الاثنين، 22 مايو 2023

دراسة لنص الشاعرة سامية خليفة ضوع القصائد بقلم الناقدة والشاعرة أ. مرشدة جاويش

 


دراسة لنص الشاعرة سامية خليفة ضوع القصائد بقلم الناقدة والشاعرة أ. مرشدة جاويش

الدراسة:
مشهدية الصورة في المسارات الفنية والحدثية المؤدلجة وتكاملها الإيجابي
في نص الأديبة والشاعرة اللبنانية
أ. سامية خليفة
الدراسة بقلم الشاعرة المبدعة والناقدة الفذة أ. مرشدة جاويش.
ضوع القصائد بقلم سامية خليفة
النص :
كتمْتُ القصائدَ في قلبي
نظمْتُها لك
من عيونِ الشِّعرِ
رحلْت
تركْت القلبَ الخافقَ
يذوي
يا للشُّروقِ حينَ تُخفي
ظلالُ الرَّحيلِ
أضواءَهُ!
قحلت الأمنياتُ
جفَّتِ الأحلامُ
الخوفُ المرتَجف
يأبى التلويحَ ثانيةً
بيدِ الفراقِ
الدَّمعةُ الحرَّى
باتت تختبئُ
ترفضُ الاحتراقَ
في جمرةِ العينِ
السَّفرُ بوصلتُهُ استقرَّتْ
فدُق ناقوسُ الفراقِ...
وحيدة أتنفَّسُ الغياب
كجثَّة بِلا روحٍ أتحرك
فالرّوحُ سافرتْ إليك
ثمَّ على حينِ غرَّةٍ
أضاعتْك
وسطَ ضجيجِ البشرِ
ثم تاهت في اللامكان
ما زالَ ضوعُ قصائِدي
يفوحُ في سراديبِ الذِّكريات
البعدُ نصبَ جدارًا من ألمٍ
الحنينُ قلَّمَ براثِنَ الزَّمنِ
لعله يُجمِّل قباحةَ الأيّامِ
كلُّ نبضةٍ بي تنتحرُ
أنا الماسةُ التي أحببْت بريقَها
أنا حبيبتك الأثيرة
تركْتني قسرا
فريسةَ أشواقٍ
أنيابُها الألمُ
براثِنُها الشَّجنُ
بـقـلــم
أ. ســامـيــة خـليـفــة / لبــنـان
رأي ودراسة :
إن ديدن النص المعاصر هو تشاركية الطبيعة وقوانيها إما لهدم أوبناء فالنظام الكوني مادته ليست أساساً في بنائه لكنها جزء مضمن من وجوده لفسلجة ضوابطيته وكل حاجاته ليؤدي مهامه ومن ضمن وظائف الشعر هو الولوج لتلك المنظومة بإستنطاق الفكرة ومحاكاة ظواهر الكون بتكهنات لها لذة الإستكشاف فتجعل الحرف كأداة دلالية حسية بتجسيده شعرياً
إن المفارقات الحسية تؤثث عن مدى تلاحمية
الأنا الشاعرة مع حدثية ما يحيط لتأتي الصور تلامس العمق الوجداني بوتيرة تصاعدية تمزج الظاهر مع المكنون الضمني لعوالم الأمس والحاضر وبتنازع الضدية اللفظية معناً أي مغايرات الأنا بين حضور وفقد
(نظمْتُها لك
من عيونِ الشِّعرِ
رحلْت/ تركْت القلبَ الخافقَ
يذوي/ يا للشُّروقِ حينَ تُخفي
ظلالُ الرَّحيلِ
أضواءَهُ!/ قحلت الأمنياتُ)
وهذا ماتبدى في شعرية الناصة هنا الإيفاء الكلي بتأثير يخاطب العقل والقلب
فأي نص هو مرآة كاتبه وخاصة إن كان مُتخلق عن خاصية أنوية محاورة للذات الأخرى تبقى هناك تعالقية من استقاء النص بالحفر على الذاتية لتعميق مرسلها كي تؤثث في البراني وهي تجبّ عوالم الناص برحلة لها التقاطاتها السايكلوجية وتحولاتها المتغيرة لكسر حواجز اللاوعي بلغة ناطقة مصورة
مخزون النص وهيكلته :
من المتن المُعنون نجد الترف اللغوي في كلمة (ضوع) تعتلي المفردة إتقانها المطرف لمكامن التوصيلة بين ضوع/ وهي المعنى اللافت للطيوب وانتثارها فالضوع = عطر
و(القصائد) هي الشعرية مجتمعة
فالناصة تقصدت أن تقول القصائد جمعاً لمفردة القصيدة كي تبوح بميكانيزمية مفتوحة المعنى ولتعطي الإصرارعلى الحالة الحسية التي تتشاجن بدواخلها بتكتيكية لفظية أبدعت من خلالها المعنى لما بعد المتن في دوال النص
ففي مهب وصول نحو نقطة اللارجوع
( بوصلته استقرت ) تأخذنا مسافات ما تيسر من وجدان النص وتضع علامات يتبصر بها المتلقي لخطوط الطول والعرض لإشكالية الفراق التي تترك بصمتها في كل منحى في مجريات سردية النبض
ففي الكتمان آيات بينات ( كتمت القصايد )
أشد عنوة من البوح مع التأكيد بفعل ماضي
(كتمت) الذي يرسخ التمنع من تلك الحواء في إبداء لواعج الفؤاد أمام الحبيب لتأخذنا نحو صورة تفرض هذا التأكيد
( من عيون الشعر رحلت ) في ختام للجملة بفعل ماضوي آخر بغية التأكيد مع تصوير غيّر من معنوية (الشعر) الذي يسقط على المشاعر إلى تجسيد بشري تم إتاحته ومفردة (عيون) لتضع المتلقي أمام مشهد للهروب ليس من النظر بتلك المشاعر بل من قيادة النظر نحوها فهي راحلة من مقعد قيادة تلك المشاعر في إيحاء رائع بالتخلي عنها مع إنزياح ما بين
( الشروق / الظلال ) لتأخذنا نحو عنوة الرحيل دون إنذار ليتلاشى ( الشروق ) هذا الفجر في (جماذوقية)
( ما زالَ ضوعُ قصائِدي
يفوحُ في سراديبِ الذِّكريات )
لها معيارها الرمزي لسقوط الوصل مع منح الشريك وصمة الذنب
( تركت القلب الخافق يذوي ) ليس عتاباً بل إقرار عبر /جملة فعلية/ في الماضي بسببية ما كان وإرجاع الأمر على المنوط بتلك الرسائل التي احتجبت في قلب الرسالة
( قحلت / جفت )
عبارتان تضع كل منهما مشهد تصويري متصل بالأخرى في تفريغ للمعنوي المصرح به
(أمنيات / أحلام ) من معنوية وجودهم إلى تجسيد شيئي جمادي
( أرض ) قاحلة هي إشاراتية إلى سائل جف معينه لتتوقف بنا أمام صورة بديعة لهذا
(الخوف المرتجف) في إسقاط على عدم مداهمة روحها بمشاعر الفقد فعدم مثول الخوف من الغياب يمنح الرؤية حضور بمعنى فقدان الرغبة في العودة للنقطة صفر حتى أنها لا تشعر بغضاضة من التصريح بعدم الرغبة في هذا الغياب مع تصوير منح الخوف تجسيد بشري أتاحه
( المرتجف / التلويح ) ومنحه حضور واعي ( يأبى ) يتيح التبصر والتعقل في اتخاذ القرار وهو فعل بشري يتماشى مع شمولية الرؤية ككل من كون الخوف ممارسة عقلية عندما يرافقها التبصر والتعقل تسقط على فعل إنساني
حتى يتحول الأمر إلى القهر والإجبارفي ختام النص عقب تمهيد بمشاهد مصورة بأفعال في الزمان المضارع
( أتنفس الغياب / كجثة بلا روح أتحرك ) للتأكيد على استمرارالشجن وأفعال أخرى في الماضي
( نصب جدارالألم / قلم براون )
لتوكيدية الحدوث والانتهاء بالفعل
فتحوا مجريات النص نحو نهاية القصة مع لمحة تذكر بها الناصة المعني بالخطاب بأنها كانت الحبيبة والمقربة له قبل أن تختم بما يعني الإجبار والضيم الواقع عليها منه
( تركتني قسراً ) مرسل بين أشواق وشجن وعارض من الألم
النص : يعج بالصور ( ترفض الاحتراق في جمرة العين ) في تحويرية للدمع إلى سائل سريع الاشتعال في موقد العين لتضع رغبة أخرى في عدم البكاء في تعضيد لأمر متعارف عليه من هطول الدمع السريع في لحظات الشجن ليتماشى مشهد الإشتعال مع انسياب
(اشتعال) الدمع السريع
في نزوع حداثي وتنقل متسارع ما بين الصور المضيئة حتى نهاية النص بضوابط ممنهجة أسلوباً وشكلاً ولغة ومنطقية مدركة
فشعرية المبدعة تعتبر قصيدة دائمة السفر بمعنى أنها راسخة تصلح لكل وقت وزمان بظاهرة مفتوحة القرارات بمسار أيدلوجي حسي لم يتكئ على السياقية الفنية فمسارات النص تضج بالصور
( فريسةَ أشواقٍ
أنيابُها الألمُ
براثِنُها الشَّجنُ ) التي تتالى لتعطي المعنى العام والغائية المراودة للذاتية الشعرية
لاتنفصل الشاعرة في حضورها الوجداني عن تلك الأنثى التي تسكنها بكل ماتحمله من نزعات غريزتها وترويض الحبر المتأجج لينصاع لما يتركه الحرف من أثر بديناميكة تبث جيناتها بفوران أدبي تلك سامية خليفة
أبعد ماتكون عن الدوغمائية والأبتسمولوجية
إنما سياقات نصها فعّلت الكلمات لتفتح أفق لمحدودية المفردة الشعرية بايدلوجية منتجة فكرياً (الحنينُ قلَّمَ براثِنَ الزَّمنِ
لعله يُجمِّل قباحةَ الأيّامِ
كلُّ نبضةٍ بي تنتحرُ
أنا الماسةُ التي أحببْت بريقَها)
والبحث في الذات الشاعرة والأخرى من حيث الدلالة والمدلول بصورحية
(السَّفرُ بوصلتُهُ استقرَّتْ
فدُق ناقوسُ الفراقِ...
وحيدة أتنفَّسُ الغياب
كجثَّة بِلا روحٍ أتحرك
فالرّوحُ سافرتْ إليك)
هي توكيدات حسية
لفظية قائمة على التصويرية الأنوية للحالة إلى جهة استحصال نتيجة مؤثرة
بإنتاج معني فني وتعبيرية مولدة للمدرك الحسي المدهش للنهاية بتضالعية بين ذاتية وتجربة وإبداع وتماسية نفسية
(فريسةَ أشواقٍ
أنيابُها الألمُ
براثِنُها الشَّجنُ)
أ.سامية مبدعة تفلسف ادلجة النص بجسده الكوني وبعمق معرفي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق