاّق..؟

ألسنا إزاء تغييرات في البنى الإجتماعية والثقافية بالنظر إلى ما تطرحه العولمة من تحديات في ظل احتدام الثقافات وتنافسها إلى حد يحيلنا على وضع تبدو فيه البكائيات والمراثي المألوفة واستهجان الواقع المترهل،من ضروب التقوقع والإنغلاق على الذات..؟

ألا تفرض علينا الثقافة الكونية نصوصا شعرية ذات شمولية فنية مفعَمة بدفء الكلمة ونبل السؤال وجمال الحيرة،تؤسس الذات وتساعد على استجلاء المضمون الأدبي والفني بتفاؤل خلاّق،لنواجهَ عبرها عالما ما فتئ يخيّب الآمال ويثير الفوضى في وجه الوجود..؟!

ألم تكن أشعارنا المحدثة في معظمها تنحو للغرابة والغموض،وما الغرابة إلا دلالة على الغربة عن العالم وانعطاف،يستحيل نوستالجيا-لا يخطو على درب الآتي الجليل،بل يترجرج إلى الماضي في حنين سئمناه..؟

إن هذه الأسئلة التي طرحناها لا نروم من خلالها التأسيس لواقع مغاير لمنطق الأشياء والكون،بقدر ما نهدف إلى صياغة هذا الواقع في نصوص إبداعية ترنو إلى أفق مغاير يتفتّح بإستمرار ويؤسّس دفقا موصولا ضمن تواصل موضوعي،يحقّق عبره المبدع شرط وجوده..

على سبيل الخاتمة:

-يرى البعض أن الطبيعة البشرية من أقوى أسباب الصراعات الإقليمية والعالمية،وأن تاريخ الأمم هو تاريخ حروبها،وأن من طبيعة الأمور-من ناحية-أن يهيمن الأقوى على الأضعف ويستغله لصالحه،ومن ناحية أخرى فإن الصراع حتى بين الإخوة مغروس في الجينات البشرية،فقصة مثل قصة الأخوين قابيل وهابيل Cain And Abel -حين لم يكن على الأرض غير أسرتهما-إنما ترمز لوجود جين العنف في الإنسان. ويرون أن الصراع سيبقى ما بقيت البشرية،فلا أمل في التخلص من الاستعلاء العنصري أو التعصب العقائدي،وهما دافعان يبرزان في مقدمة دوافع الصراعات الطائفية والإقليمية,وربما دول الشمال مع دول الجنوب،بل دول قارة مثل أوربا كما حدث في الحربين العالميتين في القرن الماضي،لكن من المعروف أيضاً أنه كما يمكن إيقاظ الأحقاد إلى حد سفك الدماء بين الإخوة حيث تكون هناك تفرقة في المعاملة بينهم على نحو ما حدث في القصة الدينية: قصة يعقوب ويوسف وإخوته،وفي قصة قابيل وهابيل من قبل فإنه يمكن وأد هذه الأحقاد حين تكون المساواة أساس المعاملة.

 كذلك الأمر بين الشعوب،يمكن بآليات محددة إثارة الفتن بين مختلف طوائفها أو مع جيرانها (وهو ما حدث في التاريخ نتيجة مؤامرات داخلية أو خارجية) ويمكن تغليب ثقافة احترام الاختلاف،تغليب العوامل التي تجمع على تلك التي تفرّق بدءاً من التعليم والمنابر العقائدية حتى وسائل الإعلام والقنوات الفضائية.فالخير أيضاً-مثل الشر -نزعة متأصلة في الإنسان.


محمد المحسن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق