الجمعة، 16 سبتمبر 2022

 قراءة في قصيدة الشاعرة التونسية  منيرة الحاج يوسف في وطني .بقلم الدكتور حمزه علاوي مسربت .العراق. 

 قصيدة الشاعرة التونسية  منيرة الحاج يوسف #في وطني#. 

بقلم الدكتور حمزه علاوي مسربت .العراق.


 في وطني 

السارق والمارق والغارق 

في أوحال جرائمه

يطغى ويعيش

في وطني  

الناطق

بالزيف والناعق بالزور 

يخشاه الناس ،يعيش

في وطني 

يحيا

السفهاء 

ومن غير سيادتهم يحظى بالعيش بلا خوف؟!

يعيشون يا للعجب !

بكل وقاحه ...وبكل دهاء 

يمتصون دماء المحرومين 

يقتاتون على أرغفة الفقراء 

يحترفون العهر 

دون حياء 

في وطني 

فاضت عين المظلومين 

بجرائمكم يا ...ساستنا يا وجهاء

في وطني 

تصب الغيمة فيروسا يرعبنا

 بدل أن يهمي الماء 

والأرض في وطني

 تنبت بدل الزهر  وباء

في وطني 

 النجمة صارت نارا 

وسنابلنا أضحت يا للأحزان ! هباء

الفن في وطني سقط 

من يرفع عنا الأرزاء ؟

والأمة صارت كالغمه

كالغصة في حلق الشرفاء 

تطبيع ،تمييع 

تطبيل ،تجويع 

وفي خير الحالات فراق دون توديع

 في وطني العربي 

أنت تحتار ...و تختار 

إما الموت على المبدإ

أو أنت تضيع 

هذا يفوق الوصف ، فظيع ..

ليس أمامك  إلا سياسي دون أخلاق ...

إما تتبعه أوفليثقلك الإملاق 

يا وطني ثر

في وجه السارق والمارق   

أضنانا الضر وفاضت دنيانا رياء 

العالم يمشي نحو الآفاق 

وشباب بلادي

 الى كل أنواع الموت يساق


تستهل الشاعرة قصيدها بجناس بلاغي يتسم بالرنين الصوتي والتناغم الايقاعي : وزنا ، وتقفية ؛ عملت هذا لاذابة الحدود مابين القارىء والنص ، والظفر بالتفاعل العاطفي وتأجيج الحس الوطني للقارىء . انشدت هذه الالفاظ من ثغر اشجاه الفاجرين ؛ صالوا ، جالوا .. نهبوا ، دنسوا  وزرعوا السقم في عيون الفقراء .. يقولون ما لا يفعلون ، جفت ضمائرهم وساقتهم اهوائم وفق ما يشاؤون ، ركبوا الموج ، وتسلقوا ظهور اضناها الزمن والانتظار والوعيد المختال ؛ هذه كلها تعبر عن البعد النفسي والنوح على اطلال وطن مسروق . تستخدم الشاعرة الترادف اللفظي لمغازلة احاسيس القارىء والكشف عن المستور ، وما ينطق به قاموسهم من زيف ، زور ، نعيق ؛ كلها تحمل دلالة الوهم ، الابتداع ، الارذال والموت بحق وطن منهوب ومنكوب عند وضح النهار وغربة الديار . تكرر الشاعرة عبارة _ يعيش في وطني_ للتوكيد على فكرة النص الشعري ؛ وربط الصور الشعرية بما لحق بها وسيلحق من اجل الحفاظ على البناء النسقي للقصيدة ، فضلا عن ايقاظ من كان يعيش سباته ويظلله المارقون ، يخيفون ويرعبون الفقراء . تعتمد الشاعرة اداة التعجب_!_كدلالة لسطوة الاندهاش والاستغراب لما جرى ويجري لشعب ارهبه الخوف . يمتصون دماء الفقراء بكل سفاهة ، ومكر ، ويقتاتون على خبز الفقراء انهم عثة السياسة . تخلت الشاعرة عن  مساحة تخللت النص ليتفاعل معها المتلقي ويملؤها . يتغنون بالاباحية دون خجل ؛ انهم بلا ضمائر تحرك وجدانهم . ارادت الشاعرة ان تكشف الزيف ولعبة السياسة للمحرومين ، وترسم خارطة وطن بلمسة الثائرين ، وتعيد الجرف لشاطئه ، ويعود النورس يغازل الموج المتلألأ من انعكاس خيوط الشمس المشرقة وينساب الموج كسلم موسيقي يعزف عليه الولهان والثغر الظمآن . غصت ضمائرهم وفاضت جرائمهم ؛ تعود الشاعرة وتستخدم النداء _يا _  للساسة ، وتترك مساحة بيضاء للمتلقي يتغنى بها وفق احاسسه وعواطفه الوطنية. تستخدم الغيمة تعبير مجازي ؛ تصب عيونكم فيروسا يرعب بدلا من ان يروي الارض بدمع لايكفكف . تبكي الشاعرة على وطن سكنه نعيق الغربان عند طلوع الفجر . جعلت الثنائية التضادية بين _ الزهر والوباء _ بين حياة وموت ،  محركا ديناميكيا للنص الشعري . اعطت القصيدة تحولات مادية ما بين النجمة والسنبلة ، مابين الضياء ورمق العيش ، وتحويلهما الى نار ورماد _ غبار . استخدمت النداء التعجبي للدلالة عن الحزن والحسرة . اشارت الشاعرة الى سقوط الفن ، رمز الحضارة ، الثقافة  والبناء الذهني في رسم صورة الوطن ؛ استبدلوا الوجود _ الفن _  بالجهل . ارتحلت الشاعرة من التعجب الى الاستفهام والسؤال عن من يرفع الاستخفاف عن الفقراء . استخدمت الجناس اللفظي مردوفا بكاف التشبيه ، من اجل ولادة دلالة جديدة ترمز الى ما اصاب الامة من مصائب ، فضلا عن زيادة الافق الموسيقي للنص الشعري ، والتأكيد على فكرة النص . تتخذ من الترادف اللفظي وحسن التقسيم والتوازن دلالات رمزية تشير الى واقع الحال ، فضلا عن الرنين الصوتي اللفظي  للكلمات . تكثر من توظيف الفعل المضارع من اجل ادامة هيكل النص الشعري واستمرار  توالي الصور الشعرية. استخدمت الشاعرة لفظتين مختلفتين في الشكل وتتقارب في المعنى _ الفراق والتوديع _ ما بين النهاية واللقاء ، كي تعطي ايقاع لفظي للجملة الشعرية ، وتترك للقارىء ما يرى في اختياره من النص . تعاود الشاعره في اختيارها للجناس الخطي والمصحف من اجل اظهار القيمة الجمالية لهذا التناغم اللفظي ، والعمل على ترطيب ذهنية القارىء ، ومنحه فرصة الاختيار بين الموت والضياع . تنوع الشاعرة في توظيف ادوات الاختيار التي تحمل دلالة الشك والتخيير ، كي تعطي نغمات لفظية للنسق الشعري ، اضافة الى التقفية التي اضفت الاسترخاء الحسي لقراءة القارىء. تخاطب الشاعرة القارىء ،،ليس امامك الا السياسي،، المجرد من الضمير ، فاما تتبعه او  يثقلك الفقر . تعاود الشاعرة استخدام النداء للتنبيه ؛ فتناولت الخطاب العام وتنادي بالثورة ، والتحول من_ الانا_ الى _نحن _ باستخدامها الضمير المتكلم _نا_ من اجل شحذ الهمم والوقوف بوجة السياسي السارق المارق . تستخدم التوازن اللفظي في بعض الالفاظ للحفاظ على التوازن الايقاعي الموسيقي  للنص الشعري . تلمح الشاعرة الى طفح الكيل ضرا وفيض الدنيا رياءا ؛ فمن خلال ذلك عملت الى اثارة ما كان سابتا وهاربا من الخوف ، واشهار الدعوة الى التغيير ، لانقاذ الوطن من الطوفان . تشير الشاعرة من خلال الترادف اللفظي ما بين _يمشي ، يساق _ الى وجود صورتين : السير نحو الآفاق _ العالم _ وشباب بلادها يساقون نحو الموت : اي استخدامها الثنائية : الحياة _للعالم _ والموت _ لبلادها . هذه الثنائية تعزز من قيمة فكرة القصيدة ، وتضع القارىء والسامع على جادة الصواب . عبرت القصيدة عن صراعات ذاتية باحت بها لتظهر المستور وتوقظ الانسان المقهور والمسلوب ، وكشف الحقيقة امام الوهم المصنوع سياسيا .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق