السبت، 30 نوفمبر 2024

أنا والنردُ بقلم الشاعر جاسم الطائي

 ( أنا والنردُ )

طيفٌ أهلَّ وبي من سحرِهِ خَبَلُ

يقدُّ ثوبَ الدجى والقلبُ يبتهِلُ

فَهْو المؤمِّلُ من عينَيَّ بارقةً

وكلُّ سِرِّيَ مما ليس يؤتَملُ

يداعبُ الروحَ علَّ الروحَ تخبِرُهُ

بما أنوءُ به همًّا وأنشغِلُ

إنِّي هجرْتُ طقوسَ البوحِ أجمعَها

لا تسألَنِّي وقد أوْدَت بيَ العللُ 

فيا سؤالاً يجِزُّ الحَرفَ مِن لغتي

ماذا أقولُ؟ أمِنْ آهٍ لها أجلُ؟!

ماذا أقولُ؟ وجُرحي صارَ أغنيةً

يشدو بها القلبُ ما أوحتْ لهُ الإبلُ

لا الأمسُ لا اليومُ لا حلمٌ يراودُني

سوى لواعجِ هَمٍّ راحَ يعتَملُ

ولي بهِ من رغيفِ الخُبزِ أَطعَمُهُ

ولي عليهِ حِبالُ الوَصلِ تنفَتِلُ

فإنَّنا مُذْ خُلِقنا توأمانِ وما 

ملأتُ كأسيَ إلّا راقَنا الثَّمَلُ

يا نَرْدَ عمريَ كم راعَتكَ أمنِيَتي

فرُحتَ تعبثُ بي حينَ أمّحَت سبلُ

وكم رميتُكَ والمسرى على عَجلٍ 

حتى تعثَّرَ في أعقابِهِ العَجلُ

كأنَّني بصهيل الخيلِ مقبلة 

وللحوافرِ منها وطأةٌ جلَلُ

أو أنَّ عاصفةً هوجاءَ وانطَلقَت 

مِن أصغرَيكَ وعندَ الخَطوِ تحتفِلُ

وترقُبُ العينُ كي تلقاكَ مُتَّكِئاً

علَّ الذي منكَ يبدو فهْوَ مكتمِلُ 

حتى لفَظتَ بأنفاسِ الأسى زَمِراً

فيا لأنفاسِ قلبي وهي تُنتَحَلُ

أدمنتُ فيكَ الأَماني وهْي زائِفةٌ 

وكلُّ وجهِكَ أبلى ضَوعَهُ المَحَلُ 

وكل خطْوِكَ كثبانٌ وراحلَةٌ

تعاقرُ الأثرَ الممسوخَ أو تئِلُ

كأنَّ كلَّ كوابيسِ الدُّنى اجتمعَت

على مَحَيّاكَ نرداً ما لهُ مَثَلُ

وما أزالُ أُداري خيبَتي كَهِلاً

وما أزالُ بقَعرِ الجبِّ أبتهلُ

وأنتَ وجهٌ يقينٌ لا يفارقني

فليسَ يَمرُقُ إلّا الواحدُ الخَجِلُ

ألفيتُ حَظّي ضَنيناً والسنونُ مَحَتْ

كلَّ احتمالٍ على أعتابهِ نُزُلُ

كأنَّ كلَّ فصولِ العمرِ مَجمَرَةٌ

وقد تجمَّرَ فيها غَيمُكَ الهطِلُ

كما الحَميمِ وفي كفيَّ أحمِلُهُ 

حتى رَبَوتُ على ما ليسَ يُحتَملُ

بلواي في الدَّهرِ لا في النَّردِ أبصرها

وكلُّ ذنبيَ أنّي فيهِ مُنشغلُ 

رهانُ عمرِيَ أَنْ أقتاتَ منْ أَملٍ 

وإنْ تداعى على أَعقابِهِ الأمَلُ

----------------

جاسم الطائي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق