الخميس، 8 سبتمبر 2022

 ** مشوار ماذا ؟ .. ** بقلم الأديبة كوثر_بلعابي

 ** مشوار ماذا ؟ .. **


مشوار" الألف ميل".. عبارة تطلق في العادة على رحلة كفاح طويلة و شاقة كُلِّلت بالنجاح أو أنتجت إنجازا يُذكَر فيُشكَر..

لست أرمي الآن إلى الإخبار  عن حكاية رحلتي الشخصية مع الكتابة و موقعها من رحلتي مع الحياة بين زمن و وطن و الوان  أحلام و أحزان.. إنما أودّ فقط الحديث عن رحلة رَهَقٍ متعدّد الأوْجُهِ أطول من دهر و فترة حرب عشتها يوم الأربعاء 7 سبتمبر 2022.. لم أفكّر قبلًا في مسألة الإصدار و النّشر إلى أن انتابني شعور ما بعد سنّ الخمسين بأنّ العمر أصبح خلفنا و لم يعد أمامنا و أن ما نكتبه نظلم أنفسنا و نظلمه إذا تركناه قيد الأدراج فجاء قرار الإصدار لمجموعتي الشعرية : من جرحها تزهر... على نفقتي الخاصّة و التي رأت النور في سبتمبر 2021.. و قد أهديت نصف الكمية المسحوبة منها إلى الأصدقاء و الأقارب و بعض مكتبات المعاهد الثانوية و المدارس الإعدادية و ظلت الكمية الباقية تنتظر مصيرها  لكوني لا أجيد التّسويق للكتب و خاصة في زمن العزوف عن الكتاب.. انتظرت سنة كاملة حتى فتحت وزارة الثقافة أخيرا مجال دعم الكتاب خلال دورة 2021_2022 عن طريق لجنة الشراءات و شرعت  في جمع المستندات لتقديم طلب دعم كتابي.. و بدأت الرحلة المُضنية بين دار النشر و المكتبة الوطنية و الإدارة العامة للمطالعة و الكتاب في يوم قائض لا عهد لي بمثل حرارته خلال مفتتح سبتمبر و كأنّ الصيف يعتلق بنا و يرفض تسليمنا للخريف.. مقرات إدارية متباعدة رغم انتمائها إلى ذات الوزارة و اضطلاعها بذات المهمات و الخدمات.. موظفون حريصون على التّعالي بممارسة البيرقراطية الزائدة  على الأدباء و إن كان معاونوهم يشعرون بتعبك و يحاولون مساعدتك في حدود المتاح لهم.. و عندما تصل إلى المرحلة الأخيرة يرفض الملفّ لأن هناك مستند تفاصيله منصوص عليها في العقد و موثقة على غلاف الكتاب  فلم تسلمه لك دار النشر التي لم يتمّ التنسيق معها و اخطارها بما يخصّها من التّوصيات المتعلقة بمثل هذه التراتيب الإجرائية.. ينضاف إلى هذا مشقّة التنقل في ظرف المواصلات غير متاحة رغم كثرتها حين تنظر إلى الطرق الغاصّة بزمجرتها.. فسيارات الأجرة تكاثف عليها الطلب إلى درجة أن أصبح سائقوها لا يحتفلون بوقوفك على الطريق و إيماءاتك.. و حتى إن تواضعوا فتجدهم يختارون الحرفاء حسب الوجهة و نوع الطريق و يرفضون خدمتك إذا كانت وجهتك لا تروق لهم.. و الحافلات عليك انتظارها ساعة من الزمن لتُقِلّك واقفا في مساحة لا تتجاوز بضع صنتمرات وجهك في إبط أحدهم و كتفك تحت حقيبة آخر.. أما المترو فذاك عالم كامل من المآسي و القضايا الشائكة بدءًا بالروائح المتنوّعة و الأبواب المفتوحة وصولا إلى النظرات التي تفحصك عن قرب فضولا او اشمئزازا أو حتى بحثا عن شيء ثمين لديك يقع قنصه إن سمحت الفرصة.. لذلك كان لزاما عليّ ان أشطب كل مرة التنقل عبر إحدى هذه الوسائل و ان أمشي كامل المسافة الفاصلة بين هذه الإدارة و تلك على قدمين منهكتين تورمتا فقط من طول الانتظار..

هذا جزء من حكاية مشوار الكتابة في وطننا و زمننا لا أجد له إسما أو وصفا.. مِن كَبَدٌ الإنشاء و التّدوين و التّدقيق و المراجعة إلى كَبَدٍ التسجيل و حقوق التأليف و الوثائق و و و وبعد ذلك كلّه قد يُقابَل ملفّك بالرفض.. في زمن الانترنت و الرقميات الذي كان يمكن لتطبيقة في منظومة إعلامية بسيطة أن تُيسّر على الإدارة و المؤلِّف كليهما الإنجاز و تغنيهما عن كلّ هذا المشوار بما يشمله من عذاب و إهدار للوقت و تبذير للأوراق خاصة و البلاد تعيش الآن على وقع أزمة  النقص الفادح في الورق و مشاكل توريده.. 

 أ لا يكفينا أنّنا نقتطع مِن دَخلِنا المحدود و من وقت التزاماتنا العائلية و نومنا و راحتنا و من جهدنا و صحّتنا من أجل أن نصدر كتابا فيه ما يُدخِل شيئا من وعي و متعة و بهجة في نفوس الآخرين؟؟ أ لسنا حقيقين بالتشجيع و الدّعم مِن قِبلِ دولتنا بدلا من هذا التّنكيل البيروقراطي الذي يُحبِط العزائم و ينفِّر أصلا من الكتابة و الإصدار؟؟


                     كوثر_بلعابي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق