الأعمال الفنية للفنان التشكيلي التونسي ضو الشهيدي *: وظائف بنائية ودلالية..مغايرة للمعتاد
“إنّ الفنّ العظيم يدعو الإنسان دائما إلى ممارسة الحرية عن طريق المحاكاة”(ألكسندر إليوت).
الفن التشكيلي مرآة للجمال و فرصة لمحو آثار القبح من ذاكرة الإنسان وملامح وجوده.
وفي جميع تفاصيله،هو رحلة لإسترجاع شغفنا بالمفقود و الضائع عبر مسيرنا اليومي.منه وإليه الطفولة تنتهي،و من خلاله نتخذ لأرواحنا تجليات تتماهى مع مقاييس تشكل أحلامنا و انتصارنا على الهزائم و الانكسارات..
من هنا،لا يحيد القول عن جادة الصواب إذا قلت أنّ النحّات ضو الشهيدي يمارس النحت،كونه فعل عصيان.فعن طريقه لا يفارق المرئي،فحسب،بل ويمحوه من ذاكرته البصرية أيضا لكيلا لا يقع في شراكه.
وهو عن طريق هذا النسيان المتعمّد إنّما يحرث الطرق أمام حساسيته لتقتنص فرائسها.وهي حساسية إنسان قرّر أن يترك العالم وراءه مكتظا بزواله.
إنّه يقتني كائناته مزهوا بإنفصاله هذا.
إنفصاله الرؤيوي عن العالم ليمتص رحيق أحلامه من مكان آخر.مكان يقع خارج مما هو متاح بصريا.فتخرج كائناته نقية كما لو أنّها لم تفارق عريها لحظة واحدة.كائنات حين يصطدم هواؤها ببعضه يحدث إيقاعه يظلّ عالقا بالعين.إنّ- ضــو-عن طريق النحت يصل إلى إختراعه.كائنات تتدفق من بين الأصابع ذاهبة إلى مستقرها لتفاجىء نحّاتها بحضورها..
بين الريشة والإزميل يتنفس الفنان الدولي ضو الشهيدي في مدينة تطاوين الجاثمة بشموخ على تخوم الجنوب هواؤه المشبع برائحة الكون.
لذا ينبض قلبه على ايقاع سري حيث تلتهب في صدره المشاعر التواقة إلى النفاذ نحو باطن الأشياء إلى سر الجمال والكمال.
حين تدخل إلى محترفه تحار على أي حجر تصوب عينيك وإلى أي منحوتة تمتد يداك..؟
أشكال إبداعية تجتاح ألوانها الحواس وما عليك سوى أن تغوص في بحار عوالمه وجراح منحوتاته لتجد نفسك أمام ذاكرة كونية تتلاطم ألوانها مثل الموج على شاطىء الروح.
فنان يجرك من شرايينك إلى سرمدية عوالمه العالية.
منحوتاته المختلفة الأشكال تختصر معاناة كاملة تجسد الإنسان في حركاته،في رقصه وحزنه وأفراحه..
الفنان التشكيلي ضو الشهيدي : لديه القدرة الكافية لإحتواء التفاصيل حيث تظهر سلطته في الأحياء والخلق والإبداع..منحوتاته تستمد ضوءها من المد والجزر لألوان الوجود ..
وضو الشهيدي بأعماله الفنية من منحوتات ولوحات مشاغب من الدرجة الأولى رغم قلبه المسالم يعبث بالألوان بحرية عاشق متلهف للكمال..ويعبث بالحجارة يجرحها في كل اتجاه من الصمت إلى البوح..
إن الصور الجمالية في منحوتات المبدع ضو الشهيدي،تسبح في مساحات فنية بوسائط تشكيلية مختلفة كوحدات بنائية لتثبيت الفضاء.فعملية التشخيص البنائي لديه من خلال أعماله الفنية تقوم على الواقعية التي تحرك الأشكال المباشرة بالألوان لتنتج معاني ودلالات ذات قيمة فنية كبيرة.
ولاشك أنه قد وفّر لفعل ذلك جملة من المواد بتصوره المخالف للمألوف،عن طريق إنشاء نظام تشكيلي بدءا بالخامة والتقنية العالية،التي يروم من خلالها التوليف والإنسجام بين كل عناصر المنحوتة.
إنه تطبيق عملي وفق رؤى وتخييلات المبدع الرائق ضو الشهيدي،حيث تتخذ عملية التوظيف الشخوصي أشكالا جمالية تتيح للبناء البصري صياغة تصويرات تتفاعل مع مقومات العمل وتستنطق مخزوناته الإبداعية،وأسلوبا فنيا ممنهجا يختزل قيما جمالية بأبعاد غير محدودة.
إنه بذلك يصنع فنا مرئيا تتذوقه الرؤية البصرية بصيغة حسية على اختلاف الوسائط التعبيرية المُستخدمة في العملية الإنتاجية.فأستطاع بذلك أن يصنع مفردات تشكيلية جديدة بمقومات فنية عميقة الدلالات وبأسلوب معاصر،اتخذ منه مادة فنية جمالية لبناء عوالم فنية متنوعة المضامين ببعد فني رائق،وقد وظف لذلك تجربته الرائدة في الفن التشخيصي بتحويل أبجدية الواقع بحسية وأسلوب تعبيري غزير الدلالات،جعل من هذا العمل الفني عنصرا فاعلا تحكم بواسطته في الفضاء عبر مجموعة من الأشكال والألوان الدقيقة.فالفنان ضو الشهيدي دائما يبني عمله الجاد في فضاء يسمح بخروج المادة التشكيلية إلى حيز الوجود الحسي والبصري بكثير من المهارات والتقنيات العالية،في نطاق ما تسمح به خبرته الرائدة في الحركة التشكيلية المعاصرة.كما أن مهاراته في صنع أشكال شخوصية مبتكرة وذات معاني على خامات ناعمة يؤشر على تصوراته الابداعية التي لا تتوقف.
إن أعمال الفنان ضو الشهيدي تتسم بجمالية غير محدودة،وبلغة تشكيلية شخوصية تنتج عن الرسومات اللونية بتعدد مفرداتها،وبتعدد الألوان والأشكال التي تبعث فيها الحركة،والتي توحي بالحياة والتفاؤل في سياق واقعي وإبداعي وجمالي،فأعماله الفنية تترابط على نحو جمالي يرصد الواقع الإنساني بخلفيات فنية ودلالية، تعج بالإيحاءات والإشارات والدلالات التي تعزّز الوجود الواقعي وترقى بالمادة التشكيلية إلى مستوى يباشر البصر والإحساس على حد سواء.
محمد المحسن
*ملحوظة: في نحت ضو الشهيدي تشكيل فنّي تتخلّله روح فنيّة تبحث عن مستقرّ لها في شكل ما…
**ضو الشهيدي: فنان تشكيلي من الجنوب التونسي،أقام العديد من المعارض بمختلف ولايات الجمهورية التونسية،ومازال ينحت دربه الإبداعي على الصخر بالأظافر..
محمد المحسن-كاتب صحفي وعضو في إتحاد الكتاب التونسيين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق