(8)التلاعب بالعقول ومهزلة العقل البشري(8)
دراسة وتحليل : د/علوي القاضي.
... وتستمر فلسفة الكاتب العراقي (على الوردي) في وصفه لمهزلة العقل البشري ، فيقول ، أن من الصعب على الإنسان أو المستحيل أحيانا ، أن ينظر في الأمور بحرية تامة ، وقد يتراءى لبعض المغفلين بأنهم أحرار في تفكيرهم ، وسبب ذلك أن الإطار الفكري قيدٌ لاشعوري موضوع على عقولهم ، من حيث لايحسون به ، فهو بهذا الإعتبار كالضغط الجوي الذي نتحمل ثقله الهائل على أجسامنا دون أن نحس به ، وقد نحس به بعض الإحساس إذا تحولنا إلى مكان آخر يتغير فيه مقدار الضغط ، عندئذٍ نشعر بأنّنا كنّا واهمين ، كذلك هو العقل البشري فهو لايحس بوطأة الإطار الموضوع عليه إلّا إذا إنتقل إلى مجتمع جديد ، ولاحظ هنالك أفكارا ومفاهيم مغايرة لمألوفاته السابقة ، إنه يشعر عندئذ بأنه كان مثقلًا بالقيود الفكرية وأن فكره بدأ ينفتح
... لعلّنا لانخطئ إذا قلنا أن الإنسان كلما ازداد تجوالا في الآفاق واطلاعا على مختلف الآراء والمذاهب إنفرج عنه إطاره الفكري الذي نشأ فيه ، واستطاع أن يحرر تفكيره من القيود قليلا أو كثيرا ، وكلما كان الإنسان أكثر إنعزالا كان أكثر تعصبًا وأضيق ذهنًا ، فالذي لايفارق بيئته التي نشأ فيها ، ولا يقرأ غير الكتب التي تدعم معتقداته الموروثة ، لاننتظر منه أن يكون محايدا في الحكم على الأمور ، إن معتقداته تلوّن تفكيره حتما وتعيقه عن جادة البحث الصحيح
... والكاتب يصف الإمام (علي بن أبي طالب) (ع) بشكل دقيق ومن حوله فيقول في كتابه ، (كان الناس في صدر الإسلام يتلون القرآن ، ويذرفون الدمع السخين من خشية الله ، وكانوا أكثر منا تعلقاً بتعاليم الإسلام وحباً للعدالة والمساواة التي جاء بها النبي محمد (صل الله عليه وسلم) ، ولكنهم لم يكادوا يرون الإمام (علي بن أبي طالب) (ع) يتبع تلك التعاليم إتباعاً صارماً ، ويحقق مبادئ العدالة من غير تردد حتى نفروا منه ونصروا أعداءه عليه ، وجدنا علياً (ع) في آخر أيامه كولده الحسين وحيداً ، حيث تعاوت عليه ذئاب البشر من كل جانب ، فلما ضربه إبن (ملجم الفارسي المجوسي) على رأسه بالسيف هتف قائلاً ، (فزت ورب الكعبة) ، والواقع أنه فاز بتلك الضربة ، فنجى من هذه الدنيا بعد أن أعطى للبشرية درساً لاتنساه) ، هو أن الناس يحبون الحق بأقوالهم ويكرهونه بأعمالهم ، لقد فرق (علي بن أبي طالب) بعدله الصارم جماعة المسلمين ، وشأن العدل الصارم أنه يفرق الجماعة ويشتت شملها في كل زمان ومكان ، ويظن المسلمون أنهم لو رأوا (علياً) بينهم اليوم لاجتمعوا إليه ونصروه ، ولما تفرقوا عنه ، وهم في ذلك يخادعون أنفسهم ، فلو ظهر بيننا اليوم رجل ك (علي بن أبي طالب) عادلاً يساوي بين الناس فلا يدارى أهل الجاه والنفوذ ، ولا يغدق أموال الأمة على الأصحاب والأنصار ولايحابى أو يجامل أو يراعي ، لتفرقنا عنه كما تفرق عنه أسلافنا ، ولأقمنا الدنيا عليه وأقعدناها ولعزونا إليه كل منقصة نجدها في القاموس ، وقديماً قال الفرزدق للحسين بن علي (ع) ، (قلوب الناس معك وسيوفهم عليك !)
... وينتقد (الوردي) العقلية المتدينة (أيا كانت عقيدتها) فيقول ، لم يوفق العقل البشري (الديني) بتفسيراته وتأويلاته اللاهوتية التي أججت الصراع المحتدم بين (الثابت المنزه) من جهة و (المتغير المتطور) من جهة أخرى ! ، كما فشل أصحاب القطيعة الإبستيمولوجية في تفنيد ماتبنته البشرية من قيم عقدية وأخلاقية وإنسانية وإجتماعية سامية ، عبر إخضاع إرث بشري كامل لاستنباطات وبراهين من عام إلى خاص ومن كلي إلى جزئي !
... إن إعتبار العقل العلمي (المعتنق للإرادية) المقدس بتعاليمه ومسلماته ، مجرد تأويل لمعنى الموت ، وجعله مجرد مقام للنجاة من القلق الوثني عبر العزاء الإيماني ، مهزلة حقيقية تسببت في نزع العرى عن العقل البشري و أظهرت للعوام عجزه ومحدوديته !
... والكاتب يحمد الله أنه نشأ في مجتمع مسلم ولم يولد في صدر الإسلام فيقول ، قد يعتقد المسلمون اليوم أنّهم لو كانوا يعيشون في زمان الدعوة لدخلوا فيها حالما يسمعون بها ، ولست أرى مغالطة أسخف من هذه المغالطة ، يجب على المسلمين اليوم أن يحمدوا ربهم ألف مرة ، لأنّه لم يخلقهم في تلك الفترة العصيبة ، ولو أنّ الله خلقهم حينذاك ، لكانوا من طراز أبي جهل ، أو أبي سفيان ، أو أبي لهب ، أو لكانوا من أتباعهم على أقل تقدير ، ولرموا صاحب الدعوة بالحجارة وضحكوا عليه واستهزأوا بقرآنه ومعراجه ، تصور ياسيّدي القارئ نفسك في مكة إبان الدعوة الإسلامية ، وأنت ترى رجلاً مستضعفاً يؤذيه الناس بالحجارة ويسخرون منه ، ويقولون عنه أنّه مجنون ، وتصور نفسك أيضاً قد نشأت في مكة مؤمناً بما آمن به آباؤك من قدسية الأوثان ، تتمسح بها تبركاً وتطلب منها العون والخير ، ربّتك أمك الحنونة على هذا وأنت قد إعتدت عليه منذ صغرك ، فلاترى شيئاً غيره ، ثم تجد ذلك الرجل المستضعف ، يأتي فيسب هذه الأوثان التي تتبرك بها فيكرهه أقرباؤك وأصحابك وأهل بلدتك وينسبون إليه كل منقصة ورذيلة فماذا تفعل؟! ، بالتأكيد ستشارك قومك في محاربته
... ويعلق على الفلاسفة ورأيهم في الأديان والمتدينين فيقول ، يقول (نيتشه) ، (الدين ثورة العبيد) ، ويقول (ماركس) (الدين أفيون الشعوب) وفي الحقيقة أنّ الدين ثورة وأفيون في آن واحد ، فهو عند المتطرفين أفيون وعند الأنبياء ثورة ، وكل دين يبدأ على يد النبي (ثورة) ثم يستحوذ المتطرفون عليه بعد ذلك فيحولونه إلى (أفيون) ، وعندئذ يظهر نبي جديد فيعيدها ثورة شعواء مرة أخرى
... وإلى لقاء في الجزء التاسع إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
... تحياتي ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق