جمالية الشعر والمشاعر..في قصائد الشاعرة التونسية المتميزة أ-نعيمة المديوني (قصيدة عزف..على أوتار القلب-نموذجا)
(قراءة جمالية)
تقديم : الشاعرة التونسية الفذة أ-نعيمة المديوني شاعرة مبدعة..ومبدعة شاعرة تسكنها القصيدة وتمثل متنفسها اليومي..في رصيدها عدد مهم من القصائد التي كتبتها على ضوء معايشات وأحداث ووقائع ملأت وجدانها وشكلت مرجعها الأساسي في نظم وقول الشعر..
لا أرمي الورود جزافا إذا قلت أن الشاعرة التونسية السامقة أ-نعيمة المديوني تمارس الكتابة الشعرية وهي مدركة لما قد تثيره من آثار وتأثيرات على القارئ،حيث تجتهد كثيرًا (وهذا الرأي يخصني) في اختيار الكلمات والعبارات الشعرية لترويض اللغة وتحميلها دلالات ومعانٍ قوية ترفض اللغة المسكوكة والمستهلَكَة في ذات الآن.فلغتها الشعرية في جل قصائدها التي اطلعت عليها،لغة عذبة تداعب وجدان المتلقي لا هي تنحو نحو الغموض يصعب معها إدراك دلالاتها،ولا هي لغة بسيطة تفرض على القارئ تجاهلها وتركها..
تبني أ-نعيمة المديوني لغة قصائدها على أساس معجمي لغوي متين،تارة باستخدام العبارات القصيرة القوية،وتارة أخرى باستخدام الجمل التركيبية الحاملة للدلالات المتعددة التي تسمح بالتأويلات المتعددة حيث يبرز لنا من خلال هذا كله أن الشاعرة بمثابة نسّاجة تنسج لغتها الشعرية بأسلوب فني وحرفي واضح،بل يتأكد لنا أنها تأخذ وقتًا كبيرًا في إخراج القصيدة الواحدة إلى حيز الوجود مهما كان شكلها وطولها.وهي تبحث في قصائدها عن خلق الإثارة الإبداعية لدى متلقيها وجذبه إلى التشبع بلغتها الشعرية وأسلوبها الجميل من حيث الصياغة والتركيب.هذه اللغة المثيرة تستدعي بالضرورة من الناقد القارئ قدرة فكرية على تأويلها والبحث في خصائصها ودلالاتها المتعددة.
ومن هذا المنطلق يمكن القول : إن الشعرية قيمة تفاعلية مؤثرة في خلق المؤثرات الجمالية التي تباغت القارئ بمستوى المكتشفات النصية التي تحقق غايتها وقيمتها الإبداعية.
تابعوا معي هذه القصيدة ولكم حق التفاعل والتقييم :
عزف..على أوتار القلب
يأتي المساء كئيبا
كليالي أيلول الحزين
خال من الدّفء
معطّر بالحنين
تدفعني الأشواق الى آرتياد الذّكريات
حيث كنتَ وكنتُ كعصفورين نقتات من الهوى
نكرع من كؤوس الغرام ما يطيب لنا
تلتهب أنفاسنا..همساتنا
يضيع منّا العقل ولا يسمع لنا غير الآه والأنين
بين أحضان الأديم وتحت أجنحة السّماء تنصهر الأحلام فنرتاد دنيا العاشقين
لا الزّمان يضنينا ولا المكان يغرينا
صوت واحد يَعنينا
صوت الوجد يُغنينا
يطيب المقام في حضن الحبيب
يتعطّر بعذب اللّمى وبالعزف على أوتار القلب السّعيد
تنتابني رغبة شديدة
أريد أن ألقاك من جديد
أستند الى أحلامي
أتوكّأ على عصا الجوى
أطير أليك ولا شيء يدفعني عنك
كأنّ شيئا لم يكن وكأنّ الفراق ما سكن
أجئيك وقد صمت الهمس
وقد رحل الدّفء
أجدك قابعا في أحلامك
تأبى الرّحيل
زائغ البصر.. أشعّ الأسى من وجدانك
فأعلم أنّي لا زلت مقيمة في قلبك الكبير
أداعب فيك ما أحببت
أجدك كبركان يحنّ الى اللّهيب
يدي في يدك
قلبي على قلبك
نمحو الدّمع الغزير
نشيّد ليوم جديد
يتعطّر الحبّ لليوم السّعيد
(نعيمة المديوني)
تعد الشعرية قيمة جمالية متغيرة بإيحاءاتها وتشكيلاتها النصية،والقارئ الجمالي هو الذي يباغت المتلقي بأسلوبه الشعري،من خلال التشكيلات النصية المراوغة،وحراك الدلالات الشعرية التي تباغت المتلقي بأسلوبها التشكيلي الانزياحي الخلاق بمؤثرات الدلالة ومثيراتها النصية،وهذا يعني إن أي ارتقاء جمالي في قصيدة من القصائد يظهر من خلال بناها النصية المفتوحة ورؤاها العميقة.
وبتقديرنا: إن الوعي الجمالي في اختيار النسق الشعري المؤثر والكلمة المؤثرة في بنية القصيدة هي التي تحدد الإمكانية الجمالية التي يمتلكها المبدع في خلق الجمالية النصية،وما من شاعر موهوب إلا ويملك الخصوصية الإبداعية،تبعاً لمحفزاته الشعرية،وطريقة الاختيار، وبراعته في اختيار النسق المناسب جمالياً،ومن هنا تختلف شعرية المحفزات النصية من قصيدة لقصيدة،ومن سياق شعري إلى آخر،تبعاً لحساسية المبدع الجمالية ودرجة شعرية النسق،ولهذا نلحظ اختلاف درجة شعرية المحفزات في قصائد أ-نعيمة تبعاً لحساسية الشاعرة وبراعتها في الانتقال من نسق تصويري إلى آخر،ومدى الوعي في الاختيار النسق الجمالي المؤثر في إيقاعها الشعري،ومن هنا يختلف الشاعر(ة) المبدع عما سواه وفقاً لحساسيته الرؤيوية،وبراعته النسقية في التشكيل والخبرة المعرفية في الانتقال من نسق شعري إلى آخر،وهذا دليل الحنكة الجمالية في التشكيل والوعي الجمالي في تفعيل المحفزات الجمالية تبعاً لحساسية الرؤية وفنية اللغة في التعبير عن الفكرة الشعرية.
وبتصورنا:إن الفكر النقدي الإبداعي يقف على المثيرات النصية المؤثرة التي تجعل القارئ يتلذذ بمتعة المكاشفة والاكتشاف الجمالي،فالقارئ الجمالي هو الذي يكتشف ما خفي من النص، ويكتشف الرؤى البؤرية العميقة التي ينطوي عليها،ومن هنا فمن يبحث في مثيرات الشعرية ومتحولاتها النصية في قصيدة من القصائد عليه أن يقف على المتغيرات الجمالية التي تنطوي عليها القصيدة في تجلياتها النصية الشعرية المفتوحة برؤاها ودلالاتها النصية.
ومن يطلع على قصائد أ-نعيمة (عزف..على أوتار الفلب-نموذجا) يلحظ أن البناء الجمالي الذي تؤسس عليها حركة القصيدة يرتكز على المقومات والبؤر النصية التي تحقق قيمة جمالية عالية،من حيث الاستثارة والفاعلية واللذة في التلقي الجمالي..
على سبيل الخاتمة :
إن النص الشعري عند شاعرتنا (أ-نعيمة المديوني) يشكل مجموعة قيم جمالية استثارية تحقق قيمتها الجمالية في حراكها النصي التي تباغت القارئ،وتحقق أقصى درجات فاعليتها،أي إن اللغة العاطفية مشحونة بالدلالات الشعرية لتحقق أقصى درجات الفاعلية في تلقيها الشاعري المؤثر.
إن حنكة-أ-نعيمة التشكيلية وراء التوهجات الإبداعية في جل قصائدها،وهذا يؤكد أن الشعرية قيمة تفاعلية تحقق استعلائها الجمالي من تشكيلها النصي المثير،وحراكها الشعوري المفتوح، وهذا دليل احتفاء قصائدها بكل مظاهر الاستثارة واللذة في تلقيها الجمالي الآسر.
ختاما أقول : إن رغية الشاعرة التونسية القديرة أ-نعيمة المديوني في تأسيس البعض من قصائدها على بلاغة الصور العاطفية دليل اغتراب شعوري مأزوم تجسده في صورها الشعرية،مما يجعل الصور صادقة الشعور محمومة المشاعر البؤرية التي تعبر عن الموقف والحدث الشعري بفاعلية نصية ورؤية إبداعية صادقة.
لها مني باقة من التحايا..تعبق بعطر الإبداع،راجيا أن تصلَ كلماتها إلى قلوب عشاق شعرها بصدق وشفافية وصفاء..
محمد المحسن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق