النص :
نبوءة قلبي .. أتاكاما
بين تلك الأصابع
الشامخة في أتاكاما
وعلى مقربة من المحيط الهادي
أرى بعضاً من ظلال روحي
وكأن المسافة تنحني لي
هنالك في موطن نيرودا..
ونبوءة قلبي تحنُ
لدموع فروغ فرخزاد
أشواق لوركا لعناق ماريانا
غرائبية التحولات في أفكار گافگا.
الشاعر محمد مجيد حسين
القراءة النقدية:
(Symbolism and Cultural Openness)
الرمز والانفتاح الثقافي في "نبوءة قلبي" للشاعر محمد مجيد حسين ..
النص "نبوءة قلبي .. أتاكاما" ينطوي على أبعاد رمزية وثقافية متعددة تتجاوز السرد البسيط لتغوص في عمق الشعور الإنساني والهواجس الوجودية.
اقتبس قول رولان بارت "النص نسيج من الاقتباسات مستمدة من ألف بؤرة من الثقافة"
العنوان والموقع: "أتاكاما"
النص يبدأ بعنوان مثير "أتاكاما"، وهو اسم صحراء شهيرة في تشيلي تعرف بجفافها الاستثنائي وطبيعتها القاسية. هذا الاختيار ليس مجرد وصف جغرافي بل يرمز إلى فضاء شعوري وروحي جاف ولكنه في الوقت ذاته خصب بالمعاني الإنسانية. أتاكاما هي موقع للشموخ والعزلة كما يتجلى في وصفها "الشامخة"، وهي مساحة يتداخل فيها الواقعي مع المتخيل..
ايضا نرى الجغرافيا كرمز: بين الأصابع والمحيط الهادي
الإشارة إلى "الأصابع الشامخة" ربما تعكس تضاريس الصحراء (جبالها وهضابها) لكنها ترمز أيضاً إلى محاولات الإمساك بالحياة والمعاني التي تنفلت بين الأصابع. المحيط الهادي بعكس الصحراء الجافة يمثل الامتلاء والحركة مما يخلق تضاداً ديناميكياً بين الثبات والجفاف من جهة والتدفق والانفتاح من جهة أخرى.
وكذلك نجد العلاقة الذاتية بالمكان: "ظلال روحي" و"المسافة تنحني"
هذه العبارات تعكس نزعة وجودية تبرز الذات في مواجهة الوجود الخارجي. المسافة التي "تنحني" تعبر عن لحظة من الاندماج الحميمي بين الذات والمكان وكأن أتاكاما ليست مجرد فضاء جغرافي بل بعد داخلي للذات.
ونجد أيضا في النص استحضار الشخصيات: نيرودا، فروغ فرخزاد، لوركا، وكافكا
النص يتجاوز المكان إلى فضاء ثقافي عابر للحدود يجمع بين رموز أدبية عالمية:
نيرودا: رمز الحب الثوري والارتباط بالأرض والطبيعة.
فروغ فرخزاد: تمثل الشاعرية الإيرانية المشحونة بالألم والحنين.
لوركا: يحضر معه تراجيدية الحب والموت في أعماله.
كافكا: رمز العبثية والتحولات الغرائبية.
هذا الانتقاء يخلق فسيفساء من التأثيرات الثقافية التي تمثل مزيجاً من الحب و الألم والغموض والتحولات.
وكذلك تبدو جدلية الغياب والحضور في النص
النص ينسج خطوطاً رفيعة بين الغياب والحضور. "دموع فروغ" و"أشواق لوركا" تشير إلى استحضار رمزي لشخصيات لم تعد موجودة، لكنها تبقى حاضرة في الروح كنبض مستمر. هذه الازدواجية بين ما هو غائب وما هو حاضر تعزز البعد الحداثي للنص.
ونلاحظ أيضا غرائبية التحولات: كافكا كرمز
الإشارة إلى "غرائبية التحولات في أفكار كافكا" تبرز التوتر بين العالم الواقعي والعالم الذهني الغرائبي. كما تعكس الإحساس بالوجود كمعضلة تتجلى في تحولات الذات وعدم يقينها تجاه الواقع.
وهكذا نجد أن النص يعكس وعياً حداثياً يرفض الجمود في التعبير أو الانغلاق داخل قوالب ثقافية ضيقة. إنه ينفتح على عوالم متعددة جغرافياً وثقافياً ووجدانياً لتخلق نصاً تتفاعل فيه الذات مع المكان والتجربة الإنسانية مع التراث الأدبي العالمي ..
فالشاعر يستخدم لغة تصويرية تتسم بالتكثيف والانزياح مما يدعو القارئ إلى تفكيك الطبقات الدلالية والتأمل في التوترات بين العناصر المتناقضة (الصحراء والمحيط، الغياب والحضور، العبث والمعنى)..
بهذا الأسلوب يمثل النص نموذجاً حديثاً للتعبير عن الاغتراب والحنين و في الوقت ذاته انفتاح الذات على تعددية الهويات والثقافات...
الناقدة: فاطمة عبدالله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق