'رسالة إلى أمّ فارقتني في عزّ قيض العمر'
* 1 * يقول الّليل:
{ - مدّد خطاك
وأرح صوتك من تعثّر القلب
في الّليالي وعند توتّر الأسحار
أفتح صفحة في دفتر الأيّام
وقف عند أوّل السّطر...
سأخبرك بما في الغيب من سرّ
لا يعترف بخراب الذكريات
ولا بتنهّد المحتار...
وأنبئك أنّ الورى
غرفوا من سباخ الحياة
أقدارا وكلّ بمقدار...
ولم يبق في قوارير غربتك
سوى ثمالة بوح
وجرح الغياب
الّذي علّمك الصمت...
يعرف جيّدا مواعيد النّهايات
وبدايات الأسفار...-}
- *- لم أكن أحمل في لساني سوى زفرة
وسكر
وصورة قبر...
وتحسّر الّلغة
وعناصر من شيم الأبرار...
لم أكن سوى دمعة ربّ
غفر لسيّدة كم أثثت حياتي
بليلها ونهاري...
وكم غرست في طين لحمي
من مبدأ تعقبه حكمة
ومن حكمة
تطهّر روح الّذي يحبوا
على حصير الدّنيا...
وهذي الّدنيا كتلة رماديّة
حالكة المخيّلة وكذبتها
مغبرّة الأقنعة
تخدع البريء أبدا...
بوجه سافر، فاقع، عاري...
يا أمّ...
وأنا بعدك أعيش
كما الخفّاش ليليّ المسرى
وما تعريجي على مثواك
سوى حنيني
ليالي كنت أسمعك فيها قلقي
وشكّي... في مطلق غافل عن عشّاقه
وما روته الكتب من أخبار...
كنت أختلس زمني من زمني
وأخطّ لعينيك
تعب الحياة
بأحرف الحبّ في أشعاري...
يا أمّ
وها شراع قلبي تتقاذفه رياح السنون
فلا هو يرسو على برّ
ولا تحمّلت أوزاره أقداري...
وما كنت سوى الطفل الشقيّ
مغرم بكلّ شقاوات الطفولة
وملهم بقسوة المكان
وزمان كم كدّس في الطريق
من رواس وأحجار...
وها أسمع الّليل الثمل
كروحي...
* 2 * يقول مرتّلا:
{- تنفّس تراب قبرها
أملأ الصدّر بريح الصّدف
وقل كلّ الّذي عشت...-}
- * - خجلت يا أمّ
خجلت أخبرك
بما في ذي الغربة من حزن
ومن وحدي الّذي يعيش وحدي
خجلت أقول أحببت
كم مرّة أحببت
ولكنّي اكتشفت
أنّي لم أكن أحبّ سوى أنت فيهنّ
ولم أتفطّن أنّي ما حييت
أفتّش عنك في كلّ أنثى
بها أغرمت...
خجلت يا أمّ أقول
أنّي قاسيت وحدي
في وحدي
وما أدركت أنّي من العذاب ولدت
وبالعذاب عشت...
وها أعدّ شبر التراب في شبر ترابك
أحضنك بروحي
كما حضنت روحي يوم نطقت
أوّل كلمة جمّعتها على لساني
وكانت أمّي
أوّل الذي نطقت...
كان الّليل يملئ كأسي بشراب الحلم
* 3 * ويقول لي ساخرا من كلّ الدّنيا...
{- لا تكترث وقاوم
فا والّذي سمّاك
وأنشئ روحك في جلدك
وربّاك...
أنت الّذي يرسم في المدى أيامك
ويقود خطاك
كن ثابتا
كن واثقا
كن شامخا
كن أنت في أنت...
هكذا أمّك قالت لي ليلة ولدت
بين نخلك وسماك...
كن قمرا
كن بحرا
وكن مطرا
كن وطنا لوطن
يحتاج لما تغرس يداك
كن شعبا لشعب خان روحه
كن المرآة
تعرّي لبصيرته هدي هداك...
وها الأيّام تعرف جيّدا
أنّك ما بعت
وما اشتريت سوى عذابات
كأن لم يخلق فيها سواك...
فعش لبعض أيّام
تنحت فيها قصيدة تخلد في كتاب بلاد
ربّما يوما تذكرك
وتتذكّر أنّك تفديها
ولا تنتظر منها مقابلا فداك...-}
- * - يا أمّ ضقت
وضاق قلبي
حتّى غدا سجن للحبّ
أو ما شابه... وهو الّذي بالحبّ مفتون
هوّن ولا تهون
وكن يا قلب بالذّكريات حنون
وها أمّي تلقاني في كلّ منعطف
تمسح شعري كعادتها
وتبسم لوجهي
رغم الحزن والتعب
* - * وهي تقول:
* "عزيز روحي... ظنايا
خلّي راسك على ركبتي وارتاح
الّليل... ليل
ولابد يعقبه الصّباح
ولابدّ ينجلي الهمّ
ولابدّ يا كبدي من دمعة فرح
حتّى وان سبقه نواح
يا مظنوني
خوذ منّي وصيّة
لا تعمل مقام لدنيا دنيّه
ولا تعلّي من مقامه زيّ الوطى
تهزّ لشور الخطى لأرياح
عمّل على الّله واتعب
واشقا
وامشي في كلّ ثنيّة
لكن خلّيك للوصاية ثبّات
ولا تتزحزح ولا تنزاح...
يا وليدي
أني من قبري نشبح قلبك نابض حقّ
وبالحزن معبّا مثيل بحر نزّاح
خلّيك عامر بالحبّ لكلّ من يستحقّ
ومنّي ليك دعواتي ونقولك في الختام
يا كبدي على قدّ ما تعيش بالسّماح..." *
- * - كنت ألملم شتات الصّور والذّكريات
وفي القلب ارتسمت خارطة للحبّ
نطقت من غورها كلمات...
لكنّ صوتها غلب عمري
فكان صمتي ملغوم
وكان لساني عقدته العذابات
حتى أخرس لون الدمع في المقل
فسالت على الورق حبر من بحر
صور
شفرات
لزمن لا ريب آت.../...
بين 29/30 ماي 2022
المختار المختاري 'الزاراتي'
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق