الخميس، 19 ديسمبر 2024

ورقة خريفية بقلم الأديبة سامية خليفة/ لبنان

 ورقة خريفية 


أنا الورقةُ الخريفيّةُ الصّامدةُ المتمسّكة بيدِ غصنٍ باردٍ أتدثّرُ الألمَ أقتاتُ على غصّاتِ الفراق، فديسمبر أعلن انتصاره على الغصن الجاف، غصن لا بدّ أن يفلتَ يدي قسرا، تلك اليد التي انتهت منها صلاحية الاحتضان! 

أيا نازحًا عن أرضِ الوطنِ، الآن عرفتُ سرّ هذا الشّجنِ الرابضِ فوقَ ملامحِكَ القاسيةِ، الآنَ والصراع بين ديسمبر والغصن أصبح على نهايته، وكان الانتصار حاسما لطبيعة ديسمبر الجافة. اليوم أدركتُ وأنا أتطايرُ هنا وهناكَ تتلقّفُني تارةً الأكمةُ وتغسلُني  طورًا بقعُ المياهِ الموحلةِ، أدركتُ كم هي مريرةٌ مشاعرُ النّبوذِ، فحين تنبذُكَ الأمكنةُ، أنتَ،  يا نازحا من ربيع الجمال، حتما ستسترقُ السّمعَ مثلي لذكرياتٍ غابرةٍ. أنا الآن أقضي على الوحشةِ بالأصداءِ العالقةِ في صيوانِ الأذن، وبالأحاسيس المترسّخة بين معابر الوتين، فبعد كلّ عاصفةٍ ألهثُ فيها بين شهيق وزفير ضياعي، أستلقي على بساطِ خيالٍ يمدّني بشجنٍ من أغاريدِ الحساسين إلى أغاني الثّوار إلى ترنيماتِ متصوّفٍ متعبّدٍ إلى انفلاتاتِ قصائدَ لمجنون ليلى جديد يتناسبُ مع جنون هذا العصر، قصائد  من حاسوبه يسجّلها ويبثُّها ليملأَ بها القفارَ أحلامًا.

أيا أيها المعتكف بصقيع روحك حين تصطكُّ أسنانُكَ بردًا، تدفّأْ على حطبِ الذّكرياتِ فالخريفُ سيولّى، لم تبق إلا بضعة أيام لديسمبر الشامخ ويزول، وستعقبه العواصفُ فاستعدّ لها، أم أنّكَ ما زلتَ مثلي تتعلّقُ بالأملِ رغمَ أنّ القلبَ ينزفُ شوقًا ووحشةً ودمارًا؟!


سامية خليفة/ لبنان



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق