وداعا ً الشاعرة السورية مها أبولوح ١٩٧١ / ٢٠٢٥ م
بقلم السعيد عبد العاطي مبارك الفايد - مصر ٠
نصف الحقيقة ٠٠!!
في صمت وسط الأحداث التي تمر بها الشام أرض الياسمين و دمشق الفيحاء ترحل عن عالمنا الشاعرة مها أبو لوح ٠
" فأعرف كيف تكون النهايات عند أكتمالها
و أمتلك اليقين لأتكمش في منتصف الأشياء
نصف الحقد
نصف الرحمة
نصف الشفقة
نصف الامل
نصف الشغف
نصف الحب
مؤلم الوصول للنهاية
كآخر الليل
وآخر المشوار
واللحظات الأخيرة عند الوداع ٠
( من قصيدة : نصف الحقيقة )
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
حيث كانت تؤمن شاعرتنا مها أبو لوح في منهج حياتها بمقولة سقراط ( اتكلم حتى أراك ) ٠
ومن ثم إيماننا منها بمنهج الصراحة و الشفافية و عدم التعصب و التمييز كانت تصدر صفحتها بتلك الكلمات :
اعتذر عن قبول الصداقة باسم مستعار و صورة مستعارة و صفحة مسكرة ٠٠
رحمها الله كانت صريحة و تحترم الرأي و الرأي الأخر ودودة في تعاملاتها في الحوار و الحرص على احترام الذات و تبادل فلسفة الإبداع و العلم معا ٠
أليست هي القائلة عن مأساة حال البلد و حلم الولد في تصوير الواقع في لوحاتها الشعرية اليومية :
شو صعب تبكي وحدك
والأصعب تبكي أنت و بلد
الضحكة شابت على وجه طفل
بعدو للحلم ما وعي و لا انتصب
شو صار فيك يا بلد
صرت غصة لولد الولد
حزينة أنا على حالي
وحزني الأكبر عالبلد ٠
* نشأتها :
ولدت الشاعرة السورية مها حنا أبو لوح - أم ميشيل - في دمشق عام ١٩٧١ م و تعلمت في جامعة دمشق ٠
و قد رحلت يوم الجمعة ٣١ / ١ / ٢٠٢٥ م ٠
و كتبت السرد المنثور بشقيه الشعري بالفصحى و المحكي الشعبي العامي في تلقائية هكذا ٠٠
و ظلت مسكونة و مهمومه بأحزان الوطن الكبير و لا سيما وطنها سوريا و فلسطين وسط هذا الصراع الطويل فعبرت عنه في كثير من قصائدها في روح الغريق المتشبث بطوق النجاة في الحياة من منظور وحي القصيد ٠٠
- و من ثم تقول شاعرتنا مها أبو لوح :
شو صعب تبكي وحدك
والأصعب تبكي أنت و بلد
الضحكة شابت على وجه طفل
بعدو للحلم ما وعي و لا انتصب
شو صار فيك يا بلد
صرت غصة لولد الولد
حزينة أنا على حالي
وحزني الأكبر عالبلد ٠
- و تقول أيضا في مقطوعة أخرى :
قالوا العتب ع قد المحبة، بيروح
يا ويلي العتب يكبر ع المحبة... ويصير العتب مجروح
يظهر معادن الناس المتخبية ويترك جروح
إن عاتبت عاتب بالمحبة
المحبة حديث الروح
ولا تشوف الأنا ضحية،والمحبة كذبة و بتروح
المحبة ما بتعتب ...المحبة بلسم يداوي الروح ٠
= فهي غزيرة الإنتاج متجددة العطاء حاضرة في المشهد ، و من شعرها :
تقول في هذه القصيدة تحت عنوان ( نصف الحقيقة ) التي تكشف لنا مدى تناولها للمواقف من خلال التأمل الفلسفي الجمال لزوايا الحياة في إطار الواقع اليومي الذي يعكس الحلم المسافر مع الذات في رحلة إبحار حقيقية بكل مقومات رسالة الكلمة الفنية في معادلة منطقية تجسد عمق رؤيتها للحقيقة في دفعة أمل لحلم بات يؤرقها في انطلاقاتها :
نصف الحقيقة
كنت دائما في المنتصف
كل الدروب التي مشيتها غادرها المدى
فوقفت في المنتصف
حين أكتب القصيدة
أتوقف في منتصف الفكرة
أخاف الغوص في الأعماق
من يسبح بنصف رئة يغرق
ومن يملك نصف حنجرة
يخونه صوته
لم أفكر يوما ما معنى أن تكون مولودا في المنتصف
بين أخوتك
كل ما حصلت عليه هو بالمنتصف
الثياب كانت بنصف عمرها
والأحذية
حتى الحب نالني منه نصفه
لم أكن من مواليد أول العنقود
ولا ذكرا في أواخر العنقود
رضعت القناعة من ثدي أمي
وكبرت كما ارادت لي
نصف حرية
نصف شجاعة
نصف طموح
ها أنا في منتصف الخريف
أعترف بنصف أعتراف
نصف الحقيقة
لا أهتم بما مضى من السنين
ولا أنظر إلى القادم منها بعين الأمل
لا أكمل الاغنيات التي أحبها
تاهت مني نصف كلماتها
وأصبحت بنصف ذاكرة
ألملم أحزاني
مؤلم جدا أن تتلقى ضربات الحياة
وأنت في منتصف الحلم
لا أنهي عملا بدأته
سوى سيجارتي
أمجها للنهاية
فأعرف كيف تكون النهايات عند أكتمالها
و أمتلك اليقين لأتكمش في منتصف الأشياء
نصف الحقد
نصف الرحمة
نصف الشفقة
نصف الامل
نصف الشغف
نصف الحب
مؤلم الوصول للنهاية
كآخر الليل
وآخر المشوار
واللحظات الأخيرة عند الوداع ٠
***
و تقول في قصيدتها ( مائة عام ) عن مأساة القدس التي تروي فيها قصة المعاناة و الاحتلال و التشرد و القتل حصاد مائة عام تجسده، و ذلك بمثابة مرآة للأحزان و الأوجاع تقول فيها :
مئة عام من العزلة
لك الله يا قدس
كفكفي دمعك واغفري
نحن المتخاذلين
بأي ذنب يكسر الزيتون
ويغتال نسل الزيزفون
بأي ذنب يا قدس
كل يوم تذبحين
مئة عام من العزلة
وأنت تصبرين
ونحن نستذكر خيبتنا
وندين
على وعدهم صمدوا
وعلى وعدنا نستكين
باي حق يا قدس
كل يومين تصلبين
متى تصبح ثوراتنا وقودا لعينيك
متى تكون خطانا من أجلك يا فلسطين
دماؤنا مازالت تغلي
متى نوحد الصف
وإليك نسير
وبصبرك نستعين
يا قدس يا قرة العين
يا ندى الجبين
حقك في أعناقنا
يا مهجة القلب
وقبلة الروح
سنفي يوما بالدين
وعلى دربك نحن
سائرين ٠
***
و نختم لها بهذه القصيدة الرائعة تحت عنوان ( أعشق وحدتي ) فهي تميل إلى عزلة الفيلسوف بين دهاليز المعرفة تنسج من عباءة الصمت و التأمل خلاصة تجربتها ، حيث تقول فيها مها أبو لوح :
لم يعد حضورك يهمني
فقد ألفت وحدتي
وأتقنت الحديث مع روحي
وروحي خير من ينصت لي
لم يعد حضورك يهمني
حين تحضر نساء الأرض
اللواتي تركتهن لأجلي
فقد مللت أحاديثك وبطولاتك
لم تكن لي في سفراتي العديدة
أكثر من محطة تركت فيها بعض حقائبي
واسترحت لشرب فنجان قهوة
لكني لا اخفيك سري الكبير
فقد استمتعت بشرب القهوة
في فضاء وحدتي يا صديقي
أمتلك أنفاسي ونبض قلبي
أحلق ..أغفو.. أصحو.. أمتلك خطواتي
أعزف على ناي الحب
كل نغمات العشق
فلم يعد صوتك يعني لي
حين تقول … أحبك
فأنا في وحدتي … عرفت حريتي
وجنوني يعرفني..فلم يعد حضورك يهمني ٠
رحم الله الشاعرة السورية مها أبولوح التي غنت للروح و للحياة حتى اللحظات الأخيرة عند الوداع في شفافية الروح الجميلة التي لا تعرف إلا الإخلاص مع حياتها ٠
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق