الحفرة
زقزقة صامتة شقت الآفاق عابرة السراديب برغم حصانة الزنازين وحديد الأسر ، لم يسمعها أحد أو بالأحرى لم يتمكن أحد من فك شفراتها بعدما لفتها الألاعيب الدبلوماسية وغطت جوهرها الشعارات لعقود ودهور من اليأس والأسى.
قصة حياة نجت بما تبقى من ساعاتها من أنياب الوحش الذي أبدع في صياغة آليات الوجع وأنشد طويلا بيانات الشرف والعزة والكرامة ناقشا تحت جنح الظلام وطنا آخر يركع بسطوع الجزمة ويخر للإلاه عابدا عند ذكر اسمه و هو يسطو على دقائق استراحة بسيطة خلت من السوط بقلب حفلات التعذيب مآخذا السجانين على خلو الفضاء من الدمع والصراخ والعويل ناقما في ذات الوقت على كل كلمة تتسلل بين الأسنان المسوسة الهرمة بغياب الرغيف وشربة اللبن و خيوط الغطاء.
فبين ألواح الظلام سطعت ثقوب سوداء جهلت البشرية طبيعتها بل و تبرأت منها ومن لون معدنها متسائلة خلسة عن تفاصيلها أبِها قلوب وحناجر وأحاسيس ؟ أم أنها تحصيل تزاحم القسوة والشدة والجهل في ظل إيمان عميق متجذر بتعاليم الحاكم المتشبع بميراث الفرعون وهو يصرخ على أمواج الدنيا أنا ربكم الأعلى ؟
فبرغم تهاطل أوراق العمر لا آدمية أشرقت بين العنابر ولا بقايا مكنونات بشرية نطقت ولا رحمة بضعيف عرفتها تفاصيل القصة الدامية فالأسلوب الإنشائي منبوذ هنا إلا من الأمر و الخضوع المباشر للإشارة ، والمداد ممنوع هنا أيضا إلا ما سكبته العروق و أرسلته الجروح ، أما الإجابة فمستقاة من دقة الرامي الباحث دوما عن إصابة أعمق مكامن الصمت و الألم أما الضمير الإنساني فتقابله أبشع مشاهد التنكيل وقت اندفاع الصراخ محلقا تعبيرا عن فقد عضو بشري أو شرخ غائر أو نزيف غير منقطع.
ومع تعاقب عبور الحقب وبرغم الزئير المزعوم المروِج للعدالة والتموقع في زاوية ضحية المؤامرات وتوشح رداء الخادم الأكبر للأمة إلا أن الأجيال توارثت خلسة الحقائق المخفية والممنوع ذكرها حتى نبتت في دهاليز الألم وأشرقت طاوية صفحة دامية أقفلت خلفها أبواب العنابر والزنازين و مواقع الإخفاء القصري تحت الأرض محولة إياها لمتحف كتبت لوحاته أرواح تلاعبت بها النفوس الشريرة ورسختها القامات المزعومة الغافلة لتكون دليلا لضوء نهاية النفق ونهاية الكابوس وأداة لصناعة أرض خضراء يتفنن الياسمين في زخرفتها على أمل أن تحتفظ الناشئة طويلا بمشهد طيران العصافير من مصنع الموت ولتنقش بخلدها و للأبد أيضا مخرج ومنتج وأبطال سلسلة أقرب للخيال والوهم لتفاصيل مشروع لا إنساني عنوانه المسلخ البشري.
محمد بن سنوسي
من سيدي بلعباس
الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق