الأربعاء، 31 مايو 2023

مبدع على محك الذاكرة  المؤرخ: علي الورداني 📖الرحلة الأندلسية/ جمع وتقديم: عبد الجبار الشريف

 مبدع على محك الذاكرة
 المؤرخ: علي الورداني

📖الرحلة الأندلسية/ جمع وتقديم: عبد الجبار الشريف

    علي الورداني أصيل بلدة أكودة عاش فيما بين سنتي 1860 و1914، درس في المعهد الصادقي وكان من أنجب طلبته، أُرسل إلى فرنسا لمواصلة تعليمه العالي غير أن انتصاب الحماية منعه من ذلك إذ حوّل الاستعمار المدرسة الصادقية إلى مدرسة مهمتها إعداد المترجمين فقط فانتقل إلى تركيا ومنها عاد إلى تونس لينشر على صفحات جريدة الحاضرة "الرحلة الأندلسية" ويقع انتدابه للترجمة في الحكومة ومن الجدير بالملاحظة أنه اشترط أن يُعَرِّبَ النصوص الفرنسية وأن لا ينقل أي شيء من اللغة العربية إلى الفرنسية فكان له ما أراد، وهو في موقفه هذا يقدّم درسا غاية في الشفافية عن حبّ الوطن والدفاع عنه وحمايته من الأغراب وأطماعهم وذلك بامتناعه عن أن ينقل أخبار أمّته وأسرارها وثقافتها إلى لغة المستعمر حتى لا يساهم في تأبيده في تربة الوطن الطاهرة، لاحظوا جيدا دقة هذا الموقف ومضاءه،  صحبة هذا قصيد لعلي الورداني حفظه لنا محمد المرزوقي كتبه بعد إمضاء معاهدة المرسى سنة 1883 وفيه يتحدث عن علي باي الثالث الذي يعيش بيننا اليوم ونجد نسخا منه تتصدر موائد الطعام في السفارات الأجنبية وفي البلاتوهات التلفزية وفي أحزاب الهانة.
          📖 يقول علي الورداني في كتابه الرحلة الاندلسية - و لمن لا يعرف علي الورداني هو اديب تونسي من الوردانيين بجهة الساحل اصطحبه الوزير خير الدين الى اسطنبول لما انتقل اليها و تقلد فيها الصدارة العظمى اي رئاسة الوزراء ايام السلطان عبد الحميد الثاني و و تولى الورداني الترجمة و كان يحسن اللسان الفرنسي و الايطالي و كان من ضمن البعثة التي ارسلها السلطان عبد الحميد الى اوروبا
✒- المهم يقول في زيارته للمسجد قرطبة"( فلما دخلنا الجامع و توسطنا مساكبه اخذتني وحشة شديدة لدرجة اني انعزلت ناحية بعيدة، و قد اغرورقت عيناي بالدموع لما اصابني من التأثر، فجلست في مكان منحرف عن صحبي، و بينما انا في تفكيري و تاثيري اذ بيد من ورائي وضعت على كتفي من غير ان اشعر، فاذا بسعادة سفير تركيا يضحك في وجهي و يخاطبني بقوله: يظهر انك انزعجت من رؤية جامع اسلامي حول الى كنيسة؟ فاعلم ان مثل هذا يقع لكل الدول التي امتدت فتوحها الى الشرق و الغرب، لكن لا تنسى اننا اذا خسرنا مسجدا تقام فيه الان طقوس المسيحية، فانا نملك ما هو اعز و اثمن من ذلك في نظر هؤلاء المغتصبين، الا و هي كنيسة القيامة في القدس، تلك التي يعتقدون انها تضم رفات إلاههم كما يزعمون، فاذكر هذا يهون عليك...)
 و لست ادري ماذا نذكر في ايامنا هذه ليهون علينا..!
  ان صعود و سقوط الحضارات له سياقه التاريخي فالحضارة الاسلامية كانت لها بدايتها و قد اطلق بعض المستشرقين على تلك البدايات بالثورة فقد كانت تلك الهبة العربية الاسلامية التي اجتمعت و تفاعلت اعداد من الاسباب و العوامل من كل نوع.. بعضها نفسي روحي ز هو اهمها يقوم على تفجر الاسلام و عقيدته في القلوب و ما يتبع ذلك من الايمان بعقيدة واحدة جعلت للعرب قلبا واحدا و رسالة عالمية.و من اليقين بالجهاد، و الرغبة في التحرر و من العوامل ماهو اقتصادي يقوم على رفض الفقر و شح الموارد و ارتفاع مستوى الامل بالغد الافضل. و منها الاجتماعي الذي يقوم على ظهور جيل من القادة و الابطال ابناء مدرسة الرسالة وجدوا السبيل لابراز مواهبهم الحرية و الادارية، مع التكاثر الديمغرافي الذي استطاع ان يحشد مئات الالوف من الجند بعد المئات. و منها السياسي الذي يتصل باتحاد القوى بدل تصادمها، و توجيهها نحو هدف اسمى بدل التفاني فيما بينها في الداخل بالحروب القبلية  و منها المادي كاستغلال حركة الجمال و الخيل السريعة و التكتيك العسكري المتقدم. مع ما استلهمته هذه الامة الوليدة من رسالتها و وعيها بقدرها التاريخي و قدرتها على التحدي و الاستجابة.فكانت القفزة الحضارية الضخمة. و هذه القفزة الضخمة هي الاسلام. ففي سنين عددا كان الروم و الفرس اثرا بعد عين. و لكن اللحظة الانقلابية في التاريخ كانت تلك الموجة الضخمة من التعمير مع ما صاحبه من نشر التسامح و المساواة. و بالرغم من مقتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين الاوائل لم يكن لها اي تاثير على هذه اللحظة. كانت الامة الاسلامية في عقيدتها اقوى من ان تهتز سواء كان القتل بفعل خارجي او داخلي او نتيجة تعصب لرأي.و لم تهتز بعد ذلك في ازمة الحكم مع الامويين . بقيت ثابتة. و بدأت الحضارة العربية الاسلامية تتفتح بشكل مذهل فالاسلام لا بوصفه دينا الهيا فقط و لكن بوصفه اسلوب حياة كاملة، و منهج حضارة و فكر للعالمين .
و تواصل هذا الخط الحضاري صعودا رغم ما اعترى الامة الاسلامية من تمزق و صراعات سياسية فكانت ملحمة اخرى هذه المرة الاسلام من دون سيف يخترق حوض السند و شمال الهند حتى اواسطها. و يصل قفزا الى جزر مالديف. و يطوف بخليج البنغال ليصل الى الماليزيا و الجزر الاندونسية و شرقي البحر الاسود على طريق الحرير حتى قازان و بلاد القرغين وراء تركستان و اراضي و كل اسيا الوسطى و يدخل الصين من الغرب و ينفذ الى افريقيا السينغال و مالي
 و النيجر و غانا و يبني مملكة تمبكتو الممتدة حتى غانا
و بحيرة التشاد. كل هذه الملحمة التوسعية للاسلام كانت انتشارا ذاتيا مع التجار و الدعاة و لم يرفع فيها سيف و لا اريقت نقطة دم.
 و لكن اوروبا استفاقت و اتخذت لها هدفا و هو القضاء على الاسلام كانت اوروبا قد اغتنت بالذهب الذي ياتيها من التجارة المباشرة مع المسلمين فتكاثرت اساطيلها و قويت
و و بتحريض من البابوية توحدت اوروبا فاخذت نصف الاندلس و صقلية و توجهت الى المشرق لاسترداد بيت المقدس و تحريرها و برغم من المقاومة التي واجهت هذا السيل و انتصارها فالخط الحضاري بدأ في النزول و اتخذ شكل النهضة الجمعية لا الابداعية فتكاثر الاهتمام بالتراث في الفقه و العلم و الادب مع القليل من الابداع كابن خلدون و تجمدت عقول الفقهاء عن الاجتهاد و انتشرت الفرق الصوفية و ظهرت طوائف لا علاقة لها بعقيدة الاسلام و في خضم هذا التمزق السياسي و الاجتماعي سقطت الاندلس
و دخل الاسبان سواحل المغرب و افريقية و ان صعدت قوة جديدة و هي الدولة العثمانية و افلحت في اعادة توحيد الدولة الاسلامية حتى الجزائر فانها كانت مصابة بنفس الداء الذي اصاب المجتمع و هو تلك السكونية التي افرغته من كل انتاج حضاري.

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق