الخميس، 19 ديسمبر 2024

مقدمة ديوان "نُصرةً لِفلسطين" بقلم الشاعر طاهر مشّي

 مقدمة ديوان "نُصرةً لِفلسطين"

بقلم الشاعر طاهر مشّي

قال تعالى: "أُذِن للّذين يقاتَلون بأنّهم ظُلِموا
وإنّ اللهَ على نصرهمْ لقدير". (الحج:39) صدق الله العظيم.
إنّهُ إذنٌ مِنَ الله -سبحانهُ وتعالى-لعبادِهِ المؤمنين بأحقيِّة الدّفاع عن أنفسهم وديارهم، ومقدّساتِهم و سلامةِ موقفِهم؛ إذ هم مظلومون، غيرُ ظالمين، ومُعتدًى عليهم، غيرُ مُعتَدين وَأنَّ لديْهِمْ ما يُسَوِّغُ خوْضَهم للمعركة، ليس هذا فحسب، وإنما أخبرهُم سبحانه بِأن يطمئنّوا إلى حماية الله لهم، ونُصرَتهِ إيّاهم بقولِهِ:"وإنّ اللهَ على نصرهِمْ لقديرُ ".أي هذا الإذنُ ضمان ٌلحرية العقيدةِ وحريّة ِالعبادةِ وحرّيةِ العيْشِ بِكَرامة؛ لِذا فكانت ضربةُ المجاهدينَ للصّهاينةِ قاتلةً لِقوْلهِ سبحانه:" وما رميْتَ إذ رميْتَ ولكنّ اللهَ رَمى".
فهل بعد هذا الإذنِ الإلهيّ والنُّصرة لهم، يحقّ لِأحدٍ أن يقول: ليس للمظلوم أن يدفعَ ظالمَه ويُدافعَهُ وَليس للمُستضعَفِ أن يطالبَ بِرفعِ الظّلمِ عنه؟ ألا يقول هذا إلا كلُّ جبَّارٍ مُستكبر؟
قضيةُ فلسطينَ العربيّةِ، الإسلاميّة شكّلتْ مِحْوراً أساسيّاً في انطلوجيا الشِّعر ِفي كلّ الأقطارِ العربيّة، بَلْ وتَعدّى ذلك إلى الشّعوبِ عامّةً بإنسانيّتِها وتعاطُفها؛ مناصَرةً للشّعب الفلسطينيّ، وقد تفنّنَ الشّعراءُ العربُ في نحْتِ الصُّوَرِ الشِّعريّة ِالمتنوِّعةِ، في قصائدِهم، ولا سيما في الآونة الأخيرة؛ مُجاراةً للأوضاع الراهنة، وَمرآةً للاعتداء الصهيونيِّ على (غزّة)، الذي ندّدتْ به الأقلامُ والإعلامُ المرئيُّ والمسموعُ والمكتوبُ؛ لِفظاعتهِ ووحشيّته!
تُعتبرُ هذه الانتهاكاتُ، نكبةً ثالثةً ومُصيبةً مِن أكبر المصائب التي ألمّتْ بالشّعوبِ العربيّة عامّةً والفلسطينيين خاصّة، فكان التآزر المعنويُّ في كل الأصقاع، حيث شارك الحَراكُ الثقافيُّ أحداثَ هذه النكبة؛ مُتبِّعا على جرائم العدوّ ومناصرا للقضيةِ الفلسطينيّةِ العربيّة، أمام تلك الدّول المُناصِرةِ لِلكِيانِ الصّهيوني والتي تَعتبرُ المُقاوَمةَ الفلسطينيّةَ هِيَ المُعتديَةُ على إسرائيلَ التي اغتصبتْ فلسطينَ منذُ عامِ ثمانيةٍ وأربعين وهجّرتْ أهلَها في شتّى بقاعِ الأرض!
فكان هذا المُنجَزُ جُزءًا من هذا الحَراكِ الأدبيِّ؛ لِنُصرةِ القضيّةِ العربية، وهو الإِنجازُ الجَماعِيُّ العاشرُ لِروّادِ الوجدان الثقافية، موسومٌ بعنوان "نُصرةً لِفلسطين".
هذا المولودُ الأدبيُّ، شارك فيه ثُلّةٌ مِن الأُدباءِ والشّعَراءِ المُتَميِّزين، من تونسَ وفلسطينَ وسوريا والمغرب، حيثُ تزاحَمت ِالأحداثُ وضجّتْ صدورُ الكتّابِ والشّعراءِ لمدى الظّلمِ الواقعِ على هذا الشّعب الذي لا يحقُّ له الدّفاعُ عن أرضه وعِرضهِ ومقدّساتِه وإن دافعَ فهو إرهابيُّ وداعشيٌّ ويستحقُّ الإبادةَ، بأساطيلِ أمريكا والغرب وقنابلهمِ الفوسفوريّةِ الحارقة ؛ عَوْناً لكِيانِهِمِ المُدلَّلِ الذي اصطنَعوه ويُريدون تهجيرَنا لأجلهِ للمرّة الثالثة، "قاتلهُمُ اللهُ أنّى يُؤفَكون".
كانت هذه الهبّةُ المُباركةُ لهؤلاء الشّعراءِ والأُدباءِ في ( الوجدانِ الثّقافيّةِ)؛نُصرةً لِفلسطينِ العَربِ والمسلمين مُشاركينَ أبناءَها الأحداثَ بِكلِّ ما فيها من مآسٍ ووَجعٍ وظُلم وتأديَةً لرِسالتهِمِ الخالِدةِ؛ لأنّ الشّعرَ بأحاسيسهِ وموسيقاه أسرعُ الطّرُقِ وأسهَلُها للوُصول إلى قلوبِ النّاسِ وأقربُها لِشَرْحِ قضيّتِهم! مناشدين السِّلم والسَّلامَ والتَّحاببَ والتَّآزر كما ورد في الكتب السّماويّة الثّلاثة، القرآن والتّوراة والإنجيل!
وقد حمل الشّعرُ هذه الرسالةَ منذ العهود القديمة فهوَ (ديوانُ العُربِ) أي مجتمَعُ أخبارِهم إلى يومنا هذا.
كانت مدينةُ القدسِ والمسجدِ الأقصى، محطةً لأنظار ِالمسلمين، ومتنفساً لعقولهم الباطنيّة، فكانت فلسطينُ القضيةَ التي يحملها أصحابُ الأقلامِ المُبدعةِ وكلُّ من يؤمنُ بها مِمّنْ تحركتْ بهِمُ النخوةُ العربية.
فلسطينُ العربيّةُ الشامخةُ، تربِطُنا بها علاقةٌ دينيّة؛ لأنها أرضٌ مُقدّسة، ومن واجبنا ألا نفرطَ في ديننا كما لا نفرِّط في فلسطين.وبهذا فإنّ ذهنَ الشّاعرِ ووجدانِه، مليئانِ بالمقدّساتِ الدينيّة، فنجدهُ يثيرُ الحماسةَ ويصوِّرُ الوقائعَ ويُندِّدُ لاسترجاعِ الحقِّ لأصحابهِ وتحريرِ فلسطين، فمهما طال ليلُ الاستعمارِ فلابدّ أن تسطعَ شمسُ الحُريّة.
إنّ القضيةَ الفلسطينيّةَ هي إحدى أكبر القضايا التي ناصرها الشعراءُ العربُ ورسّخوها في نصوصهم بكل الأبعاد، التاريخيّة والسياسيّةِ والاجتماعيّة، فهي قضيةٌ قوميّة وطنيّةٌ عربيّةٌ وإسلاميّة، فالجُرحُ واحد والهمُّ واحد والأقصَى والمهد والقيامة للجميع والشّاعرُ صاحبُ كلمةٍ وحاملُ قضيّة؛ لِتتَشكّلَ ثقافةُ المقاومةِ ويكونَ المشهدُ المُحتلُّ مصدرَ إلهامٍ للشُّعراءِ أينما كانوا، فيرصُدُ الشّاعرُ الأحداثَ التي يعيشُها أو يواكبُها لِينسجَ مِن خيوطها القصيدةَ بِتقَنيّاتٍ فنيّةٍ مختلفةٍ وأدواتٍ معرفيّةٍ متنوِّعةٍ لِتجعلَ النصَّ الشِّعريَّ ثرِيّاً وفي جوْفه قضيةٌ بصورة مُحكَمةٌ وأُسلوبٍ سَلِس.
منذ نكبة 1948 ناصرَ القلمُ العربيُّ الشعبَ الفلسطينيَّ، ونسجَ على إثر ذلك الشّعراءُ نصوصاً شِعريّةً جليّةً، واضحةً وصادقةً بِكلِّ ما أوتوا من وسائلَ فنِّيةٍ إبداعيّة، لإبراز ِالجمال في النصّ الأدبيّ. وقد تشكّلت في جُلِّ النّصوص الّتي يحملها هذا المُنجَزُ جماليّةَ الصورة الشّعريّةِ بأساليبَ مُتنوِّعةٍ، ودلالاتٍ جَليّة.
لم يقتصرِ تضامُنُ الشُّعراءِ على الوقوفِ بصفٍّ واحدٍ مع الشّعبِ الفلسطينيِّ، بل تعدّى الأمرُ إلى سَرْدِ ما فعَلت بهم النكبةُ والنّكسةُ وتفاصيلُ الهجومِ العُدوانيِّ الذي ألمَّ بغزّةَ والضّفّةِ والقدسِ والأقصَى الذي جعل مِنهُ الصّهاينةُ مرقَصاً لمستَوطِنيهم.
على امتدادِ تاريخ ِالقضيّةِ الفلسطينيّة، ظلّ الشّعراءُ يتعاقبون، حاملين هذه الرّسالةَ، رغمَ الجراحِ التي تنزفُ، فظَلّت القصيدةُ حُبلى، تحمل في طيّاتها وجعَ العروبة، ومأساةَ الإنسانيّة، ليولدَ جيلٌ من شُعراءِ الحداثة، يُناضلونَ في صمتٍ صاخبٍ، دويُّهُ على الورقِ أبلغُ من مدافعِ العدوّ المُتجبّر
. هذا المُنجَزُ عصارةٌ لَزجةٌ من النِّضالِ العربيّ، حتى يُسجِّلَ التاريخُ عُروبةَ فلسطينَ إن شاء الله!
ألشّعرُ ينطِق (والوِجدانُ) تسكُبُهُ
(والأقصَى)همّهُ والتّحريرُ مقصِدُهُ

(غزّا) ينوحُ عليهَا الشّعرُ، مجزَرةٌ
لكنْ بُطولةُ للقسّامِ تُفرِحُهُ

عهداً على الوِجدانِ تبقَى وفِيّةً
حتّى العُروبَةُ لِفلسطينَ، تَتّجِهُ!
الشاعر طاهر مشّي

Peut être une image de 4 personnes et texte

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق