"من نسأل؟"/ مجيدة محمدي
في هذا التيه الممتدِّ ...
حيثُ الأزمنةُ تنهارُ كجدارٍ في عاصفة،
وحيثُ المسافةُ بين الحلم واليقين
تصيرُ خيطَ دخانٍ في راحةِ يدٍ مرتعشة،
نقفُ أمامَ المرآةِ الهاربةِ من صورتها
نسألُ: من نسأل؟
هل نسألُ الغيمَ
وقد أرهقهُ سفرُ الضوءِ
وباتَ يسقي الأرضَ بدموعه؟
أم نسألُ الريحَ
التي تلوكُ الصمتَ في أفواهِ الجبال ،
وترحلُ دونَ أثر؟
نسألُ الليلَ؟
لكنَّ الليلَ يزحفُ على أرصفةِ المدنِ المطفأة
يجمعُ أنينَ الأرواحِ المرهقةِ في جيوبه،
ويكتفي بالسكونِ جوابًا.
نسألُ الشجرَ؟
لكنَّ الشجرَ يتهجَّى أسماءَ الراحلين
بأوراقٍ ترتجفُ من ثقلِ الحكايات،
يمدُّ جذورهُ عميقًا
بحثًا عن أسرارٍ لا يبوحُ بها أحد.
هل نسألُ البحرَ؟
ذاك الذي عانقَ كلَّ الغرقى
البحرُ صامتٌ كعادته،
يمحو الإجاباتِ من رمالِ السواحل
كلَّما حاولنا الكتابة.
ربما نسألُ السماءَ،
لكنها تكتنزُ أسرارَ الغياب
تضيءُ بنجومٍ كأنها ثقوبٌ في ستائرِ الخلق،
لا تجيبُ سوى بوميضٍ يخبو قبلَ أن نفهمَ السؤال.
نسألُ الظلال؟
لكنَّ الظلالَ لا تعرفُ سوى أن تحاكي أشباحَنا،
تبتلعُ أشكالَنا دونَ أن تبوحَ بما رأت.
فإلى من نلتفتُ إذن؟
إلى من نرمي بخوفنا
ونغتسلُ من أوجاعِ السؤال؟
ربما إلى الصمتِ،
ذاك الذي يملأ الفراغاتِ بينَ الكلماتِ،
يتسلَّلُ إلى زوايا الذاكرة
ويمدُّ يدًا خفيَّة
تربتُ على كتفِ الحيرة.
أو إلى الفراغ،
ذاك الذي لا يعاتبنا
ولا يطالبنا بإجاباتٍ صلبة.
فنعودُ إلى السؤال:
من نسأل؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق