الجمعة، 16 سبتمبر 2022

 حافظة الشعر العربي بقلم الأديب عبد الكريم احمد الزيدي

 حافظة الشعر العربي

.........................................

ولدت الفنون مع خليقة الإنسان ووجوده فكانت الرسوم والنحت والكتابة اول صورها ، ثم جاءت الموسيقى والغناء التي تلتها ملبية لحاجة الروح الإنسانية مع بداية تعلم الإنسان اللغة والتخاطب مع افراد جنسه من البشر .


ولا نكاد نرى حضارة في تاريخ البشرية منذ قدمها الا وكانت هذه الفنون صورا ومعاني لوجودها وبناءها وان غابت عنا فنونًا لم تستطع هذه الحضارات توثيقها وحفاظها مثل الرسم والنحت والخطوط والكتابة التي بقيت ما بقت الحياة على الأرض .


ولا يعرف تاريخًا قاطعًا لولادة الأدب العربي وفنون الخطابة والشعر وتوثيقه الا في عصور متاخرة حين تناقلت الالسن شيئا من تاريخها ووثقت مخطوطة لابرز واهم أصحابها ، كما جاءنا في مخطوطات المعلقات شعرا اختلف في عددها بين سبع وعشر لفحول الشعراء الذين أجادوا الخطابة وحسن الحديث وربما لمآثر أخرى فيهم فضلتهم عمن سواهم كالإمارة والملك وفصل الكلام والوجاهة والشجاعة والنسب وغيرها ، فيما غابت عنا مآثر غيرهم وفصاحة خطبائهم الذين غيبتهم الحياة دون ان يذكرهم لنا التاريخ .


ان هذه المقدمة المتواضعة اردتها مدخلا للحديث عن الأدب فحسب والشعر العربي بالذات ، لاهمية هذا الفن الذي التبس فيه كثيرًا وخاصة في أيامنا هذه التي غيبته عن شرائح كبيرة من المجتمع مشاغل الحياة وروتينها المعيشي وضيق الوقت وابتعاد الناس كثيرا الى برامج الترفيه ومباهج الزينة وصور الحياة المتجددة في استغلال فراغ وقتها الى سواه من الامور .


لقد وجد الشعر العربي مع باقي الآداب تعبيرًا عن ذات النفس ومعتركها في الحياة ، ولم يكن لغاية مادية او شهرة ووجاهة فردية ، وأخذت صورًا جمالية معبرة عن الفطرة السليمة وبلاغة لغتها وعظمة تأثيرها التي دعت الالسن لتناقلها الى من سواها حفاظا على أصالتها وتبريرا لائقًا بأحقيتها وتوثيقها للغير .


والأدب العربي الأصيل الذي تفرد في خصائصه عن سواه من اداب الخليقة ، هو الآخر مثله وباقي الفنون تأثر بتطور حياة الإنسان وحاجته ليتكيف بشفافية وصورة تجدده ليحاكي العصر والوقت وينفر عن قالب الجمود والركود ، فالمتابع لحركة وانتقال مناخ وأطوار حضارة العصور التي تلت الحقبة الأولى لولادتها يستطيع ان يميز انتقال صور الأدب ولغته وحتى بناءه تماشيًا طبيعيًا كلما مر به الزمن .


ولكي ادخل مباشرة في موضوع حديثنا ، كان لابد من هذه المقدمة البسيطة لأجد بابا نستطيع الولوج من خلاله ونضع بين ايدي الجميع حقيقة جانبها ورفضها كثير من أدبائنا وتمسك بقالب الشكل واللون الذي اصبح لا يخدم واقعنا وحياتنا بحجة المحافظة على الأصل وضرورة استمرارية الوليد بصناعة أبيه واتقان حرفته .


تلك الحجة التي دفعت بكثير من الأدباء والفنانين وسواهم ان يبتدعوا سبلا وطرائق في الكتابة والصيغ اضاعت لهذا السبب الكثير من جمال وعذوبة وطراوة الأصل الذي كان بالإمكان تطويعه وتشذيبه ما أمكن ليظل محافظا على الصورة واللون والشكل ويقاوم بتهذيبه كل محاولات هدمه واستنساخ هجين بعيد تمام البعد عن الأصل والبنية .


ولهذا السبب ولغيره  ،  وجدت من المفيد ان اتعرض للشعر العربي منذ بداياته وولادته كما وصلنا وان استعرض في حلقات موجزة البيئة والظروف التي انتقل فيها من ولادته الى وقتنا الحالي مرورا بكل عصور تطوره ومناخات تغيير بناءه بما ينسجم ويتلائم والحياة الاجتماعية لمعاصريه وما طرأ عليه من تهذيب وتشذيب لمفردات كتابته وتقربه الى لغة ومفهوم كل فترة زمنية وحركة انتقالاته مع متطلبات كل فترة يمر بها ، وما يتأثر به من اختلاط بلهجات ومفردات تتلائم والبيئة التي يوثق فيها اضافة الى ظروف الاجتماع والسياسة والحياة التي يتأثر بها. .


وهنا سأكتفي بهذا القدر من الإسهاب لكي امضي معكم الى متن وختام الموضوع ان شاء الله في منشور اخر .


تقبلوا مني كل آيات الود والامتنان ولنا لقاء متجدد باذن الله تعالى.


.................................................

عبد الكريم احمد الزيدي

العراق / بغداد



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق