السبت، 4 يناير 2025

"ظلّ النخلة على الجدار"/ بقلم الكاتبة مجيدة محمدي

 "ظلّ النخلة على الجدار"/ مجيدة محمدي 


في البعيدِ...

حيثُ الغبارُ يعانقُ الشجرَ الجافَّ،

وحيثُ الريحُ تتعلَّمُ أسماءَ المارينَ في الصمت،

كان يقفُ.

يداهُ تتشابكُ كجذورِ زيتونةٍ عجوز،

وعيناهُ تُبحرُ في الفراغِ كأنَّهما نافذتانِ إلى السماءِ.


أبي،

ذاك الذي علَّمني أنَّ الأرضَ لا تخونُ،

أنَّ الحبَّ ليس كلماتٍ تُلقى في مهبِّ الريح،

بل يدٌ تمتدُّ لتزرعَ حبةَ قمحٍ

في تربةٍ عطشى.


كان كريمًا كالمطر،

يهبُ دونَ أن يسألَ الأرضَ عن عطائها.

كان شريفًا كالصخرِ،

صلبًا، لا ينحني

إلا ليحملَ طفلًا تعبَ من المشي.


يا أبي،

كيفَ تنطفئُ النجومُ في عينيك؟

كيفَ يرحلُ دفءُ كفَّيك عن ظهري؟

كيفَ تصبحُ أنتَ،

ذاك الذي كانَ يمشي تحتَ ظلالِ الشمسِ،

طيفًا عابرًا بينَ الحقولِ؟


أتذكَّركَ،

حينَ كانتِ الأمسياتُ تنحني

لتسمعَ صوتكَ يحكي عن الوطن،

عن الأرضِ التي كنتَ تُقبّلُ ترابَها

كلّما عدتَ من غربةٍ قاسية.


كانَ الوطنُ يسكنُ فيك،

كعطرِ خبزِ الطفولةِ،

كضحكةِ الماءِ حينَ يُداعبُ الحصى.

وكانَ صوتُكَ يغني،

ليوقظَ الأملَ في القلوبِ.


اليوم،

وأنتَ غائبٌ كغيمةٍ ابتلعتها السماء،

أتلمَّسُ أثرَ خطواتِكَ في التراب.

أسمعُ صدى صوتِكَ في الريحِ،

وأرى طيفَكَ في عيونِ النجوم.


يا أبي،

نورُك ما زالَ يعلِّمنا أنَّ العالمَ

ليس سوى مرآةٍ لأرواحِنا.

وأنَّ الطيبةَ هي السلاحُ

الذي يقطعُ قيودَ العدم.


أبي...

ما زلتَ هناكَ،

في حكاياتِ الجيرانِ،

في الأغنياتِ التي تُداعبُ الحقول،

في صبرِ الأرضِ،

وفي قلوبِنا التي ما زالتْ

تبحثُ عنك،

كعصفورٍ ضاعَ في الزحام...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق