بقلم الناقد :المولدي عزوز
قراءة لرواية "فصام سكيزوفرينيا" للكاتبة صباح بن حسونة
ممّا لاشكّ فيه أنّ موضوع الرواية هو من المواضيع المستهلكة قديما وحديثا، فكثيرا ما تناولت الدّراسات والأطروحات القضايا التي تخصّ العلاقات الزوجيّة المتّسمة في أغلب الأحيان بالصّراع والتّطاحن والتوتّر والمشحونة بكثير من مخلفات رواسب الماضي نتيجة انحرافات في المحيط العائلي، كما أنّ مسألة اضطهاد المرأة وتعنيفها وسوء معاملتها والاعتداء عليها كانت ولازالت من المواضيع الحارقة والشديدة الوقع على المجتمع، خصوصا أمام جبروت فئة من الرّجال الذي يعتقدون أنّهم مازالوا يعيشون في زمن "سي السيّد" الآمر النّاهي نتيجة الأساليب التربوية الموغلة في الجهل وانعدام الوعي رغم بلوغهم درجات عليا في السلم الدّراسي، ورغم تكرر مثل تلك المواضيع إلا أن ما يشد القارئ في رواية "فصام" هو براعة الكاتبة في الغوص في أعماق شخصياتها مع سردها السلس للأحداث في أدقّ تفاصيلها وصورها، وفي تناولها للموضوع بطريقة متجددة الأمر الذي جعله يكتسي حلّة قشيبة، فقد تميّزت الكاتبة بأسلوبها المغاير للأساليب التّقليديّة، ممّا جعل أحداث الرّواية مفعمة بكثير من الإثارة والتّشويق، وبذلك فهي لم تنزلق في النّمطيّة، فكان تناولها لمسألة اضطهاد المرأة يتميز بالحبك المتقن مع وعي واسع بالحيثيات، فاستطاعت من بداية الرواية أن تأسر القارئ ، وأن تجعله رهين سردها للوقائع، وأن توقعه في شراك صيرورة الأحداث، بطريقة ذكيّة تتجلّى في تقنية الاسترجاع والفلاش باك، وهي من التقنيات التي اعتُمدت كثيرا في المجال السينمائي، وتتمثل في أن يتوقّف الرّوائي في نقطة من الحاضر لشخصية أو حدث ليستدعي من الماضي شخصيات أو أحداث لها علاقة بتلك النقطة، فكانت بداية الرّواية هي نقطة نهاية القصّة ممّا أوقع القارئ في ورطة الزمته الكاتبة من خلالها الاطّلاع على نسق الأحداث لمعرفة سبب المآل الدّرامي لبطل القصّة وهو الزوج إثرموته بالسّرطان، وبذلك تسنّى للكاتبة أن تُمسك بناصية القارئ و تلابيبه وان تجعله ينقاد بكل طواعية إلى سبر اغوار القصة فكلّما تقدّم في القراءة إلاّ وتضاعف شغفه لوقائعها؛ و ذلك نتيجة تمكنها من التلاعب بالأحداث باقتدار كبير عبرتقنية الفلاش باك من خلال حبك مدهش وسرد باذخ حتى كان نصها عابقا بالالوان البلاغية العديدة الى درجة ان يشعر المتلقي انها الوانها المفضلة، و هي تحاكي في كلّ ذلك المخرج السنيمائي الذي يصوّر بالكاميرا لقطات فلاشية ارتداديّة في الزّمان والمكان في أدقّ تفاصيلها، مع تفاعل لشخصيات متنافرة في أدق سماتها وأعمق خفاياها؛ حتى يتلبس القارئ بها لتصبح جزء من كيانه؛ كل ذلك بأسلوب ماتع وبلغة ثريّة خصبة المعاني دافقة الدلالات متأصّلة في واقعها المعيش وبذلك استطاعت ان تفتح موضع من جراحات مجتمعنا وان تسافر بنا الى ضفاف الابداع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق