الأربعاء، 24 يناير 2024

الانسان المغترب بقلم:الباحث الجزائري د بوخالفة كريم

 

يعيش الشعب كابوساً لا حلماً... إنه محاصر. ودائرة الحصار تضيق باستمرار، فيضطر بفعل اليأس إلى الإنشغال بتدبير شؤونه الخاصّة، وتحسين أوضاعه المعيشية الماديّة على حساب كرامته وإنسانيته وطاقاته الإبداعية...
عندما يكون الانسان عاجزاً ويعي عجزه في علاقاته بالمجتمع ومؤسساته، ما هي البدائل أو الخيارات السلوكية المتاحة له لتجاوز اغترابه؟ بكلام آخر، ما العمل؟، وكيف يتصرف في مواجهة هذه العلاقات والأنظمة السائدة التي تحوله الى كائن مهمش أو عاجز؟
وجواباً على هذا التساؤل، أقول إن الانسان المغترب قد يقبل بهذا الوضع مضطراً ويعايشه، ولكنه قد لا يقوى على تحمله، فيبحث عن مخرج بسبل مختلفة. ويبدو لي، إذاً، أن هناك ثلاثة خيارات سلوكية بديلة أمام الانسان المغترب في التعامل مع هذه المعضلة، وهي:
1-الانسحاب أو اللامواجهة على أن يجد سبيلاً آخر يجنبه تحمل أوضاعه. بكلام آخر، قد لا يتمكن الانسان من الاستمرار في معايشة اغترابه في علاقاته بالمجتمع والدولة والمؤسسات التي ينتمي اليها أو يعمل من ضمنها، ويدرك أنه لا يقوى على تغيير الواقع أو الرضوخ له ولو ظاهراً، فيحاول الانسحاب منه أو الهرب باحثاً عن فرصة أخرى للخلاص من الوضع الذي يعانيه. وكثيراً ما يتم هذا الانسحاب بأشكال مختلفة بحسب الظروف ومدى وجود احتمالات قد تسهم في إنقاذه ولو شكلياً من أوضاعه المزرية.
في ظل مثل هذه الأوضاع، قد تشكل الهجرة أفضل الحلول الممكنة، وهذا ما نلحظه عند الكثير من المواطنين في البلدان العربية، وبخاصة من قبل الشبان والشابات....
2-هناك احتمال الخضوع أو الرضوخ والاستسلام للأمر الواقع والتكيف معه على الأقل ظاهرياً والنفور منه ضمنياً عندما يستحيل الهرب، ويرافقه تطلع الى قدوم حالة ما من الفرج من نوع ما. وبهذا المعنى، يشكل الرضوخ خياراً آخر كثيراً ما يلجأ اليه المغتربون أيضاً بفعل اليأس والضعف والتمسك بقيم الصبر. ثم إن للخضوع لغة خاصة متوفرة في الثقافة السائدة، منها ظواهر التملق والمجاملة والتحبب والتقيّة والتسويغ والتنازل والمساومة. وقد تؤدي هذه المسوغات في نهاية الأمر الى الانسجام بدلاً من الرفض والتنافر...
3-هناك بديل من المواجهة بالتمرد الفردي أو العمل الثوري على تغيير الواقع من ضمن حركة سياسية أو اجتماعية منظمة... قد يتمرد المغترب بدل أن ينسحب او يرضخ،فيواجه المجتمع أو المؤسسات والأنظمة ويعمل على تغيير الأوضاع والتوجهات السائدة، غير أن التمرد الفردي بحد ذاته لا يشكل حلاً عاماً، فلا بد من أن ينشط الانسان من ضمن حركات اجتماعية شعبية في سبيل تغيير الواقع تغييراً جذرياً....






كل التفاعلات:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق