‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 26 فبراير 2024

لقاء ــــــــــ لوقاف مليكة


 لقاء .

وأنا جالس أرتشف سوادها لعلها تزيل ألم الرأس وأجد حلا لصعاب أهلكتني . وإذا بي أراها جالسة تتأمل هاتفها وكأنها بدر أو نجمة أنارت عتمة الليل .تسارعت نبضات قلبي وكأنها صعقة أصابته فأحيته من جديد .شعرها المخملي كعناقيد تدلت على كتفيها وعيناها مرج البحرين أو كسرب مليء بالحجر و اللؤلؤ .كنت كمصباح منطفئ أضاءت شعلته ابتسامة لم تكن لي بل لما تنظر له في هاتفها .كانت طوال الوقت ترصد الوقت وأنا أنظر إليها كمرصد فلك سماوي .
فكلها إشراق على أرض أصابها اكتئاب الشتاء أو كبلسم يزيل تعب النهار بملامحها وقدها الجميل وأحسست وكأنها ولدت روحي من جديد، طاقة إيجابية وهندسة إلاهية .
أحرجتها بنظراتي فتوهج وجهها خجلا أصابتني غيرة لحمرة لامست وجهها وداعبته فزاد جمالا، كانت تنظر لساعة تارة وللهاتف تارة كأن الوقت حان ،وأنا أنتظر رحيلها بل رحيل روحي من جسدي لأن الروح والقلب أجمعا أنها لي وكيف لها أن ترحل وهي ملك لي فليت الخيال يصبح حقيقة .
أحس وكأن روحي ضاعت مني وأنها عالم كله جمال وكمال أريد الولوج إليه.لكنها لم تبالي بكل هذا العالم الذي رسمته روحي لها ولا تعلم ما وصفته عيناي في تلك اللحظة من لذة الواصف للموصوف.
هاته الفلسفة الروحية التي عاشها هذا العاشق كانت لي
لقد حدثني عن تلك الجميلة التي صادفها في ذاك المقهى وأنها حلم مستحيل وهبها القدر له بأي شكل من الأشكال بل في لحظة إغماء حيث كان هو مسعفي،ويقول أنها لحظة التقاء الأرواح وكان يصف بلسانه مارأت عيناه وما أحست به الروح وكيف كان المستحيل حقيقة وكيف أن القدر دوما دوره في لعبة الحياة منتصرا.
لوقاف مليكة
الجزائر

الخميس، 15 فبراير 2024

رقصة حبّ اخيرة قصة لــ ليلى المرّاني

 


رقصة حبّ اخيرة.../. قصة قصيرة

ليلى المرّاني/ من العراق
لا يزال الأرق اللعين يمارس لعبته الخبيثة معها، تغطّي رأسها؛ تجده متربّصاً لها يضحك ساخراً تحت الغطاء، أصبح سوطاً بيد مجنون، يجلدها متلذِّذاً كلّ ليلة، وحين لا تجد مفرّاً سوى أن تستسلم؛ تهاجمها قوافل ذكرياتٍ تحاول نسيانها.. تشعر بحياتها مملّةً أقرب إلى اللاجدوى، تحاول أن تستعيد نفسها، تبعثر نظراتها في أرجاء غرفتها الصغيرة؛ فتطالعها صورة بيتها الواسع وحديقته الغنّاء، وزوج تركها وثلاثة أطفالٍ ورحل مبكّراً، تطلق حسرةً على أيّام عزّ مضت.
أمامها مرآةٌ تعكس ساخرةً وجهها المكتئب، وثمة كتب منسيّة وشمعة خضراء تآكل نصفها، تتطلّع مليّاً في صورةٍ لها بالأبيض والأسود، معلّقةً على الحائط، تنهض وترفعها، تمعن النظر فيها ثمّ إلى وجهها في المرآة، يشهق جسدها متحسّراً.. ياه!.. كم تغيّرتُ، أين ذلك العنفوان وتلك النضارة؟
تسرح بعيداً بأفكارها، ثمّ تعاودها فكرة راودتها منذ حين، سمعت ابنتها وصديقتها تتحاوران..
- لا أدري ماذا أفعل بملابس والدتي وأغراضها الأخرى .... تقول الصديقة
-إبعثيها إلى الجمعيّات الخيريّة... تقول ابنتها
- والصور؟ هناك المئات من الصور القديمة.
- أحرقيها...
- كيف؟ قلبي لا يطاوعني، صورنا أنا وأخوتي حين كنّا صغاراً، صور للعائلة وللأجداد... هههه، وأجداد الأجداد..
تضحك ابنتها….
- اعرضيها في المتحف
- أتسخرين؟
- وماذا عسايَ أن أقول؟ أنا مثلكِ حائرة….هل نسيتِ أنّ أمّي هي الأخرى في أيامها الأخيرة؟ ماذا سأفعل ولديها مئات الصور وأشياء اخرى تخصّها؟
تبتلع ريقها علقماً، تتحسس بطنها الذي يحمل قنبلةً موقوتة لا تدري متى تنفجر وقد هدّها المرض الخبيث،
تجول دموع في عينيها، تتذكّر صندوقها الذي استحال لونه إلى تراب، تمدّ يدها تحت السرير، تكاد تسقط.. وبكلّ جهدها المتخاذل ترفعه.. " العمر يمضي مسرعاً خطاه…"
تختنق بغصّة طعمها موت ومرارة...
.." ماذا سأترك لأولادي؟ لا شيء غير هذا الصندوق العتيق ومئات صورٍ لا تهمّهم بشيء.."
تنشرها على فراشها، صور عائلية قديمة فقدت ألوانها، وتآكل بعضها، كانت قد أرشفت معظمها حسب تواريخها وشخوصها، يخترق سمعها صوت ابنتها وهي تضحك ساخرةً "
اعرضيها في المتحف ..."
فيضحك صوتٌ في المرآة، " نعم، ماذا سيفعلون بها، هم يؤرشفون أيامهم وأعيادهم وحتى ضحكاتهم على أجهزتهم الذكيّة، لم يعد للصور الورقيّة حيّز في عالمهم الذي يلهث وراء كلّ جديد.. سيتخلّصون من هذا الإرث الثقيل.."
- كيف؟..
- يحرقونها.. يهبونها إلى الجمعيّات الخيريّة مع ملابسك وبقايا عطورك.. أو ربما...
- ربما ماذا؟.. ينشب خلاف بينهم بسبب هذه الصور اللعينة؟ إذن سأعفيهم من هذه المهمة الصعبة، سامزّق الصور وأحرقها..
- تفتح ظرفاً بعد الآخر، تتأمّل ما بداخله، تتوقّف طويلاً عند ظرفٍ كبير متخم بصور أولادها.. هذه ندى وهي تتأرجح بخطواتها الأولى.. وميض،عائدًا من المدرسة ببدلته الزرقاء في يومه الدراسيّ الأول.. وهذه تينا حبيبتي في عامها الأول.. ويقع نظرها على صورةٍ تلهب مشاعرها، أوّل يوم في بيتهم الجديد، محتضنةً أولادها وزوجها يقف خلفهم يحتضنها بحبّ..
تناثرت حبّات دمعٍ ساخنة فوق الصورة؛ مسحتها بشفتيها..
الظرف الآخر .. وفيه صورها في الجامعة، تتأمّلها الواحدة بعد الأخرى.. آه.. كزهرةٍ بريّة جميلةٍ كانت، تحوم حولها أسراب النحل، ترتسم على وجهها ابتسامةُ طفلة حين تذكر كيف كانت تتعمّد إظهار مفاتنها في الصور، كي تثير غيرة صديقاتها، ورغبة الذكور فيها...
يعود من جديد ذلك الشعور الذي سيطر عليها ويشعرها بالعدم، الخطوات تسارع بعضها إلى محطتها الأخيرة بعد أن هدّها المرض الخبيث. بيدٍ مرتجفة، تخرج صورته.. ياااااه.. كم من العمر مضى منذ أن أطلق الحبيب ساقيه للريح حين سمع قرقعة سيوف الأهل وخناجرهم، معلنةً رفضه زوجاً لها..!
لا يزال بعض نبضٍ في القلب يهفو إليه، تحمل الصورة، تضعها على موضع القلب.. بحركاتٍ مرتعشة بطيئة ترقص معه.. تدور الغرفة بها.. وتدور معها، تطبق جدرانها عليها، فتسقط محتضنةً حبيبها الذي هرب..

الخميس، 1 فبراير 2024

ظلّ من الماضي قصة لــ ليلى المرّاني


 ظلّ من الماضي.. / قصة قصيرة

ليلى المرّاني / العراق
حين وضع فنجان القهوة أمامي، ارتعشت يده؛ فانسكب شيء منها على مكتبي، سارع في مسحه وهو يعتذر متلعثمًا، رفعت رأسي إليه، رأيته ينظر إلى ( اليافطة ) التي كتب عليها - المدير العام - وإسمي، ثم إلى وجهي.. ذهلت، فقد عرفته، وأظنّ أنه عرفني أيضًا، هو ب ( الوحمة ) المرتسمة على خدّه، والتي كنّا نتفنّن في تشبيهها ونحن تلاميذ في الصف الخامس ابتدائي، حتى توصّلنا أخيرًا إلى أنها تشبه العرموطة ( الكمّثرى )؛ فأصبحنا نطلق عليه ( أبو عرموطة )، وهو عرفني من أنفي الطويل الذي يكاد يسقط في فمي! ومن اسمي المميّز الذي كان يسبب سخرية التلاميذ؛ فأعود إلى البيت ساخطًا أسأل أمي
- لماذا أطلقتم عليّ هذا الاسم؟
- أبوك اختاره لك لأنه اسم جدّك
فألعن جدّي في السرّ..
نظرت إليه بإمعان: هات لي فنجان قهوة آخر، واغلق الباب من خلفك يا....
- ياسر سيّدي.. إسمي ياسر
لم أكن بحاجة أن يذكر لي اسمه؛ فقد عرفته.. فتحت النافذة التي خلفي، أشعلت سيجارةً واسترخيت على كرسيّ الوثير. حلّق بي جناحا ذاكرتي وأنا أنظر إلى حلقات الدخان التي أنفثها بتلذّذ.. كثيفة وكبيرة، ثم تصغر وتصغر إلى أن تتلاشى. كنّا معًا في صفّ واحد طوال المرحلة الابتدائية، والدي شرطيّ بالكاد يلقم سبعة أفواه جائعة، أذهب إلى المدرسة ببنطالٍ قديمٍ ممزّق يثير سخرية الآخرين، ولكن ما يشفع لي ويجعلهم يكتمون ضحكاتهم هو تفوّقي عليهم جميعًا في الدراسة، والمقالب الكثيرة التي أعملها، وتعاطف المعلّم معي. ياسر متخلّفا في دراسته كان، لا يحضر معظم الدروس إذ يقف في الحانوت المدرسي الذي كان والده الغني متعهّدا له. لم نره يومًا دون أن يكون فمه يجترّ ( سندويچا ) أو قطعة حلوى؛ فتئنّ معدنا الفارغة!
دخل المعلم يومًا إلى الصف وخلفه ياسر
- مَن منكم أضاع درهمًا ؟
وللدرهم في ذلك الوقت قيمة وقامة لم يحلم به واحد منّا، سرعان ما رفعت يدي وصحت بأعلى صوتي،" أنا.. أنا أستاذ. "
التفتت الرؤوس جميعها نحوي غير مصدّقة، ذهل ياسر وصاح وهو يكاد يبكي، " بل أنا.. أنا أستاذ أضعت درهمي، مصروفي اليومي. "
نظر المعلم إلى كلينا باستغراب، " مَن يجيب على سؤالي هو صاحب الدرهم. ماذا يوجد على أحد الوجهين للدرهم؟ "
سرعان ما صحت، " نخلة أستاذي.. توجد نخلة. "
نظر المعلم إليّ مندهشًا وضحكة ساخرة تتراقص على فمه، " صحيح، تعال خذ الدرهم.."
وأسقط بيد ياسر، وزاد حقده عليّ، لم تكن هناك أيّة نخلة على وجه الدرهم، ولكن معلّمي كإن معروفًا بتعاطفه مع التلاميذ الفقراء، وازدرائه لتشدّق ياسر ومفاخرته بوالده الثري وعدم التزامه بالدوام. لم أنسَ تلك الحادثة طوال حياتي، خاصةً بعد أن خرجنا من الصف وأوقفني المعلّم بعد أن ابتعد التلاميذ، شدّ على أذني بكلّ قوّته، فتساقطت دموعي
لا تفعلها ثانيةً، وإلاّ قطعت أذنك.-
أحبّ معلّمي، يحكي لنا حكايات كثيرة لا نفهم معظمها عن الذين يمتصّون دماء شعوبهم؛ فنرتجف خوفًا من اولئك مصّاصي الدماء، ونحلم بهم ليلًا! يحكي عن الاستعمار، فنتساءل ما هو الاستعمار؛ فيستفيض في الشرح، ونرى مدير المدرسة يتلصّص من النافذة، يسكت المعلّم ويصيبنا الذعر، حتى كان يومًا لن أنساه ما حييت.. داهمت الشرطة مدرستنا واقتادوا معلّمنا الذي نحبّه، رأيت والدي أحد اولئك الذين اقتادوه، هجمت عليه وأنا أبكي؛ فسدّد لي ضربةً قوّيةً على رأسي ألقتني أرضًا وعيناه تقدحان شررًا.. ولم نرَ معلّمنا ثانيةً..
يااااه.. كم تمرّ الأيام والسنون بسرعة مذهلة، وها هي تعود الآن تحمل معها زميل دراستي الذي كان يكرهني. طلبت استبداله بعاملٍ آخر كي لا تتكرّر تلك الذكريات، لي معه ذكريات كثيرة مؤلمة. في اليوم الثاني سمعت نقرًا خفيفًا على الباب، حين دخل بادرني والدموع تكاد تطفر من عينيه، "
- لماذا يا أستاذ ( چلّوب )؟ لماذا أمرت بطردي؟ خمسة أبناء وأمّهم في رقبتي، كيف أعيلهم؟
أحسستُ أنه ينطق إسمي بتلك الطريقة الساخرة حين كنا في المدرسة، تجهّم وجهي، قلت وأنا أضغط بقوة على كلماتي كي لا أخرج عن هدوئي
- لم آمر بطردك يا ياسر، ولكن بنقلك إلى غرفة الموظفين، أريح لي ولك .
خرج وهو يتمتم.. وأنا متأكد بأنه كان يشتمني!

السبت، 11 نوفمبر 2023

إني اخترتك يا وطني ـــــــــ جورج عازار


 قصة قصيرة بعنوان "إني اخترتك يا وطني"

إني اخترتك يا وطني

كانت الأرغفة الساخنة تلفع راحتيها الصغيرتين وهي عائدة من مخبز الحي، حاولت أن تُنقِّل الأرغفة من يدٍ إلى أخرى، لعلّها تحظى بفترةٍ قليلة من الراحة، ولكن بلا جدوى فالبخار الحار المتصاعد من الخبز الساخن يحرق راحتيها، وعندما يئست هداها تفكيرها إلى أن تخلع معطفها، وأن تحمل الأرغفة فوقه، فحلت المشكلة، ولكنَّ البرد بدأ يتسلل إلى جسدها الغضِّ رويداً رويداً.

نظرت إلى القروش القليلة التي تبقت بعد أن دفعت ثمن الخبز، ثم دخلت إلى دكان الحي، ونقدته تلك القروش، وهمست: أريد لوحاً من الطباشير، أعطاها ما طلبت، فمضت إلى الجدار المقابل، رسمت عليه شكل رجل وكتبت بجانبه بابا، ثم بدأت تكتب حرف الألف ثم تتالت الحروف" انّي اخترتك".

سمعت أصوات طلقاتٍ في الجوار، ولكنَّها ومنذ زمنٍ بعيدٍ لم تعد تكترث لتلك الأصوات، فبعد خمس سنوات من الحرب اعتادت أزيز الرصاص، واستنشقت رائحة البارود، وحتى ملامح الموت خَبِرَتْها عندما سقط أبيها قتيلاً قبل ثلاث سنوات، وحينها نظرت إلى عينينه الجامدتين، وأدركت أنَّ الموت ما هو سوى اختيارٌ للصمت فحسب.

سمعت جلبةً خلفها كان بعض الجنود في حالةٍ هستيريةٍ قال أحدهم لزميله: اِحذر إنَّهُ هناك مختبئ ٌخلف النافذة انتبه، ثم مرَّت رصاصة بينهما فانبطحا تحت السَّاتر الترابي.

تابعت فرح الكتابة "يا وطن" وكانت تهمُّ باستكمال الجملة بحرف الياء، لأنها تعرف أنَّ الحكاية تبدأ دوماً من الألف وتنتهي حتماً بحرف الياء، وبين الألف والياء تموت كلّ الأشياء وبينهما تحيا.

تعالى صوت الرصاصة التي سمعتها وهي تخترق ظهرها وتطيح بقطعة الطباشير من بين أصابعها الصغيرة، خَرَّت على ركبتيها، كانت تتألمُ بشدةٍ، ولكنَّها أرادت رسم الحرف الأخيرالمتبقي، حاولت أن تزحف نحو قطعة الطباشير لتجلبها فلم تتمكن من ذلك، كانت قطراتٌ غزيرةٌ قد أخذت تتجمَّع على الرصيف، غمست سبابتها في إحدى قطرات الدَّم، وكتبت حرف الياء، ثم تكوَّمت بلا حراكٍ فوق الرصيف.

تحررت أرغفة الخبز من معطفها وهي تهوي أرضاً، وتَعَمَّدتْ بلونِ الدَّم القاني وأخذت تُدفئُ جسدَها البارد مرةً أُخرى.

جورج عازار ستوكهولم- السويد

اللوحة للفنان التشكيلي السوري أ. يعقوب اسحق

الاثنين، 18 سبتمبر 2023

باثور رئيس المخفر قصة لـــــ مصطفى الحاج حسين


باثور رئيس المخفر ...

قصة : مصطفى الحاج حسين .
في صباحٍ مشمسٍ ، وبينما كان رئيس المخفر ، ( أبو رشيد ) يجلس على كرسيه ، فوق المصطبة ، عند باب المخفر ، حيث كان يدخن ، ويتلهى بمراقبة القرية القريبة ، عبر منظاره الجديد ، وإذ به يلمح رجلاً قروياً يتّجه إلى العراء ، وحين ابتعد عن الأنظار ، تلفت يمنة ويسرة ، ثمّ رفع ( كلابيته ) على عجلٍ ، قرفص ، وخلال دقيقة تناول من قربه حصوة
مسّح بها ثمّ نهض .
استرعى هذا المنظر ، اهتمام رئيس المخفر وفضوله ، فصرخ على الفور ينادي ( الرقيب خليل ) ، ولمّا خرج إليه ( خليل ) ، أمره قائلاً :
- إذهب إلى هناك .. وأشار بيده صوب القرية ، ناحية القروي :
- أحضر ذاك البدوي بسرعة .
امتطى( الرقيب خليل ) حصانه
وانطلق صوب القرية مسرعاً .
كان الرجل القروي ، قد اقترب من قباب القرية ، حين ناداه الرقيب :
- قف .. عندك .. لا تتحرك .
انبعثت رعشة عنيفة في أعماق القروي ، تلعثمت كلماته :
- خير ياوجه الخير !! .. ماذا تريد ؟!
- امشِ قدامي إلى المخفر .. هيّا تحرك .
تضاعف الخوف في أعماق القروي ، وأراد أن يستفسر :
- ولكن لماذا ياوجه الخير .. أنا لم أفعل شيئاً ؟! .
صاح( الرقيب خليل ) من فوق حصانه ، الذي لم ينقطع لهاثه ، بعد :
- تحرّك ياكلب .. قسماً سأنزل وأدوسك بحذائي .
- لكن ياسيدي ...
لم يتركه يكمل كلامه ، فقد اقترب منه ، وهوى عليه بسوطه .. صارخاً :
- تحرّك .
كان القروي يتعثّر بخطواته بين الفلاة ، والرقيب من فوق حصانه ، يحثّه مرّة على العجلة ، ويسوطه مرّة أخرى .
اقترب من رئيس المخفر ، فتطلّع الرجل إلى ( أبي رشيد ) بهلع ، بينما كانت مفاصله ترتعش ..
رمقه رئيس المخفر بنظرة صارمة ، ونهض :
- الحق بي إلى مكتبي .
حين أغلق رئيس المخفر الباب على الرجل ، المرتعد الفرائض ، أيقن أن جريمة فظيعة ، سوف تنسب إليه .
غير أن رئيس المخفر ، نظر إليه وابتسامة لزجة ارتسمت تحت شاربيه :
- ما اسمك ؟ .
- أنا ياسيدي .. اسمي .. ( خميس ) أبو حسين .
- أريدك يا أبا حسين ، أن تحدّثني بصراحة .
واندفع ( خميس ) ليقسم لرئيس المخفر ، وكان الخوف قد بلغ ذروته :
- أنا والله لم أفعل شيئاً .
ابتسم رئيس المخفر ، أدرك أنه رجل ذو هيبة ، يخافه الجميع :
- لقد شاهدتك وأنت تقرفص ( وتفعلها ) بسرعة .
علت الدّهشة وجه ( خميس ) همس كمن يقر بذنبه :
- نعم .. فعلتها .. لماذا أكذب ؟! .. ولكنني لم أكن أعرف أن هذا ممنوع .
صرخ رئيس المخفر :
- اسمعني ياغبي .. لا تقاطعني .. الحكومة لا تمنع مثل هذه الأمور ، لأنها لا تعتبر من الأعمال السياسية .
ثم استدرك محاولا شرح الموقف ، للمواطن ( خميس ) ، الذي لم يزايله الخوف حتى الآن :
- أنت - فعلتها - بسرعة ، وأنا أمضي أكثر من ساعة في المرحاض ، أريدك أن تساعدني حتى أستطيع أن - أعملها - مثلك ، بعجلة .. أنت لا تعرف كم أنا أعاني وأتعذّب كلّ يوم .
بعد جهدٍ استطاع المدعو ( خميس ) أن يفهم مايريده منه رئيس المخفر ، ولأول مرّه يزايله
خوفه ، ويتجرأ ويرسم على شفتيه اليابستين شبه ابتسامة :
- أمن أجل هذا أرسلت في طلبي ؟! .
- نعم .
- بسيطة .. ياسيادة رئيس المخفر .. القضية في غاية السّهولة .
وهنا استبشر رئيس المخفر ، خيراً ، فهتف بفرحة :
- كيف ؟؟؟؟؟ .. قل لي .. أرجوك .. فأنا أتعذّب .. وأضيع معظم وقتي داخل المرحاض .
تضاعف شعور ( خميس ) بثقته بنفسه ، فها هي الحكومة بكلّ جبروتها وعظمتها وهيبتها ، تلجأ
إليه وتستشيره ، في قضية على غاية من الأهمية .. لذلك أجاب :
- أنا ياسيدي .. عندما أتضايق ، أحاول أن أؤجلها ..
وكلما تضايقت أضغط على نفسي ، حتى - أحمّصها - ، وعندها أهرع إلى البريّة ، وخلال دقيقة أكون قد
انتهيت .
ابتسم رئيس المخفر .. شعر بالراحة والسعادة ، أخيراً سيضع حداً لهذا العذاب المضني ، وأقسم في
أعماقه ، أن يكافئ ( خميس ) إن نجحت وصفته هذه :
- إذاً عليّ أن - أحمّصها - ، أليس كذلك ؟ .
- نعم سيدي .
في اليوم التالي ، رفض رئيس المخفر أن يدخل دورة المياه ، قبل أن يغادر ببته . توجه إلى المخفر ،
وهو يشعر بالضيق بعض الشيء ، لكنه سينفذ ماطلبه منه ( خميس)، - سيحمّصها - .
وحين دخل إلى مكتبه ،استدعى كافةعناصره ، كعادته ، ليشربوا الشاي .. لكنه سرعان مابدأ يتململ
في قعدته ، فوق كرسيه ، ومع هذا كان يردد بداخله :
- ليس الآن .. عليّ أن أنتظر ، حتى - أحمّصها - ، ( خميس ) قال لي هذا .
مضى كثير من الوقت ، وهو يثرثر مع عناصره ، محاولاً كبح مؤخرته ، عن الانفجار .
أخيراً ، شعر بمغصٍ شديد ، مغص لا يقاوم ، كأنه الطّلق .. نهض عن كرسيه ، حاول أن يتجاوز
كراسي عناصره بسرعة ، لكنّ صمام الأمان أفلت منه ، فها هو وقبل أن يفتح الباب يفرقع بقوة ، كانت ( ضرطته ) بقوة انفجار قنبلة .. أحسّ بالخجل الشديد ، لم يلتفت صوب عناصره ، الذين تغامزوا ، وضحكوا بعد خروجه .
وفي الممر .. ممر المخفر الطويل ، وقبل أن يصل إلى بيت - الخلاء-حدث ما لم يكن في الحسبان
لقد - فعلها - في بنطاله .. ياللعار .
أقسم أنه - سيفعلها - في فم ( خميس) ، حلف أنه - سيخصيه - ، سيدق رأسه ، سيرميه في الزنزانة ، وسيجعله عبرة لكلّ الناس .
وبعد أن غير بذته العسكرية ، رمق عناصره بنظرات حادة وصارمة ، أخرست ضحكاتهم
المكتومة ، أمر الجميع ، باحضار المجرم ( خميس ) .
خرجت كوكبة من رجال الشرطة
هرعوا إلى الاسطبل الملاصق للمخفر
امتطوا جيادهم بسرعة ، لكزوا الخيول ، فانطلقت محمحمة باتجاه
القرية .
حاصروا بيت المدع( خميس ) ، صاحب النصائح الكاذبة ، المخادعة ، داهم ( الرقيب خليل ) ، وبعض العناصر ، القبّة الكببرة ، انطلقت
صرخة ذعر من امرأة ، كانت تغتسل عند العتبة ، حاولت أن تستر عريها ، لكنّ ( الرقيب خليل ) الذي حاول أن يتراجع ، كان يحدّق بانشداه تام ، إلى هذا الجسد العاري المثير ، والذي تفوح منه رائحة الصابون ، وبخار الماء السّاخن ..وتحيّرت عيناه أين
ستركزان النطر ، على النهدين الصاعقين ، أم على الفخذين المكتنزين .
صاحت المرأة ، لتوقظه من دهشته ، واشتعال شهوته :
- ماذا تريدون ؟! .
زأر ( الرقيب خليل ) ، المتأجج بشهوته :
- نريد .. المجرم ( خميس ) . صاحت وهي تحمي نفسها ، بثوبها :
- هل صار زوجي ( خميس ) مجرماً
.. ماذا فعل .؟!
ثم أردفت :
- هو ليس هنا .. غير موجود .. نزل إلى حلب .
مدّ ( الرقيب خليل ) رأسه أكثر ، ليستجلي المكان بدقة ، وكانت نطراته تنهشان الجسد العاري ، رغم تستر المنطقة المهمة بالنسبة له ، واستطاع رفاقه أن يدلفوا جميعهم ودفعة واحدة ، إلى القبة الطينية ، تسبقهم شهواتهم المتقدةبقوة .
فصرخ ( الرقيب ) بوجه المرأة ، ليطيل الوقت أكثر :
- إذاً فعلها زوجك ( خميس ) وهرب
.. ولكني سأجده ، وحق المصحف .. سأجده .. لن أتركه يفلت منّي .
شعرت المرأة بذعر شديد .. وكانت قد نسيت ماعليها من عريّ .. سألت :
- ماذا فعل ( خميس ) ..أخبروني ؟!.
- المجرم خدع رئيس المخفر .. وهرب .
عندما عاد عناصر الشرطة ، بقيادة الرقيب ، إلى المخفر ، وكان قائدهم بانتظارهم مصطحبين معهم
غريمه القروي ، ثار عليهم وراح يوبخهم ، لأنهم عادوا من دون ( خميس ) ، مبالغاً بغضبه، لكي
يواري خجله منهم ، ولأنه لم يعد يطيق أية نظرة توجه إليه ، من أحد عناصره ، فقد عاد وأمرهم أن يخرجوا إلى الطريق ، وينصبوا كميناً ، بانتظار ( خميس ) ، وأقسم لهم بأنه سيعاقبهم إن لم يستطيعوا القبض عليه اليوم .
حين وصل ( خميس ) مكبلاً ، مدمى الوجه ، وممزق الجسد ، وكان هو الآخر قد - فعلها - من شدّة خوفه وهول ماتلقاه من ضرب مبرح ، حين
قبضوا عليه ، بعد أن نزل من السيارة ، العائدة من حلب .
ولمّا صرخ رئيس المخفر بوجهه الشديد الشحوب :
- أتضحك عليّ ياصعلوك ؟! .
رد بصوت منكسر ، فيه من الخوف والرجاء الشيء الكثير :
- ولكن ياسيدي .. أرجوك أن تدعني أشاهد البنطال .
استغرب رئيس المخفر طلبه هذا ، لكن ( خميس ) أصرّ وكرر رجاءه .. باحضار البنطال .
فأمر رئيس المخفر عناصره ، و على مضض منه ، باحضار البنطال فوراً .
وحين أمسك ( خميس ) بالبنطال المبلول ، والكريه الرائحة ، نظر إليه ملياً .. قربه منه .. تفحصه بشدة ، تشممه .. وعاود الشمّ ، ثمّ مدّ أصبعه ، وأخذ من البنطال عينة ، ورئيس المخفر وعناصره ، يراقبونه ، باندهاش وحيرة ، ثم فاجأهم
( خميس ) حين وضع أصبعه وما عليها من براز ، في فمه ، حيث لحس أصبعه ، تذوق ماكان عليها ، ثم التفت إلى رئيس المخفر ، وقال:
- أنا قلت لك ياسيدي ، أن - تحمّصها - ولكنك ياسيدي .. أنت للأسف الشديد ، قد أحرقتها ، وهذا ليس ذنبي .
مصطفى الحاج حسين .
حلب

اْلفلّاح والْعصفور قصة لـــــــــ علي إبراهيم


 قصّة الاطفال..... ٢....اْلفلّاح والْعصفور.

اخذَ الْفلاّح محمود يكثرُ الضّرب على حِمارهِ الذّي سقط على الْارض! لم يمهلهُ دقيقةً لِيستريحَ منْ عناء التَّعب في الْبُستانِ الْكبيرِ.! كانَ الْوحيد ُ الذّي تأثّرَ بهذا الْمنظرِ هوَ الْعصفورُ طالما تنقّلَ بينَ شجرةٍ واخرى، وهويسقسقُ للصباحِ الْجميلِ في الْبُستانِ.

خاطبَ الْعصفورِ الْفلاّح محمود قائلاً: لماذا تضربُ حمارك؟ وكمْ تعِبَ وتحمّل منْ اجلكَ!؟

اجابَ الْفلاّحُ محمودُبصوتٍ عالٍ:انتَ ما يهمّك منِ الامرِ شيءُ. عندها قالَ الْعصفورُ لماذا تُبعدني عنهُ، ونحنُ اصحابُها في هذا الْبستانِ الْجميلِ، فكم دعوني بالشَّحرورِ لرقّة صوتي.؟ الآنَ تتخلّى عنْ حِماركَ بعدَ سنوات التَّعب قدّمَ فيها كثيراً من الاشغالِ إليكَ! ردَّ الْفلاّح ثانيةً بصوتٍ ازعجَ من في الْبستان : انتَ لا يهمّك، وبعد انْ سمِعَ الْعصفورُ غضبَ الْفلاّح على الْحمار قررَّ انْ يعملَ ما في وسعِهِلانقاذ الحمار؛ وهوَ يشكو منِ الضَّب بالنَّهيمن تنكّرِ الْفلاّح محمود له. اخذَ الْعصفورُ يقفُ على رأسِ الحمار، وإضطّرَ الْفلاّح انْ يتركَ السَّوطَويضربَ راسَهُبكفّيهِ لكي يتحاشى الْعصفورَ.!، ومرّةً ثانيةً وقفَ على ظهرِهِ  وعلى صدرِهِ؛ وفي كُلّ ومرّةً يوسعُ الْفلاّحُ محمودُبصوتٍ نفسَهُ ضرباً شديداً على صدرِهِ ظهرِهِ، وحينَ وقفَ الْعصفورُ على بطنِ الْفلاّحِاخذَ يضربُ بطنَهُ ليُبعدَ الْعصفورَ، وهوَ يخدشُ بطنَهُ، سقطَ الْفلاّحُ على الأرضِ بعدما اشبع بطنَهُ ضرباً، وهوَ يصيحُ.. آه..  آه!

عندَ ذلكَ نهضَ الحِمارُ ينظرُ إلى الْفلاّحِ في منظرِهِ؛ وإلى الْعصفورِ الذّي يسقسقُ بصوتٍ جميلٍ، ويقولُ للفلاّح : كمْ نصحتُكَ في تركِ الْحمارِ فلمْ تقبلِ النصيحةَ؟

إبتسمَ الْحمارُ بعدما حطَّ الْعصفورُ على ظهرِهِ، وهوَ يخطو خطواتٍ خارجَ الْبُستانِ! نادى الْفلاّحُ عليهِ بصوتً خفيضٍ، وهوَ يتآلمُ:إلى اينَ انتَ ذاهبُ.؟ اجابَ الحِمارُ بصوتٍ فيهِ الإبتسامةُ والْفرحُ: مع الْعصفورِ فانتَ لا يهمّكَ اينَ نذهبُ؟ إنشغلْ انتَ بالمكَ؛ وإحذرْانْ تتعدى حدودَ الآخرينَ في التَّعاملِ وتفهمَ آلامَ منْ يصرخُ امامَ حتّى لا تفقد صداقتكَ معافى هذا الْبُستانِ..

علي إبراهيم... البصرة

الأربعاء، 6 سبتمبر 2023

حالة عشق ـــــــــ ليلى عبدالواحد المرّاني


 حالة عشق … / مشهد

ليلى عبدالواحد المرّاني
وضع زهرة القرنفل الحمراء في حضنها، نظرت إليها، رفعتها بيد مرتجفة وفتحت فمها.. تلقّفها منها، وأنزل يدها باعتذارٍ صامت..
-هل رأيت كم تعشق القرنفل الأحمر صغيرتي الحبيبة ؟
لم أر شيئا، سوى صمتها، ووردة حمراء كانت ستأكلها..
- أتدرين ماذا كتبت لها يوما؟
- كلّي شوق لأسمعك.
أخرج محفظةً صغيرة من جيبه، تجرّدت من قدمها الألوان، انتقى قصاصة ورق صغيرة من بين أوراق أخرى استحال لونها إلى أصفر باهت وأخذ يقرأ بصوت دافئ عميق.. " حبيبتي، أتعرفين من لملم ضوء النجوم وسكبه دفئا في عينيك؟ كيوبيد، هو كيوبيد الذي يسكن النجوم من فعل.."
ابتسم كيوبيد، وأنا ابتسمت.. كنت أراقبه بهدوء..
سألته : هل تسمعك؟
- كلماتي نغم ينساب إلى روحها.. اسمعي،
وسحب قصاصةً صغيرة أخرى،" حبيبتي، هل تذكرين كيف جمّعت زهور البراري رحيقها، وسكبته شهداً في رضابك؟ .
- الله، ما أحلى، وأعذب ما تقول!
مستطردا، وهو ينظر بعينيها التائهتين.." الشمس يا حبيبتي تشرق على جبينك، وتغرب فوق جدائلك.. وشقائق النعمان تكدّست، تنام وتغفو على شفتيك. "،
توقّف، وكأنه نسي شيئاً، ثمّ.. " أتذكرين يا صغيرتي، حين نسج الليل خيوطه جدائلَ، فانسدلت بزهوٍ وبذخ فوق كتفيك "
دهشت لهذا الغزل الرقيق، ينطلق شدوا عذبا من فم رجل سبعينيّ، وكأنه عاشق صغير يلتقي حبيبته أوّل مرّة. للحظة، تهيّأت لي ومضة حبّ، طافت فوق محيّاها..
- كتبت لها كثيرا، ولا أزال أذكر ما كتبت، كلمةً كلمة، وحرفاً حرفاً.. وسأظلّ أكتب لها ما دام نفس في رئتي.
- كم كان عمرك حينذاك..؟ سألته بعفوية
- ثمانية عشر عاما
- وهي..؟
- ستة عشر عاما
- يالله…! وإلى الآن تحتفظ بهذه الأوراق التي كتبت عليها منذ أكثر من نصف قرن…!
- الأعمار يا صغيرتي لا تحسب بالسنين، بل بصدق المشاعر ودفئها.
- وهي، أتظنّها تذكر ما كتبت؟
- ألا ترين الابتسامة على وجهها تشرق؟
نظرتُ، ليس غير وجه شاحب، وعينين فارغتين تنظران إلى العدم، وجسم نحيل مصلوب على كرسيّ بارد، في غرفة باردة كالقبو. توقّف ثانية، كدت أحثّه أن يكمل، فقد انتشيت وحلّقت معه. وضع رأسه الفضيّ فوق يدها كطفل جائع، يرتمي في حضن أمّ لا تعرفه، فصمتّ إجلالاً لتلك اللحظة، وأحنيت رأسي. لمحت كيوبيد يحتضن قوسه وسهمه، حانياً هو الآخر رأسه بإجلالٍ لحالة عشق قدسيّة.. ملتفتاً نحوي، وبيده ورقته الحبيبة..
- خذيها، احتفظي بها، سرقتها من صندوق أسرارها. بصوتٍ خاشع اقرأيها، هي لا تحب الضجيج..
وقرأتُ، وآخر ما كتبَ: " يا أنت، يا مرفئي ومنفاي.. أضعتُ فيك كبريائي، خاشعاً متعبّداً في محرابك كراهب بوذيّ.. نجمة تائهة ما أزال حبيبتي، أهيم في مداراتك..
فجأة، انتفضت، بعنف دفعت رأسه، ألقت قرنفلته الحمراء أرضاً.. "من أنت؟ "..
ساد صمت كثيف.. وسقط قوس كيوبيد بصمتٍ حزين....

الاثنين، 4 سبتمبر 2023

أومأت إليه ـــــــــــ خالد جويد


 أومأت إليه وهي تشير بكلتا يديها لطفلها الوليد كي تحمله... بنظرة فرح ممزوجة بدمعة وداع....ضمته بين ذراعيها....تنفست عبق عطره الطفولي ..أصغت لصوت صراخه الذي سيظل يتردد على مسامعها ...

راحت تتأمل ملامحه للمرة الأخيرة ...وكأنها ارادت أن تعيد النظر في كل تفاصيله كي ترسمه لوحة خالدة لا يمكن للذاكرة أن تطويها خلف كواليس النسيان تلك الذاكرة التي جردتها من كل شيء وهيأتها منذ زمن بعيد لتنفرد بصورته بعد كل هذا العمر الذي أمضته فوق مقاعد الانتظار...قضته وهي ترقب اللحظة التي ستريحها من تلك الدمية التي استوطنت سريرها وحضنها الدافىء ردحا من الزمن وقاسمتها وسادة نومها لسنين طوال ...
لا أدري كيف يمكن لها أن تستدعي الموت في لحظة ليهب لها الحياة....لا أدري كيف يمكن للروح أن تنصاع له بملء إرادتها وتنحني أمامه الجباه.... هل كان في نكهته ما يستوجب المغامرة ليدفع بها كي تتشبث بجسد يصارع كي يفنى وبروح تتفلت من بين أيديها ترغب بالصعود....
كانت تدرك تماما أن هذه الروح التي حملتها بين حنايا رحمها جنينا ستشاطرها حتما ما تبقى لها من أنفاس الحياة... لكنها اكتفت بأن تكون هذه اللحظة التي وهبتها روحها لتكون (أما) بعد سنين عجاف هي نفس اللحظة التي ستكون امتدادا لحياة أخرى ستظل تصغي فيها لصرخات طفلها الوليد والتي ما فارقت صداها مسامعها ولا حتى النظر لصورة وجهه التي تسمرت أمامها كشمعة ستنير جنبات قبرها بشموع الفرح ....
بقلمي / خالد جويد

الثلاثاء، 29 أغسطس 2023

إلى زوجتي أمل قصة لـــــــ خالد عارف حاج عثمان


 قصة قصيرة جداً ..

إلى زوجتي أمل - رحمها الله- وقد غابت في المدى..
#- دونما رفقة.
صباح هذا اليوم..
وحيدا
ودونما رفقة -حتى من فنجان قهوة...-
كنت أجمع قطرات المطر النائمة على مقاعد كورنيش مدينتي البحرية..
أجمعها لأسقي بها شتلة بنفسج مازالت مزروعة في خاطري...
بقلمي خالد عارف حاج عثمان. سورية. جبلة.

الأحد، 27 أغسطس 2023

وكان اللّقاء الحلفة السّادسة في الحديقة العموميّة ـــــــ رشدي الخميري


 وكان اللّقاء

الحلفة السّادسة
في الحديقة العموميّة
بعد فترة من العلاج والمتابعة امتثل الشّابان للشّفاء وخرجا من المصحّة يعلوهما الأمل والرّغبة في حياة كريمة شريطة أن يعودا للمراقبة والمتابعة في مواعيد حدّدت لهما، واستقبلتهما جمعيّة مدنيّة لتشغّلهما مقابل أجر زهيد تضيف إليه الدّولة منحة بسيطة في انتظار الحصول على شغل قارّ..
كانت مواعيد المراقبة في المصحّة فرصة لمزيد تقارب الشّابين إذ هما أصبحا يتقابلان تقريبا دائما إمّا في المصحّة وإمّا قبل ذلك وبعدها يترافقان إلى موعد الطّبيب. كانت أكثر لقاءتهما بعد الخروج من عند الطّبيب فهما ينتظران بعضهما ثمّ يتصاحبان إلى مكان هادئ وهو حديقة عموميّة كأنّها صمّمت لتحتضن محبّي الحياة. في هذه الحديقة، يمضيان وقتا ممتعا بين الجدّ والهزل وبدأت العلاقة بذلك تأخذ منعرجا جديّا. سمحت لهما هذه اللّقاءات بتجاوز محنتهما الصحيّة بسرعة فكأنّ جلوس أحدها إلى الآجر هو جلوس إلى طبيب خبير في المسائل النّفسيّة و العصبيّة. بعد كلّ موعد يتّفق الصّديقان على اللّقاء القادم ثمّ يفترقان ببسمة تعلو وجهيهما وبمصافحة تكاد فيها اليدان لا تفترقان أو كأنّهما تشدّان الشّابين لمزيد المكوث فربّما اليدان هما رسولا القلبين أو هما الوسيطان بينهما فقد حصل أن تراجع الشّابين عن مغادرة الحديقة ورجعا إلى مزيد القرب والوئام.
أثناء لقائاتهما يتحدّث الرّفيقان بهدوء واختيار العبارات والألفاظ وأسلوب تمرير العبارات بينهما وكأنّ كلّ واحد منهما في جلسة علاج نفسيّة مع الآخر فيحّدّثه بما يجعله يبتسم أو يضحك ولا يثيره ولا يغضبه. ولعلّ أيضا كلّ واحد منهما صبر أغوار الثّاني فراح يمارس عليه ما تعلّمه في الجامعة من أساليب مجالسة المرضى النّفسانيّين دون أن يشعره بذلك أو ربّما هو القدر وضع كلّ من الشّابين في طريق الآخر ليتداويا من حيث لا يشعران أو دون إراداتهما.. ما كان عليهما الأمر هو أنّ كلاّ منهما يعيش بمفرده فتراه ينتظر قدوم موعد المراقبة بفارغ الصّبر للتّواصل والتّقارب والتّداوي...
رشدي الخميري/جندوبة/تونس

الاثنين، 14 أغسطس 2023

عُوْدَه والدكتورة جِيهان .. رواية / رضا الحسيني (20)

 


عُوْدَه والدكتورة جِيهان .. رواية / رضا الحسيني (20)

الفصل الخامس {العريس }
أن تناول عُوْدَه معنا إفطارا خفيفا دخل فراشه للنوم ، و بقيت مع أُمي التي لم تستطع الصبر أكثر من ذلك ، فمنذ دخولي البيت في الصباح
و هي تصبر قليلا وتلاحقني قليلا لتعرف مابي ، وعبثا ضاعت كل محاولاتي لتأجيل الحكي معها
_ يلا احكيلي مش هصبر أكتر من كده
_ أحكيلك إيه بس يا أُمي ، موضوع تافه خالص
_ صح فعلا مِصدقاكي ، تافه خالص خلاكي ترجعي مِتعصَّبة كده
_ ما انتِ عارفة الزمالة في الشغل بينتج عنها حاجات كده بعض الأوقات
_ مين هو و عمل إيه ؟
_ دكتور زميلي من المجموعة اللي بتستلم مِننا الصبح ، اتعود يكون قبلهم كل يوم بنُص ساعة أو اكتر
_ و بعدين ، حصل منه إيه ؟
_ مش حصل منه هو ، هو بس بيحضر بدري و يتابعني من بعيد ، و أنا بعمل نفسي مش واخدة بالي
_ و النهارده حصل إيه ؟
_ النهاردة لقيت الممرضات بيعملوا حاجات كده تلميح عني و عنه
و يضحكوا ، و لما انتبهت لهم سِكتوا فورا وانصرفوا بسرعة
_ زِعلتي من اللي عملته الممرضات يعني ، مش من زميلك
_ و هزعل منه ليه هو يا أُمي ، هو أكيد بقى عارف أخلاقي ، و مستحيل يفكر يتصرف بشكل يضايقني
_ و انتِ ؟
_ أنا إيه يا أُمي ؟!
_ عاوزة إيه ؟ ناوية على إيه ؟
_ و لا حاجة ، أنا حبيبي نايم قُصادي أهو هههههه
_ جِيهان !
_ يا أُمي يعني عاوزاني أروح لحد عَنْده أطلب منه يتجرَّأ و يكلِّمني !
_ أيوه أيوه ، كده فهمت كل حاجة ، يعني عاوزاه يتجرأ هههههه
_ بُصِّي حبيبتي ، مش هيتجرَّأ إلا إذا حَسْ مِنك إنك عاوزاه يتجرأ ، تمام ؟
_ تمام يا أُمي ، كفاية كلام بقى في الموضوع ده ، مش عاوزة حبيبي يقلق
و يصحى
و كما هي العادة أيقظتنا أُمي في العصر لنتناول معا الغداءَ الشهي الذي يُحبه عُوْدَه كثيرا و كما طلبه منها بالأمس ، المسقَّعة باللحمة المفرومة و الأرز الأبيض و الجرجير ، منذ مجيء عُوْدَه لحياتنا و بيتنا لم تعد أُمي تسألني ماذا نأكل في الغد ، صارت فقط تسأل عُوْدَه
بعد الغداء كان كوب الشاي الجميل كالعادة من اختصاصي أنا ، فأُمي دائما تضحك وتقول :
_أنا بحب أوي أشرب الشاي بعد الغدا من إيد حد غيري ههههه
_ قولي بقى عاوزة تشربي الشاي من إيدي
_ من إيد بنتي حبيبتي الدكتورة
دَقَّ جرس الباب حين كنت أضع صِينية الشاي أمام أُمي
، ارتبكنا ، فنحن لا ننتظر أحدا ، ولا يأتينا أحد في مثل هذا الوقت الذي يقترب من السادسة مساءا ، و كاد عُوْدَه أن يُسرع نحو الباب يفتحه و لكني أمسكت به بهدوء ، فأدركَ أن هُناك أمور يجب أن نفعلها أولا قبل أن نفتح الباب ، و كان هذا درسا جديدا يتعلمه مِنا هُنا ، دخلتُ أنا و عُوْدَه بسرعة لغُرفتي و معنا صِينية الشاي ، و فتحتْ بعدها أُمي الباب ، و أنا
و هو نقف بمُنتهى الصمت خلف بابي لنعرف مَن الذي يدقُ باب شقتنا
_ السلام عليكم يا أُمي
_ و عليكم السلام يا ابني .. مين حضرتك ؟
_ مش دي برضو شقة دكتورة جِيهان ؟
_ أيوة يا ابني و مين حضرتك
_ دكتور ماجد ، زميلها في القصر العيني
_ أهلا بيك يا دكتور ، اتفضل حضرتك
دخل ودخلت معه في قلبي وعقلي كل الأشياء ، دكتور ماجد عندنا !
يا ترى جاي ليه ! هل هُناك أمر ما في المستشفى حدث و يحتاجونني قبل موعدي ؟!
_ جِيهان .. جِيهان
_ نعم يا عُوْدَه مالك
_ هو دكتور ماجد ده بتاعنا ؟
_ أيوه هو
_ بس ده مش بيحبني ، أنا مش هخرج من غرفتك خالص لحد مايمشي
_ و لا أنا هخرج يا حبيبي ، و ما تخاف ، مفيش حد هيقدر يضايقك تاني
_ أنا بحبك أوي يا جِيهان
_ يا حبيب قلب جِيهان
_ هو جاي عشان ياخدني تاني المستشفى ؟!
_ لالا محدش بيعرف إنك هنا معانا ، اطمن
جاءت أُمي بمنتهى السعادة تُخبرني أنه جاء يطلب يَدِي مِنها ، نزل الخبر على رأسي و روحي كالصاعقة ، و بقيت مذهولة أتساءل مع نفسي
{ كيف يأتي لبيتي دون أن يخبرني ؟، كيف بهذه السرعة يُقرر أن يتزوجني دون أن يسألني ، ألم أكن معه في الصباح ؟} و حاولت أُمي معي كثيرا أن أخرج لأقابله و أسمع ما يقوله
انتظروا غدا عُوْدَه والدكتورة جِيهان