الثلاثاء، 3 أكتوبر 2023

دراسة تحليلية ،حول قصيدة مرثية الذات ،للشاعر / سامي ناصف من جمهورية مصر العربية. يقدمها لكم الناقد /.. لحجاب ابوجمال.

 باسم الله ..

أسعدني الشاعر الناقد /لحجاب أبو جمال .

بهذه الدارسة المائزة حول قصيدتي (مرثية الذات)

وكم أثمن هذا القلم الصادق الواعي الذي لا يستفزه إلا النص ،الذي يليق بشموخ قلمه،شكرا لمعاليكم..

وإليكم الدراسة.

دراسة تحليلية ،حول قصيدة مرثية الذات ،للشاعر / سامي ناصف من جمهورية مصر العربية.

يقدمها لكم الناقد /.. لحجاب ابوجمال.

الشاعر ومرثية الذات..

.............

الشاعر يرثي ذاته....وهي ذات مثقلة بالهموم والأوجاع....فقد صارت "الذات" تغرق في برك الحزن وضحية انجراف سيل المعاناة حيث لا وسيلة تنفع الشاعر للنجاة غير "نداء الغوث"؟!

لكن اوجاع وهموم الشاعر هنا ليست هموما وأوجاعا تقتصر على الذات الفردية وعلى" أنا" الشاعر فقط...بل هي أوجاع وهموم "الذات" بمفهومها الجمعي أو الجماعي...فقد تكون الذات هنا ذات فئة أو مجتمع أو وطن....إلخ.

والأوجاع كذلك تبدو أنها أوجاع فكر واوجاع مواقف تناهض وترفض واقع" الآن" لذات تشاغب "الآن" في كل تجلياته. وقد عبر الشاعر عن ذلك في مطلع القصيدة بتعبير مجازي فائق البيان:

أوجاع عبر غيوم الرفض

وريح الغض.

إلى: بنداء الغوث.

إن الشاعر يرثي ذاتا معرفة أعلن عنها منذ العنوان: "مرثية الذات".

فهي ذات يعرفها ويعيها....وهي ذات فردية/جماعية معززة بمواقف الرفض لما أصبحت تعيشه من ضيق وضنك يطوق حريتها ويطوي أمل انعتاقها طي النسيان في عالم الصمت. وتجلى ذلك من خلال قول الشاعر بتعبير غاية في الشاعرية:

تشق عباب الليل...

لتخلد تحت صقيع الهم...

القابع طي الأمل الآسن..

بين جدوع الصمت.. 

وتتفاقم لغة الرثاء التي يمزجها الشاعر بلغة التمني والأمل في الإنعتاق والفتح والنصر... نستشفها من خلال دلالات التعابير المجازية

في المقطع التالي:

من صفصاف خريف العمر..

لا شمس تهديني دفئا 

أو نهرا يلهمني فتحا

لربيع..

يرسم لي أيقونة فجر

تمنح راياتي المنهوكة

بالحلم الضائع أطيافا... 

والملح اللاذع...

زيتا في قنديل الصبر.

وفي بداية الجزء الثاني والأخير من النص؛ أو بالأحرى نصف النص بالتمام والكمال...يدعو الشاعر نفسه"يا نفْسي".مستعملا أسلوب النداء بحرف نداء "يا".وهو حرف نداء يستعمل لنداء القريب والبعيد معا؟! وهنا نطرح سؤالا: هل نفس الشاعر(ذاته) قريبة منه أم هي بعيدة عنه لكي يناديها ويدعوها للإنتباه إليه لمخاطبتها والبوح لها؟!....لكن مهما كان أمر ذلك...فالشاعر دعا نفْسه(ذاته) وجعل منها مخاطَبا للتحدث إليها عن أسرار دواخله وعوالمه النفسية والفكرية...فحدثها عن: "نَفَسه....نبضه....ليله وعن نجمه"

بأسلوب بلاغي يطابق واقع حال "الذات" وبتعابير دقيقة جدا في التصوير الشعري: 

يا نفْسي نَفَسي..

من رجفات القهر..

ونبضي من فلذات البهر..

وليلي من عتمات..

البحر اللجي..

ونجمي يدرج بين سجوف الصد..

وهنا نلاحظ أن الشاعر بندائه لذاته قد منح النص نفسا وإيقاعا إبداعيا مغايرا: فبعد أن تحدث عن ذاته في الجزء الأول من النص...إنتقل إلى الحديث إليها في مطلع الجزء الثاني منه؛ وهو انتقال ماتع زاد من جمالية النص التركيبية والدلالية. 

وبعد أن نادى الشاعر ذاته وأنهى الحديث إليها ببوح عميق التركيب

والدلالة...ينتقل إلى نداء "نايه": 

"أيا نايي". وحرف النداء "أيا"والمركب من حرفي نداء وهما( أ / يا ) يستعمل لنداء المخاطب البعيد. مما يعني أن "ناي" الشاعر بعيد عنه....والبعد هنا قد يكون بعدا بمسافات معنوية: فمثلا قد يكون شخص قريب منا نعرفه ويعرفنا لكنه في نفس الآن بعيد عنا نظرا لعلاقة الجفاء والإرتباك بيننا وبينه!؟...وهذا ما يصدق على علاقة الشاعر بنايه....فهي علاقة "اللاتوافق". والشاعر دعا الناي لا للشكوى إليه أو البوح إليه أسرارا كما فعل مع نفْسه(ذاته)...بل ليسائله... و ليفاوضه.... وليواجهه.

أيا نايي 

هل تنوي عزف لحون الصبح..

لتصبح سيفا في خاصرة الفرح..

تشاغب وشم الجرح..

بوخز القيح..

فالشاعر هنا يسائل "الناي" كشخص عازف وليس كآلة عزف؟!

وهذا دليل آخر على مهارة الشاعر البلاغية...حيث شخصن الناي كعازف يشاغب صبح الشاعر وأمله وفرحه مما جعله يناديه مرة ثانية"يا نايي" ويأمره بتعبير بلاغي وبليغ و ماتع جدا أن يعلن نهايته كي يقرأ الشاعر نفسه....آيات من أسفار الحب:

يا نايي تشقق..

وابلع نزفك..

خلف جدار الموت..

اجهلني كي أقرأ نفسي

آياتٍ من أسفار الحب.

وبذلك ينتصر الشاعر لذاته المثقلة

بالأوجاع وبالمعاناة النفسية والفكرية لتيشبت بسلاح الحب لتحقيق أمانيه وآماله في غد جديد بشمس تدفئه وبنهر يلهمه فتحا.....

وبذلك يتفوق الشاعر في مرثيته(قصيدته)...فهي مرثية مجددة في غرض الرثاء...مجددة في مسار الشعر الحديث... حيث أتت قوية ببنيتها الإيقاعية الحاضرة في العمق....وقوية في بنيتها المعجمية والتركيبية والأسلوبية...

وقوية في بنيتها الدلالية...وهذا ما جعل منها نصا شعريا يمتلك مقومات البلاغة الماتعة بامتياز. 


وبذلك أكون قد أنهيت قراءتي لهذا المرثية( القصيدة)....أتمنى ان تكون قراءة وفاء وإضافة.

تحية تقدير لشاعرنا وأديبنا سامي ناصف.

وإليكم القصيدة ...

مرثية الذات ..

شعر /سامي ناصف..

........

أوجاعي عبْرَ غيوم الرفض 

وريحِ الغض..

 تّساقط حزنًا يغرقني..

 يجرفني سيلا محموماً..

  بنداء الغوث ..

تشقّ عُبابَ الليل ...

 لتخلد تحت صقيع الهمِّ ... 

القابع طيَّ الأمل الآسنِ..

بين جذوعِ الصمتِ..

ليُفرعَ نزفا ..

من صفصاف خريف العمر..

لا شمس تهديني دفئاً

أو نهر يلهمني فتحا..

لربيعٍ ..

يرسم لي أيقونة فجرْ

تمنح راياتي المنهوكةِ

بالحلم الضائع أطيافا... ً

والملح اللاذعِ… .

زيتاً في قنديل الصبر 


يا نَفْسي نَفَسي ..

من رجفات القهر..

ونبضي من فلذات البهر..

وليلي من عتمات..

البحر اللجي..

ونجمي يدرج بين سجوف الصد..

أيا نايي

هل تنوي عزف لحون الصبح..

لتصبح سيفا في خاصرة الفرح..

تشاغب وشم الجرح..

بوخز القيح..

يا نايي تشقق..

 وابلع عزفك..

وارجمني بصفير البعد..

تقيّأ نزفك ..

خلف جدار الموت..

اجهلني كي اقرأ نفسي..

آياتٍ من أسفارِ الحُب.

شعر /سامي ناصف. 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق