النهر
كلّما ضاقتْ بك السّبلُ وأحسستَ أنّ الدّنيا أَقفلَتْ عليكَ مساراتِها، التجئ إلى نهرٍ موئلًا التجئ إليهِ بينما كلُّ الدّروبِ تتقوقعُ ضنينةً فلا تمنحك أدنى خطوةٍ ولو كانت فيها عثرة،. انعزلْ واتّحدْ مع خريرِه، هنا توشوشُكَ الذّكرياتُ تدغدغُكَ الأمنياتُ، هنا يُفكّ الحصارُ عن روحِكَ، هنا تلتقي بطيفِ توأمِكَ لتنصهرَ معه في بوتقةِ الحياةِ، هنا البرودةُ دفءٌ والعمقُ قلبٌ والصخورُ صدرٌ ، أمّا الضّفّتان فهما ذراعانِ يجدّفان بالخيالِ نحوَ المستحيلِ. وتلك الدّوائرُ التي ترسمُها الأصابعُ على خدّك يا نهرُ فهي بلا هوادةٍ تجعلُ راسَمها يرفرفُ كطائرٍ يهيمُ فوقَ أصقاعِ الدّنيا محمّلًا بهمومِها ليرميَ بها بعيدًا عن عيونِ الفضوليين، والأشرارِ. من عذوبتِكَ أيها النّهرُ ماتَ النشازُ ليولدَ الإيقاعُ لحافًا يدثّرُ جسدَك الثائرَ، من جبروتِ تدفقِكَ ألمحُ شفافيةً أثيريّةً تمتدُّ من الأرض متّجهةً ببخارها نحو العلاءِ، من صمتِ انسيابِكَ يتلألأُ الماءُ زلالًا ،من تعرّجاتِكَ الصّخورُ لا تقبلُ تفتُّتًا، تصمدُ كي تبقى معكَ في عناقٍ وكأنّ في العناقِ عهدٌ أبديٌ. ممتلئةٌ أنا برحابتِكَ يا نهرُ، أنتَ يا حبلَ نجاةٍ من عالمٍ يضيّقُ الأنفاسَ حدّ الاختناقِ.
أنت نهرٌ ينسابُ فيه الماءُ زلالًا لأنّكَ نقيُّ السّريرةِ لا تفشي أسرارَ من يرمون في حضنِكَ حصواتِ أمانيهم . أنتَ نهرٌ شاهقٌ في حكمتِكَ، عطوفّ تحتضنُ الكسيرَ تتلقّف منه بحنوّ صرر الخيباتِ، خيباتٌ كلما رُميتْ لك أعدتَها آمالًا مزهرةً. أنتَ نهرٌ ينسابُ مسرعًا يسابقُ الزّمنَ. المياهُ فيكَ عطاءٌ ينعشُ القلوبَ المتيبّسةَ.
سامية خليفة/ لبنان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق