الثلاثاء، 3 أكتوبر 2023

دراسة تحليلية ،حول قصيدة مرثية الذات ،للشاعر / سامي ناصف من جمهورية مصر العربية. يقدمها لكم الناقد /.. لحجاب ابوجمال.

 باسم الله ..

أسعدني الشاعر الناقد /لحجاب أبو جمال .

بهذه الدارسة المائزة حول قصيدتي (مرثية الذات)

وكم أثمن هذا القلم الصادق الواعي الذي لا يستفزه إلا النص ،الذي يليق بشموخ قلمه،شكرا لمعاليكم..

وإليكم الدراسة.

دراسة تحليلية ،حول قصيدة مرثية الذات ،للشاعر / سامي ناصف من جمهورية مصر العربية.

يقدمها لكم الناقد /.. لحجاب ابوجمال.

الشاعر ومرثية الذات..

.............

الشاعر يرثي ذاته....وهي ذات مثقلة بالهموم والأوجاع....فقد صارت "الذات" تغرق في برك الحزن وضحية انجراف سيل المعاناة حيث لا وسيلة تنفع الشاعر للنجاة غير "نداء الغوث"؟!

لكن اوجاع وهموم الشاعر هنا ليست هموما وأوجاعا تقتصر على الذات الفردية وعلى" أنا" الشاعر فقط...بل هي أوجاع وهموم "الذات" بمفهومها الجمعي أو الجماعي...فقد تكون الذات هنا ذات فئة أو مجتمع أو وطن....إلخ.

والأوجاع كذلك تبدو أنها أوجاع فكر واوجاع مواقف تناهض وترفض واقع" الآن" لذات تشاغب "الآن" في كل تجلياته. وقد عبر الشاعر عن ذلك في مطلع القصيدة بتعبير مجازي فائق البيان:

أوجاع عبر غيوم الرفض

وريح الغض.

إلى: بنداء الغوث.

إن الشاعر يرثي ذاتا معرفة أعلن عنها منذ العنوان: "مرثية الذات".

فهي ذات يعرفها ويعيها....وهي ذات فردية/جماعية معززة بمواقف الرفض لما أصبحت تعيشه من ضيق وضنك يطوق حريتها ويطوي أمل انعتاقها طي النسيان في عالم الصمت. وتجلى ذلك من خلال قول الشاعر بتعبير غاية في الشاعرية:

تشق عباب الليل...

لتخلد تحت صقيع الهم...

القابع طي الأمل الآسن..

بين جدوع الصمت.. 

وتتفاقم لغة الرثاء التي يمزجها الشاعر بلغة التمني والأمل في الإنعتاق والفتح والنصر... نستشفها من خلال دلالات التعابير المجازية

في المقطع التالي:

من صفصاف خريف العمر..

لا شمس تهديني دفئا 

أو نهرا يلهمني فتحا

لربيع..

يرسم لي أيقونة فجر

تمنح راياتي المنهوكة

بالحلم الضائع أطيافا... 

والملح اللاذع...

زيتا في قنديل الصبر.

وفي بداية الجزء الثاني والأخير من النص؛ أو بالأحرى نصف النص بالتمام والكمال...يدعو الشاعر نفسه"يا نفْسي".مستعملا أسلوب النداء بحرف نداء "يا".وهو حرف نداء يستعمل لنداء القريب والبعيد معا؟! وهنا نطرح سؤالا: هل نفس الشاعر(ذاته) قريبة منه أم هي بعيدة عنه لكي يناديها ويدعوها للإنتباه إليه لمخاطبتها والبوح لها؟!....لكن مهما كان أمر ذلك...فالشاعر دعا نفْسه(ذاته) وجعل منها مخاطَبا للتحدث إليها عن أسرار دواخله وعوالمه النفسية والفكرية...فحدثها عن: "نَفَسه....نبضه....ليله وعن نجمه"

بأسلوب بلاغي يطابق واقع حال "الذات" وبتعابير دقيقة جدا في التصوير الشعري: 

يا نفْسي نَفَسي..

من رجفات القهر..

ونبضي من فلذات البهر..

وليلي من عتمات..

البحر اللجي..

ونجمي يدرج بين سجوف الصد..

وهنا نلاحظ أن الشاعر بندائه لذاته قد منح النص نفسا وإيقاعا إبداعيا مغايرا: فبعد أن تحدث عن ذاته في الجزء الأول من النص...إنتقل إلى الحديث إليها في مطلع الجزء الثاني منه؛ وهو انتقال ماتع زاد من جمالية النص التركيبية والدلالية. 

وبعد أن نادى الشاعر ذاته وأنهى الحديث إليها ببوح عميق التركيب

والدلالة...ينتقل إلى نداء "نايه": 

"أيا نايي". وحرف النداء "أيا"والمركب من حرفي نداء وهما( أ / يا ) يستعمل لنداء المخاطب البعيد. مما يعني أن "ناي" الشاعر بعيد عنه....والبعد هنا قد يكون بعدا بمسافات معنوية: فمثلا قد يكون شخص قريب منا نعرفه ويعرفنا لكنه في نفس الآن بعيد عنا نظرا لعلاقة الجفاء والإرتباك بيننا وبينه!؟...وهذا ما يصدق على علاقة الشاعر بنايه....فهي علاقة "اللاتوافق". والشاعر دعا الناي لا للشكوى إليه أو البوح إليه أسرارا كما فعل مع نفْسه(ذاته)...بل ليسائله... و ليفاوضه.... وليواجهه.

أيا نايي 

هل تنوي عزف لحون الصبح..

لتصبح سيفا في خاصرة الفرح..

تشاغب وشم الجرح..

بوخز القيح..

فالشاعر هنا يسائل "الناي" كشخص عازف وليس كآلة عزف؟!

وهذا دليل آخر على مهارة الشاعر البلاغية...حيث شخصن الناي كعازف يشاغب صبح الشاعر وأمله وفرحه مما جعله يناديه مرة ثانية"يا نايي" ويأمره بتعبير بلاغي وبليغ و ماتع جدا أن يعلن نهايته كي يقرأ الشاعر نفسه....آيات من أسفار الحب:

يا نايي تشقق..

وابلع نزفك..

خلف جدار الموت..

اجهلني كي أقرأ نفسي

آياتٍ من أسفار الحب.

وبذلك ينتصر الشاعر لذاته المثقلة

بالأوجاع وبالمعاناة النفسية والفكرية لتيشبت بسلاح الحب لتحقيق أمانيه وآماله في غد جديد بشمس تدفئه وبنهر يلهمه فتحا.....

وبذلك يتفوق الشاعر في مرثيته(قصيدته)...فهي مرثية مجددة في غرض الرثاء...مجددة في مسار الشعر الحديث... حيث أتت قوية ببنيتها الإيقاعية الحاضرة في العمق....وقوية في بنيتها المعجمية والتركيبية والأسلوبية...

وقوية في بنيتها الدلالية...وهذا ما جعل منها نصا شعريا يمتلك مقومات البلاغة الماتعة بامتياز. 


وبذلك أكون قد أنهيت قراءتي لهذا المرثية( القصيدة)....أتمنى ان تكون قراءة وفاء وإضافة.

تحية تقدير لشاعرنا وأديبنا سامي ناصف.

وإليكم القصيدة ...

مرثية الذات ..

شعر /سامي ناصف..

........

أوجاعي عبْرَ غيوم الرفض 

وريحِ الغض..

 تّساقط حزنًا يغرقني..

 يجرفني سيلا محموماً..

  بنداء الغوث ..

تشقّ عُبابَ الليل ...

 لتخلد تحت صقيع الهمِّ ... 

القابع طيَّ الأمل الآسنِ..

بين جذوعِ الصمتِ..

ليُفرعَ نزفا ..

من صفصاف خريف العمر..

لا شمس تهديني دفئاً

أو نهر يلهمني فتحا..

لربيعٍ ..

يرسم لي أيقونة فجرْ

تمنح راياتي المنهوكةِ

بالحلم الضائع أطيافا... ً

والملح اللاذعِ… .

زيتاً في قنديل الصبر 


يا نَفْسي نَفَسي ..

من رجفات القهر..

ونبضي من فلذات البهر..

وليلي من عتمات..

البحر اللجي..

ونجمي يدرج بين سجوف الصد..

أيا نايي

هل تنوي عزف لحون الصبح..

لتصبح سيفا في خاصرة الفرح..

تشاغب وشم الجرح..

بوخز القيح..

يا نايي تشقق..

 وابلع عزفك..

وارجمني بصفير البعد..

تقيّأ نزفك ..

خلف جدار الموت..

اجهلني كي اقرأ نفسي..

آياتٍ من أسفارِ الحُب.

شعر /سامي ناصف. 



لم يبق لي غير عطرك الآن..يغمر نرجس القلب بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 لم يبق لي غير عطرك الآن..يغمر نرجس القلب


أشعر أنّ الصّباح رجوع إلى الرّوح..

والياسمين يصرّح فيك

وكلّ الحقول والزهرات

تصدّح تحت جبينك

رائحة الجسد المشتهى 

تفتح باب وجدي

والجسد المزهرية..

                  مازالت به زهرة ساهده

ما من بديل لها في اللغات ولا في الورود

             ولا رقم لها في بساتين الوجد..

غير وعد..تناسل مع الدهر

          حتى صار وعودا

تبارك صبحك أيا هذي الجميلة

أنزع ذاتي في إمرأة مثلك 

وأصبح كالغيم 

          ينهمر على وجه المدينة

تبارك صبحك أيتها الأميرة..

أشعر أنّ الصباح رجوع إليك

مصالحة بين صحو الصباح.. 

وصحوي

وأبقي عطرك

                    في منعطفات الدروب دليلي

وأسأل عنك كلما مرّت رياح الجنوب بحذوي

ياله من زمان مضى بين ألف من السنوات المضيئة

أيا وجْد..

         ما كنت دون وجْد..وما ظلّ في خاطري الآن

إلا نشيج يتصاعد من خلف الشغاف

                كي يكتب على الغيم آية عشق مضى..

إلى جهة المستحيل..

تغيرت أيها الزمن الفوضوي

                        تلاشيت أيها الفرح الضجري 

وأصبح مقعدا للمواجع سطح قلبي

والرأس أثقله الخمر..

ورياح السماوات 

             تمسح دمعتي بالغسيل

لم يبق لي غير عطرك الآن..

يغمر نرجس القلب

لم يبق لي غير أوردة مزخرفة بالليل..

لم يبق غير قلب 

                 يغتسل بالوهم والدّمع

ويسرج أوردته للرحيل..   


محمد المحسن 




قصيدة الومضة.. بين الإستسهال والاختزال والتكثيف بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 قصيدة الومضة.. بين الإستسهال والاختزال والتكثيف


 قصيدةُ الومضة وميضُ برق خاطف في فضاء النص الشعري (الكاتب)


"جاء في «لسان العرب» أن الومضة لغةً من وَمَضَ البرقَ وهي قصيدة البيت الواحد، لها تعريفات كثيرة تلتقي كلها في الإيجاز والتكثيف.جرّب كتابتها شعراء وشاعرات نجح بعضهم في كتابتها بتمكن، واعتبرها آخرون مجرد تجربة في كتابة نوع جديد بالنسبة له على الاقل. وبين إتقان اللعبة واستسهالها تبقى قصيدة الومضة عصية على من لم يصل إلى حدود الإبداع الشعري.

وأنا أقول : إن الاختزال والتكثيف والإيجاز هي العناصر الاساسية،إذا ما سلمنا بأنها هي المرتكز الذي تستند إليه قصيدة الومضة،أو الدفقة الواحدة للوصول إلى مغامرة المعنى. 

الفكرة أساسا التي يبدع الشاعر في هندستها ارتجالا أو صنعة،هي جوهر الجملة الشعرية،فتثير السؤال وتبعث على التأمل والتأويل ومن هنا يمكن القول إن قصيدة الومضة كشكل بنائي حديث الظهور نسبيا في الأدب العربي والعالمي،القديم قدم الإنسان منذ عصر الإيماءة والمثل والأحجية مع اختلاف المتن،هذا الشكل يغيب عنه القياس،ولا نجد بنية تركيبية واضحة يمكن أن توضع في إطارها لتحديد قوتها أو ضعفها،وبالتالي أتاحت للعديد التعاطي معها بدون أدوات،أو حتى جهد إبداعي يذكر،فالنص المباشر الخالي من الإدهاش،الذي يفتقر للشحنة الدافقة التي تصنع طاقة الخلق والإبداع،يدفع بصاحبه الى المجاهرة بسهولة طرح المعنى وتقديمه خاليا من أي جماليات،بالاعتماد على المفردة المستهلكة والتوظيف المباشر، وكأنه ينقل صورة سلبية عن محيط يضج بالحيوات والكائنات.

أما الشاعر فيختزل الموقف والمفردة والشعور،فتأتي القصيدة دفقة شعور واحــــدة تختصر ملاحم ومعلقات،وتعطي المعنى بعدا مغايرا،وتمنح الصورة روحا وتهب المتلقي تنهيدة الخلاص.

في ذات السياق تقول الشاعرة التونسية السامقة نعيمة مناعي مستدلة عن هذا اللون من الشعر بومضة شعرية موغلة في الإبداع : "يمكن أن نسميها قصيدة التكثيف،أو المركب الصعب،هي أسهل ما تكون كتابة وأصعب ما تكون ملامسة لجوهر التكثيف الشعري.يعدها البعض سهلة بسيطة،ويراها آخرون صعبة،بل لتكاد تكون معجزة. الكثيرون يكتبونها،ولكن القليلين من يلامسون جوهرها النقي،الذي يصح أن نقول عنه إنه ومضة شعرية،لأن مصادر الجمال الفني في هذا النوع الأدبي ينبع بالدرجة الأولى من جدة الموضوع والقدرة الإيحائية والصدمة المتولدة عبر تشكيل الثورة الفنية المصاحبة،وكل ذلك منسكب بأسلوب لا يلامس المباشر،ولا يماشي المعتاد،لذا لم نشهد أديبا متمايزا في هذا النوع الأدبي،فقصيدة الومضة فخ بالدرجة الأولى لمن يقف شعره وكتاباته عليها،ومع ذلك ما زال الشك قائما إن كان هذا النوع من الكتابة يمثل الشعر،أم انه يدور في فلك آخر."

"أما اليوم فهو لي 

أساطير قلبي الغائمة 

أبجدية روحي الحالمة 

دفق الكلمات المحبوس في الأعماق 

صهوة الجواد المحتل 

عبث الريح بصفحات الكتاب 

تشابك  الكلمات 

هذا اليوم لي 

(نعيمة مناعي)

ويقول الشاعر التونسي الكبير د. طاهر مشي : " تضيق سبل التعبير عند الشعراء أحياناً،ومع المتغير الحياتي بفعل التحولات الكبرى التي يعيشها الإنسان تتغير الأساليب،ومع تعدد أنماط الكتابة الإبداعية تتعدد سبل القراءة والتلقي أيضاً،والشعر كفنٍّ قديم، جدير بتقبل التغييرات هذه، لذا يبحث الشاعر عن حريته وآلية جديدة في إيصاله لمادته،عبر أكثر من شكل إبداعي ونتعقب بوضوح ما طرأ من تحول على شكل القصيدة العربية منذ امرئ القيس والعصر الجاهلي إلى بدر شاكر السياب وأدونيس وسعدي يوسف،حتى آخر شاعر شاب يكتب الشعر اليوم. 

بدأت محاولات التغيير في شكل القصيدة العربية الحديثة قبل أكثر من ستين عاماً،في لبنان خاصة،ويمكننا اتخاذ جماعة أبولو أو مجلة «شعر» مرجعاً واضحاً في ذلك،وبفعل ترجمة الشعر من ثقافات أوروبية وغيرها إلى العربية صرنا نعثر على تجارب كتابية جديدة،ولعل (الهايكو)،المنقول عن اليابانية،من أوضح ما يمكن اعتماده في ما نعرفه عن قصيدة الومضة اليوم. شخصياً لا أعتمد الفكرة القائلة بوجود مرجعيات شعرية عربية لها،إذ أن الشعر العربي يعتمد القصيدة أولاً،ولا يعتمد البيت أو المقطع،بل يعيب على الشاعر إذا جاء ببيت واحد،وإن كان فريداً في فكرته،لذا أرجح أن قصيدة الومضة هي نتاج اتصال الشاعر العربي بما قرأه مترجماً من أشعار مكتوبة بلغات غير عربية.قد تكون الذائقة القرائية عند البعض اليوم ميّالة الى هذا النمط من الشعر،وهي بكل تأكيد تنسجم مع معطيات العصر السريعة في كل شيء بفعل اتصالنا السريع بما يحيطنا،وهي استجابة لا تنفك عراها مع استجابات أخرى كثيرة في الرواية والموسيقى والأغنية،وربما وجدت من يجيد كتابتها من الشعراء،وباتت من نسيج تجربة البعض منهم، لكنني،ولكني أجد أن القارئ العربي ما زال راغباً في قراءة النمط التقليدي الشائع اليوم،معنى أن القصيدة الطويلة نسبياً هي الأقرب لروحه، والقادرة على إمتاعه وتلبية حاجاته.نعم، أحبُّ قراءة ما يكتبه البعض،مما يترجم من قصائد الومضة،لكنني،وبحدود ما أعرف لم أجد شاعراً عربياً تمكن من تأشير تجربته فيها،كواحد من الشعراء الكبار القادرين على جذب القارئ العربي لمنطقته هذه."

وفي الأخير تضيف الشاعرة والكاتبة التونسية الفذة د-آمال بوحرب قائلة:"ومازال السؤال مستمرا رغم اختلاف الرؤى الشعرية بين الشعراء،إلا أن اللحظة الشعرية تجمعهم بهاجسها المشترك،هذه اللحظة المفتوحة والمشرعة على العالم،تضيف أحياناً الجديد للمشهد الشعري،وترسم أبجدية إبداعية تزيح الاحتباس الإبداعي وتنتشله من تحت ركام الارتهان والتقييد،ليكون الشعر لكل الناس في ومضة تشكل (هواءهم وماءهم وعصير همومهم اليومي). شعر يتنفسه الجميع وأعتقد لن يكون هناك تعريف واضح وجلي لمفهوم الشعر ليستمر معنا السؤال بين الحداثة والتقليد،إن المعاني اللفظية وحدها لا تحدد قيمة النص الشعري بل تقاسمها في ذلك الصورة الشعرية،باعتبار أن المعنى اللفظي يحمل فكرة موضوع النص الشعري،أما الصورة فتأتي مرئية ممزوجة وقسيمة للمحتوى،والمفاضلة بينهما ليست فنية،لذلك تتأكد قيمة الصورة الشعرية في قصيدة الومضة كنوع من الاختزال الرائع.

هذا التوافق أكد بوضوح عمق التجربة الشعرية التي يتمتع بها بعضهم وقدرتهم في الجمع بين كثافة اللغة والصورة والتقاط المشاهد اليومية بفلاش أو ومضة بعمق الدلالة ومنتهى التوافق"

"قل لي بربك

كيف تركتني غارقة في حبك للنخاع

أرتب حروف الأبجدية

أبحث عنك بين نور القمر وكل شعاع

أخوض غمار البعد في بحر هواك دون شراع

ومجدافي منكسر وسفينتي دون قلاع"

(د-آمال بوحرب)

أما أنا فأختم بالقول:

يعني الحديث عن الومضة،أو التوقيعة حديثاً عن النزعة البلاغية الشعرية،وعن تقنية الانزياح، والإيحاء،والتكثيف اللوني،واستنطاق رموز الطبيعة وصورها.

وقد جنح الشعر العربي الحديث نحو القصيدة القصيرة،ونحو التكثيف والتركيز.فقد غدت القصيدة تعبيراً عن لحظة انفعالية محددة، وأضحت هذه القصيدة شديدة الشبه بفن التوقيع؛ لتكثيفها،وإيجازها.

ولعل أهم أسباب الانتقال إلى القصيدة الومضة أو التوقيعة انتقال الشعر من المباشرة والخطابية إلى الإيحاء،أو الانتقال من الشعر الذي يُلقى أمام متلقين في مهرجانات شعرية لغاية التوعية،والتنوير،إلى الدعوة إلى قصيدة تقرأ في جو خاص. 

وقد شهد عصرنا تواتراً في الأحداث الساخنة التي لم تعد تسمح بنظم القصائد الطوال،الأمر الذي أدى إلى وجود سمة الانفعالية والتعبير المقتضب والموحي.فظهرت قصيدة الومضة وهي ذات مجموعة من التوقيعات النفسية المؤتلفة في صورة كلية واحدة، وهو أمر يعني أن للصورة أهمية استثنائية في قصيدة التوقيعة.

ويتطلب هذا اللون من الشعر المأزوم ذي اللحظة الانفعالية المحددة فطنةً،وذكاءً من الشاعر، ونباهة من المتلقي؛لأن قصيدة التوقيعة تُبنى بناء توقيعياً،أي بناء صورة كلية للقصيدة من خلال صورة واحدة تقدم فكرة،وانطباعاً بتكثيف شديد.

وقد أطلق النقاد مصطلح "التوقيعة" على القصيدة التي تبدو كالوميض،أو البرق الخاطف، وعلى الصورة الشعرية ذات الإشعاع القوي حين تتولد منها إثارة مفاجئة في اللاشعور.

 إنها تُلتقط في لحظة انبهار ضوئي يكشف جزئيات،وحساسيات ذهنية في غاية الحدة قد تكون ناقدة، أو ساخرة تهكمية.

ويرى بعض النقاد أن الشاعر عز الدين المناصرة واضعُ مصطلح التوقيعة في منتصف الستينيات في قصيدته " توقيعات".لكن المتتبع حركةَ الشعر العربي يرى أن د. طه حسين قد كتب في هذا النوع في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي،ونقله إلى العربية نثراً في مقدمة كتابه "جنة الشوك"،ودعا إلى الاهتمام بهذا النوع الأدبي،والإضافة إليه؛كونه يحتاج إلى قدر كبير من المعاناة،والتكثيف البلاغي،والمفارقة التي تعدّ روح التوقيعة أو الأبيجراما-على حد تعبير كولردج -.

أخيراً: قصيدةُ الومضة وميضُ برق خاطف في فضاء النص الشعري؛ لأنها تُلتقط في لحظة انبهار ضوئي يكشف جزئيات وحساسيات ذهنية في غاية الحدة. إنها لقطات سريعة مفاجئة يلتقطها خيال المبدع من مشاهدات الواقع بعد أن يشكلها فنياً وفق رؤيته ورؤياه،فتأتي حافلة بالغرابة،والدهشة،والإمتاع،والطرافة،والمفارقة.


محمد المحسن 






الاثنين، 2 أكتوبر 2023

بُعِثتُ منَ الرَّماد بقلم الشاعر محمد جعيجع

 بُعِثتُ منَ الرَّماد

..........................
1. ذَكرتُ خَنا فِرَنسا في البِلادِ ...
وما فَعَلَتهُ فَتكًا بالعِبادِ
2. فَضَجَّ القلبُ في صَدري بغَيظٍ ...
وثارَ الجُرحُ يُدمي بالفُؤادِ
3. وصارَ الغَيظُ يَجري في عُروقي ...
يُسارِعُ في الخُطى خَطوَ الجِيادِ
4. ومن عَرَقٍ تَصَبَّبَ في جَبيني ...
دَمٌ قَرٌّ وحَرٌّ في العِنادِ
5. ووَخزُ الشَّوكِ أسلاكٌ بجِسمي...
ومِجلادٌ يُداوي بالضِّمادِ
6. ودِيني مُستَباحٌ قَبلَ عِرضي ...
ومالي في الحَواضِرِ والبَوادي
7. ونَهبُ الرِّيعِ من قَمحٍ وزَيتٍ ...
ومَعدِنِ ثَروَةٍ وِرثِ التِّلادِ
8. وطَمسُ هَوِيَّتي تَبشيرُ يَسعى ...
إلى جِذرى وفَرعي بالفَسادِ
9. فنارُ الحِقدِ تأكُلُ كُلَّ شَيءٍ ...
خُضارًا.. يابِسًا بعدَ الجَمادِ
10. إذا أخَذَ القُمَيحَ بَنو فِرَنسا ...
يَرُدُّهُ بالقَبيحِ بَنو زِيادِ
11. ويَومًا ما يُرَدُّ الدَّينُ حَصرًا ...
لها والدَّينُ يَزهو بالسَّدادِ
12. فَرَدُّ الدَّينِ حَقٌّ فيه قِسطٌ ...
وسَيفُ الحَقِّ يَعلو بالجِهادِ
13. ورَدُّ الكَيلِ مِكيالٌ بمِثلٍ ...
وصَوتُ الحَربِ يَحمو بالتَّنادي
14. جَزاءُ الفِعلِ فِعلٌ مِثلُهُ من ...
صَلوحٍ أو طَلوحٍ ، من مُعادِي
15. وكان الخَدُّ أحمَرَ مِثلَ وَردٍ ...
وصارَ الوَجهُ أصفَرَ في حِدادِ
16. فَخَيرُ الزَرعِ مِسكٌ بطيبٍ ...
وخَيرُ الجَنيِّ في يَومِ الحَصادِ
17. ولم تَحفَظ فِرَنسا ماءَ وَجهٍ ...
وصاحَبَتِ الفَسادَ في البِلادِ
18. بتَقديمِ اعتِذارٍ عن مُكوثٍ ...
بجُرمٍ للجَزائِرِ في وِدادِ
19. فيا "ديغولُ" لا تَهنَأ براحٍ ...
ولا تُشبِع جُفونَكَ بالرُّقادِ
20. عَدَوتَ على الجَزائِرِ باحتِلالٍ ...
لها حَظٌّ مُضَرَّجُ بالسَّوادِ
21. وقُرآنٌ سَقى الوِجدانَ نورًا ...
وصَخرٌ شَدَّ أزرَ ذَوي الزِّنادِ
22. فَزادَ القَلبَ إيمانًا وصَبرًا ...
وفُرقانٌ هَداهُ إلى الرَّشادِ
23. ونارُ الظُّلمِ تَسري في هَشيمي ...
ولَفحُ لَهيبِها في كلِّ وادي
24. وبعدَ الحَرقِ حَرقي من جَديدٍ ...
وَقَفتُ وقد بُعِثتُ منَ الرَّمادِ
25. ومن حُلمي وفي فَزَعٍ لِساني ...
يُرَدِّدُ : حَيَّ.. حَيَّ على الجِهادِ
.............................
محمد جعيجع من الجزائر. 2023/09/30
Peut être une illustration de texte

مملكتي الخاصة بقلم الأديبة زينب بوتوتة الجزائر

 مملكتي الخاصة

مملكتي الخاصة
هي أنا وبعض أشيائي
هي ورود وقط
وصوت لأغنية أتغناها
بكلماتي وألحاني
تطرب كياني وأرجائي
وتنثر العطر كالنجوم في سمائي
تغازل عبق تاريخي المتعب
ليرفع الستار لإمرأة
وضعت حدودها كالدول
ورسمت خارطة وجودها
بدقة متناهية
كوطن غير قابل للمساومة
الأديبة زينب بوتوتة الجزائر
Peut être une image de ‎1 personne, sourire et ‎texte qui dit ’‎زینب بوتوتة‎’‎‎

قصيدة .....غفوة جرح بقلم المهندس محسن الجشي

 قصيدة .....غفوة جرح

.......كنت
أسافر باحلام قلبي فوق الغيوم
أنسج من ضوء الشمس خيوطا
من حرير
أحيك لها ثوبا
واجمع الندى اصنع لها عطرا
وأجدل حروف القوافي لها برقا
تضيء لها الكون ليلا
وشعري لها مقفى ومنثور
كانت فوقه نجمه في فلكه تدور
كانت هي القصيدة
وكانت في ابياتها اميرة
نجمة ما كانت مثل النجوم
لها قمر حولها يدور
بنيت لها فيه قصور
وكل الكواكب تحسدها
وكانوا ضيوفا لها تزور
ذاك الهوى مني
ومضى الهوى منها شهور
لكن الريح اشتدّت
واوصال الهوى تقطّعت
ولبست ثوب الغرور
هاجرت بعيدا تركتني في الليل
وحيدا في الحيرة أدور
وسكتت كل البلابل عن الشدو
وصمتت كل الطيور
والهموم تراكمت كالغيوم
ماانطفأ لهيب الهوى
والقلب ألوم
أحلام قلبي في الغيوم
تلاشت وللذكرى كانت
آه من ذاك الحب
كيف يبقى الحب بالنوى
وكيف يحيا بالهجر الهوى
إعترى كلماتها الشلل
وطقسها لم يعتدل
وقد صار الفراق هوى جديدا
متصل
لم اسمع صوتها ولم تشق دربا للرجوع
أرسلت لها القصائد وفدا
لعلها تكون أمل
فما أدري سلت أم أهملت
تشابه الفعل
ورغم حزني لا يعتريني بها خجل
فليس الحب يرتجل
غفا جرحي فأرّقني
بماذا قد غفا أمل
وأنبت قلبي
ماكان ذاك العشق فيه يكتمل
لكني عرفت انه خلل
وانتهى له الاجل
بقلم المهندس محسن الجشي

--- الزير القوافي--- بقلم الشاعر عزاوي مصطفى

 --- الزير القوافي---

وَثِقْتُ بِأَقْلامي فَخَانَني الْحِبْرُ
حِلْفٌ تَمَزَّقَ وَانْتَهَى الْأَمْرُ
كُلّ الْقَوَافِي عَلَى الأَعْتابِ وَاقِفَةٌ
وَاللَّيْلُ أَقْبَلَ وَانْتَفَى الْبَدْرُ
مِنْ طَبْعِكَ الْقَوْلُ "هَلَا" فَاكْرِمْ وِفادَتَها
كُلُّ الْمَضَارِبِ تَثْغُو فَمَا الْعُذْرُ
أَنْجَبَتْ كَلِماتي مِن حَرْفِهَا نَسَقًا
وَ لِزيرِ الْقَوَافِي الْخَتْمُ وَالشُّكْرُ
كَذَا الْأَرْضُ دُونَكَ مِنْ وَرْدٍ وَمِنْ حِنَطٍ
وَالْوَرْدُ وَحْدَهُ مَنْ يَعْشَقُ الْعُمْرُ
وَثِقْتُ بأقلامي كَالزِّنادِ عَاكَسَني
فَلَا غَازٍ رَدَدْتُ بِحَرْفٍ وَلَا النَّصْرُ
عزاوي مصطفى

مرارة المشهد بقلم الكاتب ــ فريد سلمان محمود الصفدي

 مرارة المشهد

وفي ذاتِ مساءٍ كانَ القَمَرُ مُحاقاً واللَيلُ مُبكِرٌ في القُدومِ، أعتَدتُ السَهرَ وحيداً أُشاهِدُ بَعضَ مَقاطِعِ الذِّكرَياتِ الأشَّدُ بُلوغَةً من شُرفَةِ خَيالي، لَحظَةُ ألَمٍ لغَيمَةٍ ثَقيلَةِ المَشهَدِ مرَّت على سَريرَتي أمطَرَتْ رَشَفاتُ الرّوحِ بآهاتِ الوداعِ، طِفلٌ ضَعيفٌ لمْ أتجاوزُ السادِسَةَ من العُمرِ مُتَّكِئٌ على جَرَّةِ ماءٍ بجانِبِ بابِ خَشَبٍ قَديم لِغُرفَةٍ مِن حَجَرِ البازِلتِ المُليَسُ بطينَةِ البنتونايتِ المَجبولِ بالكِلسِ الأبيض، أُشاهِدُ بصَمتٍ عَظَمَةِ المَشهَدِ لنِهايَةِ أُمّي الَّتي فارَقتِ الحياةَ، صَرَخَ الطِفلُ بداخِلي باكياً، حِمَمٌ تَفَجَّرت فَقَد كُتِبَ الفِراقُ وما مِن لِقاءٍ ولا مِن عِناقٍ، فَقَدتُ الطَمأنينَةَ بَعدَما كُنتُ أنشُدُ الحَنان، وفي مُحيطِ المَجهولِ أغرَقَتْ دُموعُ الحُزنِ طَوّافَةَ فَرَحِي وبَقيتُ للآنَ مُتَعلِقاً بطَرَفِ عباءةِ الذِّكرى وتِلكَ الصّورةُ المَوشوحَةُ بعُمرِ السنين.
بقلمي ــ فريد سلمان محمود الصفدي
ألأردن ــ الزّرقاء ــ الأزرق الشمالي
السبت ــ 30 ــ 9 ــ 2023م

في قانون العشق بقلم فلاح مرعي

 في قانون العشق

هناك دستور
سنت قوانينه بكل
عناية من يعمل به
يجب أن يكون على
علم به ودراية
النظرة بنظرة
حديث رسول لرسول
وإن يكون صاحب خبرة
ودرايه
والإبتسامة بإبتسامة
والنبضة بنبضة
والخفقة تتبعها خفقة
حبيب يشعر بنبض حبيبب
قانون عشق متوارث
أوله
تلويحة بيد
وخجل يتورد منه الخد
وابتسامة مرسومة على الشفاه
خجولة
وهمس بالكاد مسموع
وموعد مكتوب على
قصاصة ورق يحدد
الوقت والموعد والعنوان
هكذا هو قانون العشق
أوله معاملة برفق
ومشاعر فيها صدق
وكلام حلو معسول
وقسم بإن للحب يصون
مسكين ذاك العاشق
بحبيه مفتون يعشقه
حتى الجنون
لم يعلم ما عاقبة الحب
لتمنى ما كان أن لا يكون
فلاح مرعي
فلسطين

قصيدة : حبك في القلب ساكن للشاعر منير صخيري تونس

 .......حبك

في القلب ساكن ...
أعتقد أني أحبك
أعتقد اني مغرم بك
أعتقد أنني مجنون بهواك
أعتقد..أعتقد..حبك فى القلب ساكن
حبك صعب نزعه من قفص صدري
حبك عالمي وجنوني
حبك رحلة قدري وظنوني
أعتقد أني كالغريق فى اليم
يبحث عن بقايا حبل النجاة
كي يخرج من هذا العذاب والغرق
لكني برغم العذاب والشوق والحنين
أهوى كل طرق تعذيبك لي
لأن حبك فى القلب ساكن
طول العمر فانت قدري
أنت روح الفؤاد المعذب بهواك
حبك فى القلب ساكن
لا يعترف بطول المسافات
لا بالحدود ولا بأرقام الأعمار
بل هو نعمة من الأقدار
ليسعد قلوبنا بأحلى وأجمل وأروع الهديا
نعمة الحب الساكن فى الأعماق
قصيدة : حبك في القلب ساكن
الشاعر منير صخيري تونس
الاثنين 02 اكتوبر 2023
Peut être une image de ‎texte qui dit ’‎حتَك في القلب ساكن الشاعر منير صخيري‎’‎