قراءة وتحليل أدبي بقلم مشترك للاستاذ محمد الوداني بمساعدة الشاعرة الأديبة غزلان حمدي
النص "وإذا جفت آبارنا" للشاعر يوسف بلعابي يعالج موضوع الحياة الدنيا باعتبارها محطة زائلة لا تستحق التعلق بها. يظهر الشاعر معاناة الإنسان في مواجهة متطلبات الحياة، ويركز على فكرة العطش الذي يرمز إلى النقص الروحي والمعنوي، وليس فقط المادي. يُبرز النص أن الانصياع لمغريات الدنيا وشروطها القاسية يؤدي إلى فقدان القيم الأخلاقية والانحدار نحو الغرور والفجور.
اللغة المستخدمة بسيطة ومباشرة، مع تكرار كلمات مثل "ظمأنا" و"الماء" و"الدنيا" لتأكيد الفكرة المحورية. كما يتجلى في النص استخدام جميل للاستعارة، حيث يصور الدنيا ككائن حي يستهزئ بالإنسان ويتجاهله، ولا يمنحه سوى فتات الماء مقابل الخضوع والاستعباد.
النص يتبع تسلسلاً منطقياً يبدأ بوصف الأزمة، ثم ينتقل إلى نقد مظاهر الخضوع للدنيا، ويختم بالدعوة إلى التوجه نحو الآخرة باعتبارها المأوى الأبدي. القيم الأخلاقية والدينية واضحة في النص، حيث يشجع الشاعر على الزهد والابتعاد عن مغريات الدنيا، مؤكداً أن السعادة الحقيقية لا تتحقق إلا بالسعي نحو الآخرة.
الصور الشعرية المستخدمة غنية بالمعاني، مثل "الدنيا أدارت وجهها" و"نعيش تحت سوط غرورها"، وهي تعبيرات تجسد قسوة الحياة وصعوبة الاستسلام لمادياتها دون فقدان الكرامة. الرسالة التي يحملها النص تتسم بالوضوح، إذ يدعو القارئ إلى النظر إلى الدنيا على أنها مجرد وسيلة وليست غاية.
ورغم قوة النص في فكرته، إلا أنه قد يستفيد من تنويع الأساليب البلاغية وإضافة مزيد من الرمزية لتوسيع الأفق التأويلي للقارئ. ومع ذلك، يبقى النص قطعة أدبية مميزة تدعو إلى التأمل في معنى الحياة والغاية منها، وهو ما يعكس عمق تجربة الشاعر يوسف بلعابي.
مع تحيات ادارة مجلة غزلان للأدب والشعر والابداع الفني العربي للنشر والتوثيق والقراءة النقدية التحليلة الأدبية
******
*وإذا جفت آبارنا*
وإذا جفت آبارنا
وظمأنا ولم نشرب
من نهر الحياة
والدنيا أدارت وجهما
سخرية منا أو كرها
وقابلتنا بدبرها
فلا نحاول
ولا نلحلح لها
لتعطينا الماء
لنرتوي من أنهارها
فإذا توسلنا إليها
قد تعطينا شربة ماء
بشرط أن نخضع لها
ونعيش تحت
سوط غرورها وفجورها
ونصبح من الفجار
المتعالين المغرورين
وماؤها لا يسقي ولا يروي
ظمأ المغرورين
ونصير عبيدا لها
وننسى بأنها زائلة
وليست مستقر
بل نحيا عطاشى
في هذه الحياة الدنيا
ونسخر منها ونعزف عنها
ونسعى جاهدون ممتثلون
للدار الأخرى
وهي المأوى والمستقر
فيها أنهار جارية
لا نعرف فيها عطشا
فالدنيا هي دنيا وليست جنة
لا أحد ارتوى منها
لا فقير ولا أمير
بقلمي يوسف بلعابي تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق