الخميس، 28 مارس 2024

زهرات رمضانية..من حدائق الإيمان بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 (زهرات رمضانية..من حدائق الإيمان)


ما أجمل قناديل العفو ومشاعل التسامح..في شهر رمضان الكريم


" أكتب الاساءة على الرمال عسى ريح التسامح تمحها,وإنحت المعروف على الصخر حيث لا يمكن لأشد ريح أن تمحيه"


لعل شهر رمضان،جعله الله،فرصة لكل عاصي أو متخاصم أن يبادر بالعفو والصفح فهو شهر التسامح والغفران والحب والرحمة،فالله تعالى أمرنا بالصيام ليس فقط للامتناع عن الأكل والشرب بل لغرس الفضائل وتعويد الناس عليها،فالمسلم في هذا الشهر يجب أن يتحلى بالاخلاق الكريمة،ويعفو ويبدأ هو بالتسامح حتى وان أخطأ في حقه أحد وسوف يجازيه الله حسنا على ذلك.

فالإسلام قد جاء ليقيم أركان المجتمع على مكارم الأخلاق والصفات النبيلة التي منها الصفح، والعفو عن الإساءة والأذى، والحلم وترك الغضب، والإنسان في حياته يلاقي كثيرا مما يؤلمه ويسمع كثيرا مما يؤذيه، ولو رد كل شخص الإساءة التي توجه له بمثلها لعشنا في صراع دائم مع الناس وما استقام نظام المجتمع، فالإنسان مطالب بأن يكون واسع الصدر يسارع إلى الحلم قبل أن يسارع إلى الانتقام، وأن يضع بدل الإساءة إحسانا ومكان الغضب عفوا وحلما، وأن يتذكر قوله تعالى (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم)ٌ     

لذلك حث الله تعالى ورسوله الكريم على استغلال شهر رمضان في التسامح والعفو والصفح

ومن الايات القرآنيه التي جاءت لتأكيد هذه المفاهيم قوله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)

وقوله تعالى (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)

ويعتبر شهر رمضان فرصة لتهذيب النفس وتدريبها على التسامح والعفو لقوله تعالى (فمن عفا وأصلح فأجره على الله والله لا يحب الظالمين) اي أن من عفا عمن أساء اليه إساءته اليه، فغفرها له ولم يعاقبه بها هو قادر على رد الاساءة بالاساءة وانما عفا وسامح فأجر عفوه على الله.

وهنا أشير إلى أن التسامح يترك أثراً إيجابياً على النفسية فيكون أكثر رضا عن نفسه ويشعر براحة الضمير والطمأنينة وهدوء الأعصاب،وأن الأشخاص الأكثر سعادة هم الأكثر تسامحاً والأشخاص الأكثر تسامحاً هم الأقل انفعالاً، مما يؤثر إيجابياً على صحتهم النفسية فهم أقل توتراً وأكثر هدوءاً والتزاماً،كما أن للتسامح آثارا إيجابية كبيرة على المتسامح نفسه، فإنه أيضاً يقوي المجتمع ويبعده عن الضغائن والأحقاد فتزيد المحبة بين أفراد المجتمع وتقل العداوات والثارات وحب الانتقام.

شهر رمضان فرصة ذهبية،ودعوة خالصة إلى كل المتخاصمين لكي ينتزعوا من قلوبهم الشحناء والبغضاء والغلَّ،وأن يزرعوا بدلًا منها المودة والمحبة والرحمة والتسامح والعفو، ومِن أهمِّ مظاهر التسامح وصفاء القلب السلام بالقول والمصافَحة،ويُمكن أن يكون بالقول دون المصافحة،لقوله صلى الله عليه وسلم: ((يَلتقيان، فيُعرض هذا،ويُعرض هذا،وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).

 ان هذا  الشهر الفضيل فرصة للمصالحة والمسامحة وكذلك فرصة للتغيير والمصارحة،ففيه يتصالح المسلم مع نفسه ومع الناس فيتصالح مع نفسه بمراجعتها ومحاسبتها وبدء صفحة جديدة من التغيير إلى الأفضل والأحسن،فيتعلم من الصيام تربية الضمير على التقوى وحسن مراقبة الله تعالى،تحقيقا لهدف الصوم، قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) سورة البقرة 183.

وكما أن الصوم فرصة للمصالحة مع النفس ومع الناس فإنه كذلك فرصة للمصارحة مع النفس ومع الناس،فالمسلم لا بد أن يتصارح مع نفسه، فيصارحها بعيوبها ويقوم من اعوجاجها، قال تعالى: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) (سورة الشمس 10.)

هكذا هو العفو والتسامح،سلوك عربي إسلامي،علينا أن نمارسه،ونتحلى به،ونرتقي إليه في تفاعلنا مع بعضنا،فديننا دين الرحمة والمحبة والأخوة والسلام والأمان وفي هذا الشهر الكريم، لنتمثل قيمنا الإسلامية،وندرك معاني رسالة ديننا،والأفكار العظيمة الخالدة التي تتوطن قرآننا، ذلك الكتاب الخالد المنير.

فالعفو والتسامح وكظم الغيظ وضبط النفس عند الغضب والمصائب من الأخلاق الإسلامية العظيمة،هو أبلغ في التعبيرـمن الكلمات،وأقوى في التأثير من العبارات والمقالات،وأوضح في الخطاب من ضوء الشمس،وأهدى في معناه من نور القمر، وهو يدل على قوة الشخص،وعلى سلامة النفس من الغل والحقد والحسد وعلى صفاء القلب من الروح العدوانية ـ إن التحلي بالعفو يريح النفس ويطمئن القلب..كما يريح الأعصاب ويغني عن كثير من الأدوية لأنه يجعل صاحبه بعيدا عن توتر الاعصاب والقلق والاضطراب،وارتفاع ضغط الدم الذي يسبب كثيرا من الأمراض،وذلك لأن صاحب القلب الخالي من العفو يملأ قلبه بالغل والحقد والحسد والتشفي والأخذ بالثأر،وهذا كله إعصار وبركان في النفس لا يهدأ حتى ينتقم فيقع فيما يندم عليه فيما بعد.

والعفو من صفات الله تعالى ولولا عفوه عن خلقه ما ترك على الأرض من دابة، والعفو خلق الأنبياء والمرسلين في عفوهم عن أقوامهم وهم يؤذونهم ويعذبونهم.

خلاصة القول : من الضروري أن يعود الشخص نفسه على خلق التسامح مع الجميع الصغار والكبار مع الآسرة والأصدقاء والأقارب وزملاء العمل ليكون قدوة حسنة للآخرين حتى يسود التسامح في المجتمع عامة،كما يقال:" أكتب الاساءة على الرمال عسى ريح التسامح تمحها, وإنحت المعروف على الصخر حيث لا يمكن لأشد ريح أن تمحيه"،فغالبا ما يتجه المخطئ إلى الصواب ويبدأ صفحة جديدة مع الآخرين,فالتسامح يطفئ نار الحقد والكراهية من النفوس.

 التسامح فن وهو رسالة إيجابية نوجهها للآخرين وخصوصاً ونحن في أواخر شهر رمضان المبارك،فعلينا مراجعة انفسنا لنكون متسامحين مع النفس ومع الآخرين،لأن ذلك يقربنا أكثر من الله،مذكراً بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال،يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".

تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وتجاوز عنا وعنكم وغفر لنا ولكم وجعلنا من العائدين والفائزين كل عام وأنتم بخير.


محمد المحسن





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق