الخميس، 11 أبريل 2024

أليس عيد الفطر جائزة ربانية للصائمين..الذين صاموا شهر رمضان إيمانا واحتسابا..؟ بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 أليس عيد الفطر جائزة ربانية للصائمين..الذين صاموا شهر رمضان إيمانا واحتسابا..؟

تصدير :

صلة الرحم تاج ذهبي يتوج فرحة العيد تحقيقا لمقاصده

تتجلى روعة أجواء عيد الفطر في العديد من المظاهر التي تعيشها الأسرة التونسية،في فرحة وسعادة تتقاسمها مع مختلف أفراد الأسرة،منها المعايدة وزيارة الأقارب في هذه المناسبة العظيمة،وهو تقليد ترسخ لدى العائلات وأصبح لا يمكن تفويته مهما كانت الظروف.

يتميز عيد الفطر المبارك بالعديد من العادات والتقاليد الراسخة في الثقافة التونسية،وبمختلف دول العالم العربي والمسلم،إذ تتجلى مظاهر الاحتفال منذ أواخر أيام الشهر الكريم،حين تنطلق النسوة في تحضير أشهى الحلويات وألذها بأنواع مختلفة وبكميات كبيرة،بهدف تبادلها وتوزيعها على الجيران والأقارب،هؤلاء الذين يخصص لهم يوم كامل من أجل الذهاب لزيارتهم في برنامج منسق ومحكم.

يبقى هذا التقليد المتجذر عبارة عن عادة يحرص عليها الأبوان لترسيخ ثقافة صلة الرحم وتوطيدها لدى الأبناء،وتعليمهم أهمية وصل الروابط العائلية والحفاظ على تماسكها.

في الاستطلاع الذي قمنا به،تبين لنا من خلال من مسهم استطلاعنا،أن عيدي الفطر والأضحى مثالان لتوطيد تلك العلاقات،بإيجاد أخيرا الوقت والمناسبة لزيارة القريب والحبيب خلال يوم العيد،حيث يتم ارتداء أجمل حلة وتحضير طبق مشكل من مختلف الحلويات التي تحضر في البيت بمناسبة العيد،في رحلة طرق أبواب العائلة من بيت إلى آخر وفق برنامج-كما أسلفنا-محكم يتم التخطيط له مع أفراد العائلة..

ورغم أن هذه العادة كادت أن تختفي في مرحلة مضت بسبب التطور التكنولوجي واعتماد الفرد على الآلة لبعث رسالة قصيرة لمعايدة القريب،أو الاكتفاء باتصال هاتفي للتبرك بالعيد، إلا أن عادة التنقل من بيت لآخر لا تزال متجذرة لدى العديد من الأسر التونسية ولم تتمكن التكنولوجيا من القضاء عليها،حيث تعتبر فرصة لتوطيد صلة الرحم.

وهنا أقول :

عيد الفطر جائزة ربانية للصائمين الذين صاموا شهر رمضان إيمانا واحتسابا،ولا تكتمل هذه الجائزة  إلا بصلة الرحم،حيث المحبة والتآزر والفرح والأمن والسلم والاستقرار،ومن شروطه ما ورد في المنقول،وما أكده المعقول.أي هناك جدلية بين السوسيلوجية والبعد الديني في هذا الإطار،أو ما اصطلح عليه عند أهل الكلام بالعقل والنقل.

وصلة الرحم  غير مرتبطة بالزمان والمكان لأنها روح تسري في السيرورة التاريخية من أجل تأمين الصيرورة الأفقية، وتوطيد العلاقة الربانية بين عباد الرحمان والديان،ويمكن استثمار الآليات الحديثة على الأقل حتى يستمر الحضور النفسي لصلة الرحم.انطلاقا من مبدأ اليسر والسعة في الاختيار.

كل هذا يساهم في محو آثار الحقد والحسد والضغينة.وإذا كان الله عز وجل يغفر ويتجاوز ويسامح فأولى أن يكون العبد والمخلوق خاضعا لخالقه وربه لأنهم عباد الرحمان .

إن عيد الفطر يزورنا مرة في كل سنة ويحفز على صلة الرحم، لكن هذه الأخيرة ممتدة في الزمان والمكان كقيمة ذات بعد أفقي وعمودي، إذن من كان يومن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه.

أما قطيعة الأرحام فهي الفساد في ذاته، وعقوق للرحمان،ونشر البغض والحسد للأسف الشديد، أما صلة الأرحام فهي تعزز الإنسانية، والطاعة والتسامح والبركة ..

والأصل المعتمد فيما ذكر تقوى الله التي تعني باختصار التخلي عن المفاسد والتحلي بالمصالح.إنها تنقية للقلوب والأبدان،ودفع للأذى،ومساهمة في الاستخلاف وعمارة الأرض.

إنها الحسنات التي تناقض السيئات،وإذا كان العيد مظهرا من مظاهر التدين، فصلة الرحم من أهم مظاهر العيد، ومن تجلياته في ذلك اليوم التي تتوحد فيه النفوس والعقول والوجدان والحواس،وهذا الحديث معبر عن مضمون هذا العيد في تأثيره على مبدأي التعاون والتضامن على مستوى العلاقات الإنسانية.قال عليه السلام” من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا  نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة،والله في عون العبد ما كان  العبد في عون أخيه”. رواه مسلم.

إنها لحظات يجب أن نستثمرها من أجل الاستفادة من نفحاتها الربانية انطلاقا من صلة الأرحام،والإكثار من التزاور،وتعزيز الألفة رفعا للكلفة،وتكريسا للتكافل والوحدة، والمصالحة بين الجميع،والجمع بين الصلة والصدقة إذا اقتضى الأمر ذلك.

وهنا أختم :

إن صلة الرحم مظهر كبير من مظهر الدين،وصلة الرحم تاج ذهبي يتوج فرحة العيد تحقيقا لمقاصده،وللعيد وصلة الرحم مقاصد شرعية وواقعية،وهو ملتقى للعبرة والموعظة، وفرصة سانحة لمراجعة الذات والعلاقات والساهمة في بناء برج المحبة والثقة والتضامن والتعاون، هذا الملتقى الذي يعرف توزيع الجوائز الربانية والنفحات الإلهية، ملتقى يعزز وحدة الأمة الشعورية والتوقان إلى بنائها واقعيا.

إنه مسار حي للسعادة  في الدنيا والآخرة،وما أحوجنا لهذه الروح في مناخ دولي يعيش أزمة هوية لأنه درس بليغ في التواصل المبني على هدى من الله، وتواق لما عنده سبحانه من جوائز ربانية ونفحات إلهية،إنه بركة من الله لأهل الأرض.


محمد المحسن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق