الأحد، 27 أغسطس 2023

وكان اللّقاء الحلفة السّادسة في الحديقة العموميّة ـــــــ رشدي الخميري


 وكان اللّقاء

الحلفة السّادسة
في الحديقة العموميّة
بعد فترة من العلاج والمتابعة امتثل الشّابان للشّفاء وخرجا من المصحّة يعلوهما الأمل والرّغبة في حياة كريمة شريطة أن يعودا للمراقبة والمتابعة في مواعيد حدّدت لهما، واستقبلتهما جمعيّة مدنيّة لتشغّلهما مقابل أجر زهيد تضيف إليه الدّولة منحة بسيطة في انتظار الحصول على شغل قارّ..
كانت مواعيد المراقبة في المصحّة فرصة لمزيد تقارب الشّابين إذ هما أصبحا يتقابلان تقريبا دائما إمّا في المصحّة وإمّا قبل ذلك وبعدها يترافقان إلى موعد الطّبيب. كانت أكثر لقاءتهما بعد الخروج من عند الطّبيب فهما ينتظران بعضهما ثمّ يتصاحبان إلى مكان هادئ وهو حديقة عموميّة كأنّها صمّمت لتحتضن محبّي الحياة. في هذه الحديقة، يمضيان وقتا ممتعا بين الجدّ والهزل وبدأت العلاقة بذلك تأخذ منعرجا جديّا. سمحت لهما هذه اللّقاءات بتجاوز محنتهما الصحيّة بسرعة فكأنّ جلوس أحدها إلى الآجر هو جلوس إلى طبيب خبير في المسائل النّفسيّة و العصبيّة. بعد كلّ موعد يتّفق الصّديقان على اللّقاء القادم ثمّ يفترقان ببسمة تعلو وجهيهما وبمصافحة تكاد فيها اليدان لا تفترقان أو كأنّهما تشدّان الشّابين لمزيد المكوث فربّما اليدان هما رسولا القلبين أو هما الوسيطان بينهما فقد حصل أن تراجع الشّابين عن مغادرة الحديقة ورجعا إلى مزيد القرب والوئام.
أثناء لقائاتهما يتحدّث الرّفيقان بهدوء واختيار العبارات والألفاظ وأسلوب تمرير العبارات بينهما وكأنّ كلّ واحد منهما في جلسة علاج نفسيّة مع الآخر فيحّدّثه بما يجعله يبتسم أو يضحك ولا يثيره ولا يغضبه. ولعلّ أيضا كلّ واحد منهما صبر أغوار الثّاني فراح يمارس عليه ما تعلّمه في الجامعة من أساليب مجالسة المرضى النّفسانيّين دون أن يشعره بذلك أو ربّما هو القدر وضع كلّ من الشّابين في طريق الآخر ليتداويا من حيث لا يشعران أو دون إراداتهما.. ما كان عليهما الأمر هو أنّ كلاّ منهما يعيش بمفرده فتراه ينتظر قدوم موعد المراقبة بفارغ الصّبر للتّواصل والتّقارب والتّداوي...
رشدي الخميري/جندوبة/تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق