عطر اللقاء | قصة قصيرة جدا
ممسكا بكفه اليمنى المقبض البارد للمقعد أمامه، جلس العجوز، وأنامله المرتعشة تعانق باقة زهور بيضاء، كانت رائحتها تعبق في ذلك المكان من حوله، داخل الحافلة. فيما جلست، بالقرب منه، شابة تسترق النظر إلى الباقة مرارًا، كأنما تستنشق شيئًا من عبقها في صمت...
حين استدار، تقاطعت نظرته مع ذلك البريق الذي لمع في عينيها، موحيا بانجذاب خفي لم تفصح عنه، لكن العجوز شعر به، كما لو كان صوتًا هامسًا يتسلل إلى روحه، وكما لو كان إشراق الوجه اليافع الذي طالعه بوهجه، في تلك اللحظة، قد انسكب في أعماقه، ليعكس نبضات حنين دافق، وذكرى حالمة، ووميض سعادة يسري في عروقه سريان لحن أغنية ينبعث من زمن منسي...
نهض ببطء، لحظة توقف الحافلة، والتفت نحو الفتاة مادّا يده بالباقة وهامسا بصوت دافئ :
"خذيها، كنت قد اشتريتها لزوجتي، لكني واثق أنها كانت ستفضّل أن تكون بين يديك."
كلمات ما البثت أن اخترقت قلبها كاختراق الضوء عتمات الصباح المرتحلة...
قابضة بيدها على الباقة، والتماعة الدهشة لم تفارق عينيها، وقفت تراقبه، فيما العربة تتحرك، منسابة بهدوء. وما انفكت تتابعه من خلال النافذة، وهو يعرج إلى اليمين بخطى واثقة ، قبل أن يعبر بوابة المقبرة، بالقرب من المحطة...
✍️___الهادي نصيرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق