منابر من نور
الإيمان بين الصورة والحقيقة
للأستاذ الفاضل والأديب الباهر أحمد الكاتب
نور الإيمان
بين ظاهر وباطن
قلب يزهر.
• في بحر الإيمان الواسع، يتناثر ضوء يتألق على السطح، لكنه يخبئ في أعماقه جواهر مغفلة، قلّ أن يلتفت إليها أحد. لماذا نجهد أنفسنا في تعداد خطوات الطهارة الظاهرة وننسى أن نتطهر من الداخل؟ أليس الإخلاص، والتوكل، والصبر، والحب لله هي أبهى ما يمكن أن يتزين به القلب؟ تلك الأحوال التي لا ترى، لكنها تثقل ميزان الروح.
• إن العبادة الحقة ليست ركوعًا وسجودًا فحسب، بل هي ارتقاءٌ بالنفس إلى مقامٍ سامٍ حيث القلب يشتعل بنور الله، والعقل يستضيء بفهم عميق. كثيرون يظنون أنهم وصلوا بمجرد أداء الظاهر، لكنهم كمن يسير في الظلام بعيون مفتوحة، يخطئ الطريق رغم وضوحه. وآخرون، يحسبون أن ذكاءهم الفقهي وبلاغتهم كافيان، لكنهم جافون، باردون، قساة القلوب، كأنهم يعبدون عقلهم لا ربهم.
• الحب لله يحتاج قلبًا حيًا، عقلًا مستنيرًا، وعاطفة تتدفق كالنهر الهادر، تجمع بين حرارة الإيمان وبرد اليقين. فلا يكفي أن تنشغل اليد بسبحة تُحصي الأذكار، إذا كان القلب أسير الرياء أو الغفلة. ولا يكفي أن يحفظ الإنسان نصوص الكتاب والسنة إذا لم تُشعل في روحه نورًا يضيء طريقه للناس.
• التدين ليس زخرفة ظاهرية، بل هو طريق يبدأ من الداخل، من فهمٍ عميقٍ وحبٍّ صادق. إن الإسلام دينٌ يجعل من العقل مرآةً للحقائق، ومن القلب منارةً للمحبة. فلا فائدة من تلاوة الآيات وأنت محبوس خلف جدران الهوى، ولا جدوى من السجود وأنت عاجز عن تحرير نفسك من أسر الكبر أو الجهل.
• في هذه الحياة التي تزحف فيها القيم المدنية، نحتاج أن نبني النفوس بناءً متينًا، أن نُشبّعها بالإيمان حتى لا تغرق في موجات التيه. أن نُعيد تعريف الجمال الداخلي ونرفعه إلى مقامه، حيث لا ينفصل القلب عن العقل، ولا الإيمان عن العمل.
• هذا الدين، الذي يجمع بين الرياضيات المنطقية والعبادة القلبية، لا يُغفر فيه الخلط ولا يُعذر فيه الجهل. إنه دعوة إلى السموّ العقلي والعاطفي معًا، حيث تكون الروح جناحين يحلّق بهما الإنسان في سماء القرب من الله، بلا قيودٍ ولا حجب.
أحمد الكاتب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق