الأحد، 23 مايو 2021

نْيُويُورك - تُفَّاحَةٌ مِنْ حَجَرْ بقلم الشاعرة شادية حامد

 نيويورك الآن.......

نْيُويُورك - تُفَّاحَةٌ مِنْ حَجَرْ
شادية حامد
——————————
"نِيرَانٌ دَائِمَةٌ تَرْقُدُ غَافِيَةً عَلَى أَحْجَارِ الْصُوَّان"
لوركا
————
سِرْدَابٌ وَرَاءَ سِرْدَاب.
لَا نَافِذَةَ ،
وَلَا بَاب .
أَهَذِهِ نيُويُورْك ؟
أَمْ هَذِهِ حَفِيدَةُ إِرَمَ ذَاتَ الْعِمَاد ؟
إِذَنْ ،
مَاذَا تَفْعلُ الْمَلائِكةُ
فِي هَذِه الْبِلاد ؟
كَأَنَّهَا هِيَ .
وَلَكِن تِلْكَ بأَنَامِلَ مِنْ قَصَبٍ
وَهَذِه بِقَلْبٍ مِن إسْمَنْتْ .
طُوبَى لِلإسْمَنْتْ .
هَا هُنَا ،
حَتَّى أَدَقُّ الْمَشَاعِرِ وَالْأفْكَارِ مِنْ إِسْمَنْتْ .
الْعَقْلُ جدَارٌ رَقَمِي .
الْلُّغَةُ جَدَارٌ آخَر .
وَالْرُوحُ ، بَيْنَ بَيْن ، رِيشَةٌ .
مُجَرَّدُ رِيشَةٍ
فِي مَهَبِّ الْرَّمَاد .
يَا أيُّهَا الْرَّمَاد !
فِي أَيِّ قَارُورَةٍ كُنْتَ إلَى حَدِّ الْآن ؟
الْصَّيْفُ ذَهَبَ َوعَاد .
وَأَنْتَ مَا تَزَالُ هَا هُنَا ،
فَوْقَ رُؤُوسِنَا ,
تَتَأَوَّه .
هَا هُنَا ،
تَحْتَ الْرَّمَاد ،
تَحْتَ أَجْفَانِ مِيدُوزَا ،
وَفِي غَفْلَةٍ مِنْ سَيْفِ بِيرْسْيُوس ،
أَنَّى لي أَنْ أُحِيطَ بِأَشْلاءِ الرَّمْز ،
وَأَضْغَاطِ الْمَعْنَى ؟
هَا هُنَا ،
مُنْذُ مَا لا يُحْصَى مِنَ الْحُرُوب ،
وَالْمَجَاعَاتِ ،
وَالْأَعَاصِير ،
وَالْزَلَازِلِ ،
تِمْثَالٌ لِلْحُرِيَّةِ ،
مِنَ الْسَمَاءِ كَالْحَمَامَةِ
وَمِنَ الْأَرْضِ كَالْطَاوُوس ،
بِأَجْنِحَةٍ مِن زِئْبَق .
وَشِفَاهٍ مِنْ مَطَّاط .
حَوْلَ الْرَّأْس سَبْعُ مِسَلّات .
كِتَابٌ فِي الْيَمِين .
وَمِشْعَلةٌ فِي الْيَسَار .
قَد اخْتَلَطَ الْلَّيْلُ بِالْنَّهَار
وَمَا عَادَتْ حَتَّى اِيمَا لازَارُوس تَتَذَكَّر مَا كتَبَتْ
هَا هُنَا ،
عِنْدَ قَاعِدَةِ الْتِمْثَال .
هَا هُنَا ،
بِاسْمِ الْحُرِيَّة ، يَصْنَعُ الْحَجَرُ مَا يَصْنَع :
لِنَفْسِهِ ،
فِي وَقْتِ الْقَيْلُولَةِ ،
أُرْجُوحَةً زَرْقَاء .
لِيْ
- أَنَا الّتِي لَسْتُ لَا سيدة أَعْمَالٍ ،
وَلَا عَارِضَةَ أَزْيَاء –
أُغْنِيَةً سَوْدَاء.
لِأمْثَالِي :
قُبَّعَاتٍ مِن تِبْن .
ولِلْبَاقِين مَخَابِئَ
تَحْتَ الْأَرْض.
هَا هُنَا ،
كَمْ رِيشٍ مُخْتَلِفِ الْأَلْوَان،
كَمْ حَضَارَةٍ ،
كَمْ لُغَةٍ ،
كَمْ لِسَان ْ ،
وَلَكِن بِالْله عَلَيْكْ ، أيُّهَا الْطَاوُوس الْحَجَرِي
مَاذَا أَدرَكْتَ مَنْ بَحْرِ الْظُلُمَاتْ ؟
مَاذَا تَرَكْتَ لِي فَوْقَ ضَرِيحِ الْمَعْنَى ؟
وَمَاذَا تَرَكْتَ لِلْهُنُودِ الْحُمْر
فِي قَرَارَةِ الْفِنْجَان ؟
هَا هُنَا ،
- حَوْلَ الْفِنْجَان –
صَعَالِيكٌ ،
غَجَر ،
بشرٌ يأْكُلُهُم بَشَرْ ،
أَحْفَاد لُورْكَا ،
زِنْجٌ ،
وَإفْرِنْجٌ ،
وَإغْرِيقٌ ،
وَأسْبَان ،
وَرُومَان ،
قَيَاصِرَة ،
وَجَبَابِرَة .....
لَكِنَّهُم أَحْرَار .
بِالْمُقَابِلْ :
هُنَالِكَ ، فِي شَرْقِنَا الْقَدِيم ،
مُنْذُ أَنْ كُنَّا وَخَيْرٌ عَمِيم
تَجِيءُ مِنْ أَقْصَى الْغَرْبْ :
قَنَاطِيرُ قَمْحٍ يَتَقَاسَمُ رَيْعَهَا
الْسَلَاطِين ،
وَالْسَمَاسِرَة ،
وَشُيُوخُ الْقَبَائِل
أَكْيَاسُ مِلْحٍ فَاسِدٍ ،
طَوَاحِينُ هَوَاء ،
ذُبَابُ خَيْلٍ تَلِيهِ أَرْتالٌ مِنَ الْنَّمْلِ الْمُجَنَّح :
دَائِمَاً ،
بِاسْمِ الْحُرِيَّة
مِنْ أَجْلِ سَحْقِ الْحُرِيَّة .
هَا هُنَا ،
فِي شَرْقِنَا الْقَدِيم :
الْقَيْلُولَةُ الْطَويلَةُ ،
وَالجَدَل الْعَقِيم .
بَيْنَمَا هُنَالِكَ ، مِنَ الغربِ إِلَى الْغَرْب :
صَخَب ٌ ،
زِحَامٌ ،
نَاطِحَاتُ سَحَاب ،
سِرْدَابٌ وَرَاءَ سِرْدَاب ،
وَقْتٌ يَقتُلُ الوَقْت ،
فِي عُجَالَةٍ ،
وَمِنْ غَيْرِ أَدْنَى نَدَم ،
أَوْ عِتَاب .
أَهَذِهِ وَاحَةٌ ؟
أَمْ هَذَا سَرَابْ ؟
هي ذي Manhattan
دُونَ تَوَقُفٍ ،
وَدُون اسْتِرَاحَةْ ،
هِيَ ذِي ، ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَرَابِعَة
كَأَنّهَا قِلَادَةٌ مِنْ فَوَانِيسَ
فَي صَحْرَاءَ شَاسِعَة .
كَأنّمَا نيُويُورْك بُسْتَانٌ أَشْجَارُهُ مِنْ حَجَر
وَأَصْغَرُ تُفَّاحَةٍ فِيهِ
لَا يَفُوحُ مِنْهَا أَيُّ شَيْء،
أَيُّ أَثَر ،
غَيْرَ أَنّهَا مَنْحُوتَةٌ بِأِزْمِيل أَعْظَمِ فَنَّان ،
أِزْمِيل جَدِّ الْبَشَر ،
الْشَيْطَان !
وَاحِد .
اثْنَان .
ابْتَعِدَا عَنِ الْسِكَّة ،
بَعْدَ قَلِيلٍ يَنْطَلِقُ الْقِطَار .
هَا هُنَا ،
فِي
‏MADISON SQUARE
يَنْطَلِقُ مِنْ مَحَطَّة Penn
في كُلِّ عُشُرِ ثَانِيَةٍ ،
قِطَار .
قِطَارٌ وَراءَ قِطَارْ
نَحْوَ الْحَاضِر .
نَحْوَ الْمُسْتَقْبَل .
نَحْوَ كُلّ مَا هُوَ طَارِئٌ وَمُفَاجِئٌ وَجَدِيد
هَكَذَا ، مَحَطةً مَحَطّة ،فِي بِلَادٍ بَارِعَة
فِي صَهْرِ كُلِّ شَيْء
الْطَبِيعَةِ وَالْثَقَافَة .
الْحَدِيدِ وَالْجَلِيد .
الْحَدِيدُ يَؤُولُ إلَى
حِلي حَوْلَ جِبَاة الْنَاس وَأَعْنَاقِ الْمُدُن .
وَالْجَليدُ إِلَى أساوٍر حَوْلَ أَقْدَام عُمَّالِ الْمَزَارِع ،
وَأَحْدَاقِ بُنَاةِ الْسُفُن .
‏NO COMMENT
قِفْ وَرَاءَ ظَهْرِ تِمْثَالِ الْحُرِيَّة
ثُمَّ اجْلِس عَلَى رُكْبَتَيْك
وَشَغِّل الْكَامِيرَا
هَكَذَا هُمْ ،
بَيْنَمَا نَحْنُ : كَمَا نَحْنُ
نَقْبَعُ فِي بِلَادِ الْذَهَبْ
قُرْبَ كَوَانِينِ الْحَطَبْ .
قَاطْ ،
عَرَقْ ،
نَارْجِيلَة ،
ثُمَّ هَاتِ ، أَيُّها الْحَكَوَاتِي
مَا فِي جُعْبَتِك :
قَصَصْ ،
وَخُرَافَاتْ ،
وَأَسَاطِيرْ ،
عَنِ الْأَنْدَلُس ،
وَأَلْفِ لَيْلَة وَلَيْلَة ،
وَالْسِنْدِبَاد ،
وَخَزَائِنِ ثَمُود ،
وَعَجَائِبِ عَاد .
إلَى مَا لَا نِهَايَة ،
أَوْ إلَى أَنْ يُرَنِّقَ الْنَوْمُ عُيُونَ الْصِغَار.
هكذا نحن في شرقنا القديم ،
حين ننام ،
وَحِينَ نَصْحُو ،
وَحِينَ يَنْطَلِقُ مِنْ مَحَطَّة Penn
فِي أَقَلَّ مِنْ عُشُر ثَانِيَة
مِلْيوُن قِطَار وَقِطَار .
هَارْلِمْ !
يَا هَارْلِم !
كَم الْسَاعَة الْآن بِالْدَقيِقَة َ والَثَانِيَة ؟
أَزِفَ الْوَقتُ وَهَا أنَا الْآنَ فِي هَذِه ِالْمَحَطَّةِ
بَيْنَمَا أَقْدَامِي فِي مَحَطَّة نَائِيَة .
هَارْلِم !
يَا هَارْلِم !
قَلْبِي عَلَيْكِ .
قَلْبِي عَلَى الْوَجَع الْطَاعِنِ فِي غَيَاهِبِ الْجَاز ،
فِي سَحَائِبِ الْكُوكَايِين ،
وَفِي مَقَالِبِ الْمَجَاز .
يَا أَنْكَى الْكُلُوم وَالْكَلِمَة ،
هَارْلِم !
يَا هَارْلِم !
يَا أَوَّلَ وَأَطْوَلَ صَيْحَة مُؤْلِمَة !
أُرِيد أَنْ أُصَلِّي .
وَلَكِن هَذِه كَنِيسَة ٌ
الْتَرَاتِيِل فِيهَا سَوْدَاء
والْقِس أَبْيَض .
كِيْفَ أُصَلّي ،
بِأَي لُغَة ،
بِأي سِفر ،
وَخَلْفَ مَن :
خَلْفَ أبْرَاهَام لينكلن ،
أَمْ خَلْفَ رُعَاة الْبَقَر ؟
‏SOS
هَذَا وَقْتٌ غَيْر الْوَقْت .
وَهَذَا مَكَان غَيْر الْمَكَان .
هَا هُنا ، قبل تَقَاطُع بْرُودْواي والْجَادَة السَابِعَة
في ميدان Times Square
زُحَام ،
ضَوْضَاء ،
أَشْرِطَة أخْبَار ،
لَافِتَات عِمْلاقَةٌ تَُنَاطِح الشَّمْس ،
أَيَّتُهَا الشَّمْس ،
يَا مَكْتَبَةً أَيْنَ مِنْهَا مَكْتَبَةَ الْكُونْغْرِس
وَلَكِن بِلا كُتُب ،
وَلا رُفُوف
قَدْ بَانَ الْمَعْنَى
أَهَكَذَا يَبْدُو الْخُسُوف؟
أَمْ هَذِه فَقَط فَتْرَة مَوْسِمِيَة
يَكُون فِيهَا الْمُحِيط فِي سُبَاتٍ ،
بَيْنَمَا الْمَرْكَز فَوْقَ نَار قَوِيَّة ؟
أَيََّتُهَا الشَّمْس ! لا مَنَاص .
وَأنْتَ ، يَا شَبِيهي ، احْتَرِس !
هَا هُوَ أَوَان الْكُسُوف
قَدْ تَخْلَع نَظَّارَتَك السَوْداء
قَد يَخْدَعَكَ النَّظَر .
وشَظَايَا البشر
فيِ مَرَايَا هيئة الأمم
قَدْ تَنْسَى ، وَقَد تَحْسَب ، تَحْتَ تَأثِير النِيُون
أَنَّ لَثْغَتَكَ لَم تَعُد مَرْئيِّة .
أَو أنَّ بَشْرَتَك قَدْ صَارَت - مَعَ الْوَقْت – بَيْضَاء .
حَذَارِ .
احْتَرِس .
فَأَنْتَ مِنَ الشَّرْق .
وَأَبْنَاء الشَّرْق لَيْسُوا كلّهم
مِنْ أَبْنَاء السَّمَاء.
أَنَا كذلك مِنَ الشَّرْق .
ومِثلي مَنْسِيَّة مِنَ الْمَتْن
كَيْفَ لِي أَنَ لَا أُجَن ؟
وأنا أُجيل النَّظَرَ فِي أَرْجَاء
‏ METROPOLITAN MUSEUM OF ARTS
زَخَارِف مِنْ مِصْر ،
مَصَاحِف مِنَ الْقُوقَاز ،
مُنَمْنَمَات مِن أَصْفَهَان ،
أَرَابِيسْك ،
قُدُور مَنْحُوتَة ،
نُقُوش هِيرُوغْلِيفِية ،
وأَلْوَاح آشُورِيَّة .
أَحَقاً هَذَا ؟
أَمْ أَنَّه عَلَيَّ أَنَا أَيْضَاً
أَنْ أُعِيدَ النَّظَر :
فِي لُغَتِي ،
وَإِثْنِيَّتِي ؟
شادية حامد
نيويورك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق